زار وزير الخزانة الأمريكية جاكوب ليو مصر منذ أيام، وأكد على دعم بلاده اقتصاديًّاً للنظام المصري، وحرصها على تقديم الدعم المادي والعسكري للحكومة المصرية، وهو الأمر الذي يخالف الأهداف التى قامت من أجلها ثورة 30 يونيو، ومطلب الاستقلال الوطني والتنازل عن أي دعم مادي يأتي من أمريكا، والتخلص من التبعية الأمريكية، كما يخالف التوجهات التى أعلن عنها الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة اعتماد مصر على نفسها اقتصاديًّا وتبنى ذلك الموقف فى مشروع حفر قناة السويس الجديدة. "البديل"رصدت آراء السياسيين حول هذا الأمر، وما إذا كانت مصر ستسير على نفس الطريق القديم بقبول المعونات الأمريكية التى تستخدمها أمريكا فيما بعد لمحاولات التدخل فى الشئون الداخلية المصرية ووضع إملاءاتها الخارجية على أنظمة الحكم فى مصر. يقول هاني الحسيني عضو المكتب السياسي بحزب التجمع إن تصريحات وزير الخزانة الأمريكية التى قالها فى القاهرة عن استمرار المساعدات الأمريكية المادية لمصر فيها نسبة كبيرة من الحقيقة، فالإدارة الاقتصادية فى مصر لم تخضع لأي تغييرات جذرية، وشكلها هو هو ومفاهيمها هي هي، وحتى إذا افترضنا أن الحكومة الحالية هي حكومة تكنوقراط فهم تربوا فى ظل هذه المفاهيم الاقتصادية التى تتبناها مصر منذ الانفتاح والتى روشتة علاجها تكون دائماً عند صندوق النقد، ومن الممكن أن تجد أحياناً تصريحات اجتماعية من مسئولين، ولكنها لا تعبر عن الخروج عن الفكر الاقتصادي التقليدي. وأضاف "الحسيني" أنه إذا أردنا التحدث عن تغييرات جذرية فى التوجه الاقتصادي للدولة فيجب أن نبدأ عمليات إصلاحات مستقلة، وأن نتطرق بجدية إلى الصناعة والزراعة، بدلاً من مسارنا الاقتصادي الحالي، مؤكداً أن هناك محاولات حقيقة لنهج هذا الاتجاه، ولكنها محاولات لم ترقَ بعد لأن نقول إن مصر غيرت سياستها الاقتصادية. وأكد "الحسيني" أنه بخلاف الاعتماد على الزراعة والصناعة، على مصر أن تصلح من هيكلها الاقتصادي، وأن تنتهج طريقة راديكالية فى معالجة بعض الأمور المالية فيما يخص ضرائب الأرباح على البورصة، ومراجعة الضرائب حسب الأوعية الضريبية، ومواجهة تسقيع الأراضي، والضرائب على العقارات، ومواجهة التهرب الضريبي، مشيراً إلى أن مشروع قناة السويس مثلاً وتمويله من جانب المصريين كان محاولة جيدة للاعتماد على الذات، ولكن ذلك يفرق عن اتباع سياسة عامة للدولة تعتمد على الاستقلالية. وأشار "الحسيني" إلى أن هناك فرقًا بين فكر الرئيس عبد الفتاح السيسي، والحكومة الحالية، فنحن نلمس في أفكار الرئيس أفكارًا وتوجهات جديدة، ولكن ليس لديه علم مسبق، والحكومة توجهاتها لا تتماشى مع رؤى السيسي التى تحدث عنها، وتدعم الاتجاه التقليدي، ولذلك فالدور يأتي على القوى الوطنية أن توضح وتضغط في اتجاه الاستقلال الوطني، ولكننا نستشعر أن هناك اتجاهًا من البعض فى تشويه فكرة الاستقلال الوطني وتشويه حتى خطوات اتخذها عبد الناصر، وتخويف الرئيس من القوى اليسارية التى تحاول الضغط من أجل قرار اقتصادي مستقل ينبع من الداخل بدلاً من الاعتماد على صندوق النقد. وقال الدكتور محمود الشربيني القيادي بحزب المؤتمر الشعبي الناصري، وعضو تنسيقية 30 يونيو، إن كل ما يتعلق بالأمور الاقتصادية والعلاقة بين مصر وأمريكا هي فى الأساس مسألة تخص الاستقلال الوطني، فمنظومة الاقتصاد المصري منذ سياسية الانفتاح، وليس هناك أي استقلالية فى القرار الوطني الاقتصادي المصري، وهذا فى حد ذاته ما يجبرنا على التعامل مع أمريكا وقبول مساعداتها. وأضاف "الشربيني" أن التصريحات الأمريكية تحاول أن تذكر مصر بأنها جزء من منطومة الاقتصاد القائم على الاعتماد على الخارج، كما أن ما حدث عقب 30 يونيو والتحدث فى الداخل عن ضرورة الاستقلال والاعتماد على الذات لا يخرج عن كونه محاولات لاستنهاض الهمم، وشعارات سياسية، ولكن التغيير الحقيقي يبدأ من مشروعات تنمية مستدامة غير مشروطة، واقتصاد ينمو من الداخل، وأن تكون الدولة هي المحرك الرئيسي للاقتصاد، والمتحكمة فى أدوات الإنتاج، أما غير ذلك فكلها محاولات بلا جدوى، وأكد أن التغييرات التى تحتاجها مصر يجب أن تكون جذرية، وتعبر عن توجهات جديدة وإدارة سياسية حكيمة.