بهدوء يأخذنا إيهاب عبد الحميد عبر مجموعته القصصية “قميص هاواي” الصادرة مؤخرا عن دار ميريت إلي عالم فانتازي يخصه وحده، عكف على صناعة أجزاءه بإتقان، لتصبح القراءة منذ الصفحة الأولى رحلة استمتاع في المقام الأول، بهذا العالم الفانتازي الغارق في واقعيته الملموسة جدا، الأمر الذي يجعل قصص المجموعة التسع –المروية كلها بضمير المتكلم- كأنها مشاهدات عين مختلفة لما يحدث حولها والذي تراه بطريقتها الخاصة. منذ القصة الأولى “العطش” يبدو ظل الواقع قويا حيث تخبرنا الجملة الأولى أن المياه قد انقطعت ونكتشف إن انقطاع المياه لم يكن يخص منزلا واحدا ولكن انقطعت المياه عن البلاد كلها حتى النيل صار خاليا مليئا بالقاذورات والأوساخ..الأمر الذي يذكرنا بأزمة المياه التي أصابت مصر خلال العام الماضي لكن تعامل الناس مع انقطاع المياه يبدو لا مباليا يتعامل مع الحدث باعتيادية شديدة كأن الأمر يحدث باستمرار. انقطاع المياه ليس الحدث الأساسي ولكنه خلفية لأحداث أخرى تقع لبطل النص حيث يشعر بقدمه تصغر ثم تعود لحجمها مرة أخرى ويده تكبر وتعود لحجمها مرة أخري وتنبت شجرة ضخمة أمام البيت لتسد المنفذ ثم تختفي مرة أخرى ، ومع بداية انقطاع المياه يقابل البطل فتاة تحكي له مشكلتها مع الحياة حيث أنها “عبيطة”! عبط الفتاة يتلخص في كونها تسمي الأشياء بأسمائها وهو ما يراه الآخرون “عبطا” لأن الأشياء يجب أن تسمى بأسماء أخرى وهي تعجز عن ذلك فقررت أن تتعامل مع الأمر كما يراه الآخرون فصارت” عبيطة” ولكنها تستمر في تسمية الأشياء كما تراها. تسمية الأشياء بأسمائها ، وبراءة عين الراوي في استقبال مع يحدث حوله عبر القصص التسع في هو ما يصنع فانتازيا المجموعة فالأمر ليس مرتبط بظهور كائنات فضائية ولكن عندما يظهر كانجارو أمام بيت بطل نص “مع كانجارو” تبدأ الأشياء في أخذ شكل أخر، واقعي أيضا فتغادر الخطيبة ويرفض السفر لدول الخليج وفقط يعتاد الحياة مع الكانجارو. العامل الأكثر ظهورا خلال قصص المجموعة هو إخلاص الكاتب للكتابة، ووعيه بمفهوم القصة القصيرة التي تبدو هنا متمايزة عن الخواطر الشخصية أو القصيدة النثرية. لا يفتعل الكاتب أحداثا للرغبة في الاندهاش المجاني أو استعراض العضلات أمام القراء ولكن يبدو النص مخلصا لإحداثه ولتطورها الذي يصنعه الكاتب بدأب وحرص وبراءة تخلق دهشة حقيقية وإمتاعا يمكن القارئ من الدخول إلى مستويات أكثر عمقا داخل كل قصة بسهولة. اللغة في قصص “قميص هاواي” مصنوعة بعناية سلاسة تندمج فيها الفصحى والعامية وتتعدد مستوياتها بحسب مستويات المتحدثين واختلاف مستوياتهم، لتخلق لكل شخصية عالمها وخلفيتها الخاصة. بدون إسقاط متعمد من الكاتب على شخصياته ربما يعلن الرواة كراهيتهم لمهنة الصحافة في أكثر من نص –وإيهاب عمل صحفيا- يمارس فيه الراوي مهنة الصحافة ولكن لا يظهر ذلك متماشيا مع حركة كل شخصية داخل النص. إيهاب –الحائز على جائزة ساويرس في الرواية 2007- مارس كتابة القصة من قبل حين أصدر أول كتبه “بائعة الحزن” 1998 لكن تبدو المسافة بين المجموعتين طويلة قطعها الكاتب باجتهاد ووعي باختلاف الفنون السردية عن بعضها البعض. مجموعة “قميص هاواي” لإيهاب عبد الحميد كتاب ممتع وواعي وإشارة جديدة إلى أن هناك كتابة حقيقية تصنع في هدوء ودون صخب أو افتعال. كتابة تمنح قارئها لحظة استمتاع- غابت كثيرا- بالكتابة وبالقصة القصيرة. مواضيع ذات صلة 1. إيهاب عبد الحميد يفوز بجائزة إدريس عن مجموعته قميص هاواي 2. توزيع جوائز القصة القصيرة بمكتبة الإسكندرية في ندوة للأديب الجزائري واسيني الأعرج 3. على عبد الحميد بدر: ورد أحمر ....قصائد 4. ” أتوبيس عام الإسكندرية “.. عندما يتلاعب آسر مطر بالحكايات 5. انفجار ماسورة مياه بالمحلة يصيب الشوراع بالشلل التام