تنظيم داعش مثل تنظيم القاعدة، رسم له مؤسسوه أهدافاً معينة لتحقيقها، ووضعوا له خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها، ولكن في أغلب الأحيان ينقلب السحر على الساحر، وتعبر الخطوط الحمراء مما يتطلب دخول المؤسس لإيقاف التنظيم عند حده. فكما صنعت أمريكا "طالبان" فى أفغانستان لمواجهة الاتحاد السوفيتي، انقلبت على طالبان وحاربته فى تحالف دولى، وكما صنعت تنظيم "القاعدة"، وحركت العالم لمحاربته، صنعت مؤخراً تنظيم "داعش" والكثير من الخلايا الإرهابية المُتطرفة بهدف تفتيت المنطقة العربية وتحقيق أمن إسرائيل، وقد فضح هذا الأمر الدبلوماسى الأمريكى السابق "مايكل سبرينجمان"، الذى تحدث عن دور كل من وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات الأمريكية CIA فى إنشاء تنظيمات إرهابية ولدت من رحم تنظيم القاعدة، مؤكداً أن تنظيم "داعش"، هو حلقة فى سلسلة المؤامرات الأمريكية. وكشف الدبلوماسى السابق «سبرينجمان» فى كتابه الصادر حديثا "زمن الإرهاب"، وهو الذى شغل من قبل عدة مناصب دبلوماسية فى أكثر من بلد عربى، خاصة فى المملكة العربية السعودية، أن الولاياتالمتحدةالأمريكية قامت بتجنيد وتدريب إرهابيين جلبتهم من مُختلف دول العالم وأرسلتهم إلى أفغانستان لمُحاربة قوات الاتحاد السوفيتى السابق هناك، مُشيراً إلى أن هؤلاء تحوّلوا بعد ذلك إلى عناصر مرتزقة استخدمتهم الولاياتالمتحدة لزعزعة استقرار أمن المنطقة العربية. وتم إرسال العناصر المرتزقة إلى يوغسلافيا بهدف السيطرة على منابع النفط والغاز وتقسيم أراضيها، وتلت هذه الخطوة إرسالهم إلى العراق لخلخلة أمنه واستقراره، ثم إلى الأراضى الليبية للمشاركة فى إسقاط حكومتها مستغلة حالة الغضب والتمرد على نظام العقيد القذافى، ثم وضعت أمريكا خطة سريعة لشحن الأسلحة إلى سوريا عن طريق الطائرات والسفن، ووضعتها فى أيادى العناصر الإرهابية التى عُرفت فيما بعد بجبهة النصرة، وهى العناصر التى دخلت الأراضى السورية عن طريق تركيا ولبنان، بعد أن تم تدريبهم بمعرفة ضباط من قوات المارينز الأمريكية، بعضهم كان متواجداً فى المنطقة، وآخرون كانوا على متن بعض سفن الأسطول الأمريكى القريب من المنطقة، وكذلك من قاعدة مطار "العيديد" الذى يعرف باسم "أبونخلة" وتقع فى الجنوب الغربى من العاصمة القطرية الدوحة. وتعتبر الآن كل من سورياوالعراق مراكز لتنظيم "داعش" إذ تسعى إدارة واشنطن لتغيير النظام السوري وخلع بشار الأسد، وفى العراق تريد استمرار عملية تقسيم أراضيه بزرع الفتنة والشقاق بين الطوائف والأعراق في العراق لأن ذلك هو الضمان لبقاء الخلافات هناك واستمرار تدفق النفط العراقىلأمريكا، وهى الخطة التى بدأتها أمريكا عام 2003، كما أنها تريد الاقتراب من الحدود الإيرانية ونقل الأزمة إلى داخل إيران، وأن يصبح العراق منفذا لمزيد من الضغط من جانب واشنطن وتوابعها، لا سيما السعودية، على طهران لمحاصرة نفوذها عن طريق "كماشة" بين العراقوأفغانستان، وتفيد بعض التقارير الإخبارية بأن الهدف الأساسي من وراء إقامة التنظيم الإرهابي "داعش" هو إيران، حيث كان مخططاً منذ بداية تشكيله بناء جيش من المرتزقة تقف وراؤه السعودية وأمريكا للضغط على إيران واشغالها، وأن يتعاظم هذا الدور بعد أن تنسحب القوات الأمريكية من أفغانستان مع حلول عام 2016، فتصبح إيران محاصرة بمجموعات وهابية تكفيرية سواء من ناحية العراق أو أفغانستان. لكن عصابات داعش تجاوزت الخطوط الحمراء حينما وصلت إلى مشارف أربيل، وبالأخص عندما تعاظم خطر سيطرتها على المصالح الأمريكية في المؤسسات النفطية القريبة وشركاتها الأخرى. بعد السيطرة المدوية للتنظيم على الموصل، وحقول النفط هناك، ووضع اليد على البنك المركزي في المدينة. من جهة أخرى فإن السعودية التي ساهمت في تشكيل ودعم تنظيم داعش قد فقدت السيطرة على قادة هذا التنظيم، وسقطت ورقة التأثير الوحيدة "ورقة المال"، وسقوط هذه الورقة أطاح بالأمير بندر بن سلطان، فخرجت قيادات داعش من طوع آل سعود، وتحديدا المخابرات السعودية، وبالتالي، تخشى الرياض الآن "لدغة الثعبان" الذي دربته ورعته. ولعل اقتصار "التحالف الدولي" على الدول الداعمة للإرهاب، واستبعاد الدول المعنية بمكافحته يكفي للدلالة على أن الهدف ليس القضاء على "داعش" ومشتقاتها الإرهابية، وكبح جماح تمددها، بل العمل على ترويضها من جديد بعد أن بدأت تفلت من عقال داعميها ومموليها، ومن ثم إعادة توجيه إرهابها إلى الدول الرافضة للمشاريع الأمريكية، بهدف محاولة ابتزازها ومساومتها على سيادتها، فمن غير الوارد أن تتخلى الولاياتالمتحدة وأتباعها في الغرب، وأجراؤها في المنطقة، بهذه البساطة عن أدواتها الإرهابية بعد أن صرفت عليها مليارات الدولارات، خلال عمليات تجنيدها وتدريبها وتسليحها. فكيف يمكن لتحالف هو في الأساس من أنشأ هذه المجموعات الإرهابية وغذّاها وموّلها وسلّحها ودرّبها لأهداف معروفة تخدم مصالحه السياسية في المنطقة والعالم أن يكون في الوقت نفسه محارباً لها؟ ولذلك فإن خطاب الرئيس أوباما عن محاربة «داعش» والإرهاب هو كذبة كبيرة على العالم وعلى الشعوب العربية وهو يعمل لمصلحة الولاياتالمتحدة الأميركية وليس لمصلحة العراق أو سوريا أو حتى السعودية وما يهم الإدارة الأميركية أولاً وأخيراً مصالحها الاستراتيجية في العالم ومصالح "إسرائيل" من حيث المزيد من الهيمنة واستنزاف الشعوب.