حظي الشعب المصري إبان ثورة 25 يناير بإعجاب شعوب العالم وتخذه الثوار في القارات الخمس مثالا يحتذي من حيث التضحية و الشجاعة ووضوح الهدف و الإصرار علي بلوغه و القدرة علي الحشد السلمي و التنظيم و التحضر و الإنسانية وأصبح ميدان التحرير نموذجا يطبقه الثوار في كل مكان مثل نيويورك و أوكلاند و مدريد و أثينا وغير ذلك. واعتقد المصريون و معهم شعوب المنطقة و العالم بعد إجبار مبارك علي التخلي عن منصب رئيس الجمهورية أن مصر بصدد إسقاط نظامه الفاسد والقضاء علي عصابات النهب و السلب المنظم لثروات مصر الهائلة.إلا أن تلك العصابات التي ظلت تسيطر علي مختلف أجهزة الدولة كانت تخطط منذ قيام الثورة يوم25 يناير وربما قبلها لإسقاط الثورة والإستمرار في حكم البلاد و نهب ثرواتها والحيلولة دون تعرضهم للمحاكمة والقصاص منهم .ومنذ بدية الثورة وحتي يومنا هذا والصراع محتدم بين الثوار وبين النظام كل منهما مصر علي إسقاط الآخر ولكل منهما قوي اجتماعية تسانده و أساليب متنوعة يستخدمها لتحقيق أهدافه. الثوار تساندهم أغلبية القوي الشعبية التي قامت بالثورة و قدمت آلاف الشهداء و المصابين والتي تري في نجاح الثورة في تحقيق أهداف الحرية و الديموقراطية و العدالة الإجتماعية و إسقاط النظام تحريرا لها من البؤس و الفقر و المعاناة والذل الذي فرضه النظام عليهم لسنوات طويلة و هذه القوي لا تملك سوي الإرادة و الحق و القدرة علي الحشد بأعداد هائلة للضغط علي من أسند لهم مبارك مهمة إدارة شئون البلاد للتوقف عن إعاقة تحقيق أهداف الثورة و تعتمد علي أن الحق معها وعلي قدرتها علي الصمود و انكسار حاجز الخوف لدي الشعب وأيضاً علي جبن و هشاشة النظام و افتضاحه علي المستويين المحلي و العالمي وتعتمد هذه القوي أسلوب التظاهر و الإعتصام السلمي في صراعها مع القوي المساندة للنظام ويساعدها في الإعلام و الحشد بعض المثقفين و الإعلاميين الثوريين و شباب الفيس بوك و التويتر و الإتصالات التليفونية و الشخصية وبعض القنوات الفضائية التي تتعرض للمداهمة و الغلق و المنع من البث من آن لآخر. النظام القائم الذي كل همه إسقاط الثورة تسانده القوي المالية الطفيلية التي كونت ثرواتها من النهب الممنهج لثروات مصر من أراضي الدولة و شركات القطاع العام والمناجم و عوائد قناة السويس و البترول و المناجم والعمالة بالسخرة في مشروعاتها و أموال البنوك وغير ذلك من موارد الدولة وكذلك كل المسيفيدين منهم و من النظام من كبار الرئاسات في كل وزارات و أجهزة الدولة الادارية و الخدمية ومن الحكم المحلي ونواب القروض و الرشاوي في المجالس النيابية السابقة ومعهم بعض ممن يطلق عليهم تسمية الرأسمالية الكومبرادورية أي وكلاء الشركات الأجنبية العاملين في استيراد السلع و ليس إنتاجها محليا.ولكل هؤلاء تنظيماتهم الحزبية مثل الحزب الوطني المنحل شكلا وغيره من الأحزاب الكرتونية والأحزاب الجديدة و المحظورة سابقا والتي حصرت جل اهتمامها في الفوز في الإنتخابات و الوصول للسلطة و حرمت الخروج علي الحاكم .وتلقي هذالقوي التأييد و الدعم من قوي خارجية و بصفة خاصة دول خليجية .وتعتمد هذه القوي بصفة أساسية علي أجهزة الدولة القمعية بكل ما لديها من إمكانات بشرية و معدات فتاكة لفض و تفريق الحشود الجماهيرية للثوار كما تعتمد علي أجهزة الدولة الإيديولوجية وبصفة خاصة القنوات التليفزيونية الحكومية الأرضية و ما تسمي بالصحافة القومية المملوكة للدولة لبث الدعاية المناهضة للثورة ولنشر الأكاذيب و اتهامات الثوار بالعمالة لقوي أجنبية و بث الفرقة بينهم و يساندها في ذلك نوعية من الدعاة تتولي تنفير الجمهور من الثورة باسم الدين بادعاء أن الثوار علمانيون و ليبراليون غير متدينيين . الثوار كان شعارهم منذ البداية و مازال : سلمية سلمية والنظام كان شعاره منذ البداية و مازال قمعية قمعية و لذلك لم يقتل الثوار أحدا من أتباع النظام وكل ما طالبوا به هو المحاكمة العادلة لكل من ارتكب جريمة ضد الشعب و الوطن بينما قتل النظام و شوه الآلاف من الثوار و سلط عليهم البلطجية لترويعهم ولتدميروحرق الممتلكات العامة وآخرها المجمع العلمي كي يتهمهم بها و يصرف الجماهير عنهم . اعتمد الثوار الصدق و النقاء الثوري و الفداء و التضحية و الغيرية و الوطنية وبناء المستقبل منهجا و اعتمد النظام الكذب و التضليل والوحشية والأنانية وإعلاء المصالح الشخصية و الفئوية للنظام علي مصالح الوطن وعلى مستقبل الأجيال وسائل لتحقيق استمراريته. ان التحليل العلمي الاجتماعي لطبيعة القوي الاجتماعية الفاعلة علي الساحة الآن و صراع المصالح بين الإستغلاليين و الإنتهازيين و غالبية الشعب صاحب المصلحة في انتصار الثورة ونشر الوعي بذلك بين كل قطاعات الشعب ضرورة ملحة الآن لمواجهة جهود النظام في تحويل التناقض الأساسي بين قوي الإستغلال التي يمثلها النظام ووبين قوي الشعب التي تمثلها الثورة إلي تناقض أو صراع بين الإسلاميين و العلمانيين أوالليبراليين أو بين المسلمين والمسيحيين أو بين الشباب و الشيوخ أو بين دعاة الإستقرار و دعاة الفوضي . وأخيرا يدلنا التحليل الواقعي للحركات الثورية في العالم كله الآن ولما طرا علي الشعب المصري من تغير بعد الثورة أن النظام يسبح ضد التيار بينما تقود الثورة مصر في مسار التطور التاريخي للبشرية.