على الرغم من أن البحث في استقلال كردستان يختلف عن الحديث في استقلال إقليم كردستان العراق، إلا أنه بصفة عامة تظل القضية الكردستانية على المستوى الدولي أكثر تعقيدا، ويكفي ملاحظة ذلك عندما يكون الامتداد الجغرافي الكردستاني يتجاوز العراق ليصل إلى الأراضي التركية والسورية والإيرانية. ومع أن الجغرافيا الكردستانية تشكل محورا تعارضه الدول مثل تركياوسوريا وبشكل غير قابل للنقاش، إلا أن المجتمع الدولي وخاصة أمريكا بدأت في الآونة الأخيرة تلمح إلى جدوى استقلالية إقليم كردستان العراق بعد أن تفاقمت الأوضاع المأسوية في العراق، وأصبح العراق مرتعا للإرهابيين والطائفية. يرى المحللون السياسيون توافر أسباب استقلال إقليم كردستان العراق، يرجع إلى جغرافية هذا الإقليم تحتضن الأنهار ووفرة المياه والجبال والزراعة والثروات المعدنية كالنفط والحديد والنحاس، كما أن كردستان تمتلك إرثا تاريخيا وهوية ولغة وغيرها من أسباب تدعم تأسيس دولة مستقلة لتميزها التاريخي والجغرافي والسكاني، فضلا عن تشرد الأكراد وتعرضهم لإبادة بشعة. توجه رئيس الوزراء الكردستاني "مسعود برزاني" للاستفتاء الشعبي تجاه الرغبة في الاستقلال قد يكون توجها مشروعا في هذه المرحلة، وخطوة أولى للحفاظ على الهوية الكردية التي أصبحت اليوم مهددة بسبب تهميش إقليم كردستان في السياسة والأمن والتعليم والاقتصاد، بل إن التهديد يعكس بصورة عامة تداعيات الصراع الدائر بين المذاهب الدينية، ومخاطر استنزاف الموارد، وتفشي الفساد في العراق، ولعل الحرب الدائرة حاليا بين «داعش» والطوائف الأخرى العراقية، وسيطرة داعش على جزء كبير من المدن والأقاليم العراقية يعكس أن المستقبل في العراق لن يكون موحدا، فهو منقسم على ذاته، والتدخلات الخارجية تسير من سيئ إلى أسوأ، كل ذلك والعراق ضعيف في قدراته على الدفاع عن سيادته، ويواجه مخاطر التقسيم. هذه الأوضاع وغيرها تؤثر بدرجة عالية على استقرار إقليم كردستان العراق الذي لا أطماع له سوى الحفاظ على سلامة وحدته وحماية شعبه من التهديدات والتدخلات، واستغلال ثرواته، وخاصة النفطية والتي ظلت تحت تصرف الحكومة المركزية العراقية من خلال إبرام عقود مع شركات أجنبية تستفيد من الحقول النفطية في الشمال والتي يقدر الخبراء بأن لها أهمية كبيرة لأنها غنية وواعدة، ومصدر كبير للدخل الوطني الذي يمكن تنمية شمال العراق ويجعله أكثر تقدما ورخاء. هذه وغيرها من حقائق تؤكد أن الأزمة القادمة في العراق ستتجاوز التقاتل الطائفي إلى حدوث تفكك في وحدة طوائفه، وانقسام يؤدي إلى مشروعية المطالبة الكردية بالاستقلال، فالأكراد يرون أهمية الخروج من محنتهم التي طال عليها الزمن باسترجاع حقوقهم، وتأسيس دولة مستقلة تساهم في التعاون ومحاربة الإرهاب والطائفية. لقد أدى الصراع الطائفي ودخول فصائل إرهابية تحارب في العراق إلى إعادة تركيا نظرها في مبررات واستغلال كردستان العراق، فلقد صرحت أخيرا بأنها من حيث المبدأ تشعر بالتهديدات على حدودها من الفصائل الإرهابية التي أصبحت كالذباب في العراق، ولربما التنسيق مع الأكراد في العراق لبناء خط عازل حدودي يمنع الإرهابيين من الدخول لتركيا وعدم تجاوزهم للحدود يجعل الموافقة التركية على تأسيس دولة كردية مجاورة أكثر قبولا وارتياحا. من المتوقع أن تلحق كردستان سوريا باقليم كردستان العراق بعد استقلاله، كما أن خارطة الشرق الأوسط سيجرى عليها تغيير جذري باستقلال اقليم كردستان، فضلا عن أن هناك مشروعا للوحدة بين اقليم كردستان وكردستان سوريا لخلق دولة قوية في الشرق الأوسط تستطيع حماية تركيا وأوروبا من تهديدات داعش. ليس من الغريب أن تدعم إسرائيل فكرة استقلال كردستان عن العراق وتقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة متناحرة على أسس طائقية وعرقية، فقد ظهر العلم الإسرائيلي مرفوعا في مدينة "داهوك" خلال المهرجان الذي أقيم في المدينة للدعوة إلى استقلال اقليم كردستان. صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصهيونية، التي أوردت الخبر والصورة، قالت إن العلم الإسرائيلي ظهر مرفوعا بين العلم التركي وعلم الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" صرح في يونيو الماضي أنه يدعم طموحات الأكراد في نيل الاستقلال، وأضافت أنه بعد تصريحات نتنياهو هذه امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي للمشتركين الاكراد بالأعلام الاسرائيلية وبالصور التي توثق التعاون التاريخي بين إسرائيل وكردستان. رئيس اقليم كردستان العراق "مسعود بارزاني" أعلن مؤخرا خلال خطاب له في البرلمان المحلي للاقليم الكردي "اقترح عليكم الاستعجال في المصادقه علي قانون تشكيل المفوضيه العليا المستقله للانتخابات لكردستان لأن هذه هي الخطوه الأولي وثانيا اجراء الاستعدادات للبدء بتنظيم استفتاء حول حق تقرير المصير". إعلان رئيس اقليم كردستان العراق "مسعود بارازاني" أثار العديد من ردود الأفعال الدولية والإقليمية التي حذرت من خطورة هذه الخطوة وأنها تمثل أولى مخططات تقسيم العراق لعدة دويلات متناحرة فيما بينها، حيث اعتبر الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" أن الاستفتاء حول استقلال اقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي "كارثي"، وحذر من تقسيم العراق. وعلى ضوء الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الراهنة، يرى العديد من المحللين والمعنين بالشأن العراقي أن هذا الوضع يعزز من فرص حصول اقليم كردستان على الاستقلال والحكم الذاتي، ومن ثم إنشاء دولة للأكراد في المنطقة تتويجا لجهودهم في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي في البلاد.