رئيس جامعة عين شمس يترأس أولى جلسات قطاع شئون التعليم والطلاب.. صور    الزراعة تحتفل بتخريج 15 مبعوثًا من 12 دولة ببرنامج تنمية المزارع السمكية    "إير فرانس" تعلن تمديد تعليق رحلاتها الجوية من وإلى بيروت حتى نهاية سبتمبر    اشتباكات متزايدة في لبنان.. تداعيات التصعيد الإسرائيلي على الأمن الإقليمي    بعثة الزمالك تصل مطار القاهرة استعدادًا للسفر إلى السعودية    بدء جلسة محاكمة البلوجر هدير عاطف وطليقها و2 آخرين بتهمة النصب والاحتيال    الشلماني يثير حفيظة القطبين قبل موقعة السوبر    شبانة: التفكير في سفر فتوح قرار خاطئ    مصدر ليلا كورة: أمم أفريقيا للمحليين سبب تأجيل انطلاق دور المجموعات في دوري الأبطال والكونفدرالية    أحكام بالسجن والغرامة ل9 متهمين في قضية انقلاب قطار طوخ    الجيزة تزيل 13 كشك و"فاترينة" مقامة بالمخالفة بالطريق العام في المنيب    وزير الثقافة يبحث أطر تعزيز التعاون مع سفير المغرب بالقاهرة    إيمي سمير غانم تكشف سر تعاونها مع حسن الرداد في رمضان 2025    الصحة: خطط عمل مستدامة للحفاظ على مكتسبات الدولة المصرية في القضاء على فيروس سي    إصابة 11 شخصًا إثر حادث تصادم بين سيارتين في البحيرة.. بالأسماء    عاجل| السيسي يصدر توجيها جديدا بشأن تنمية جنوب سيناء    في خدمتك | الأوراق المطلوبة للتقديم بكليات جامعة الأزهر 2024    طقس الفيوم.. انخفاض درجة الحرارة والعظمى تسجل 33°    أول تعليق من مستشار رئيس الجمهورية على الوضع الصحي في أسوان    «القابضة لمياه الشرب»: تلوث المياه في مصر «شبه مستحيل»    روسيا تدين الهجوم العسكري الإسرائيلي الواسع على لبنان    وزير الخارجية: رعاية المصريين بالخارج أولوية قصوى لنا    شيرين: حزينة على لبنان أكثر بلد علمتنى الصمود    ميرنا وليد وبناتها يخطفن الأنظار في حفل ختام مهرجان الغردقة (صور)    مبادرة بداية جديدة في شمال سيناء.. إطلاق ملتقى الفتيات للحرف اليدوية ضمن بناء الإنسان    الغرف التجارية: مساهمة القطاع الخاص بالمشروعات الحكومية خطوة نحو الجمهورية الجديدة    مديرية أمن الشرقية تنظم حملة للتبرع بالدم بمشاركة عدد من رجال الشرطة    خبير: الإفراط في استخدام المكملات الغذائية يؤدي لتوقف القلب    وزير العمل: الرئيس يوجهه بمساندة كل عمل عربي مشترك للتنمية وتوفير فرص عمل للشباب    تراجع تدفق النفط الروسي يدفع الأرباح إلى أدنى مستوى لها في ثمانية أشهر    خطوات إجراءات التعاقد على وحدة سكنية من «التنمية الحضرية» (مستند)    ضبط مخزن في طنطا لإعادة تعبئة المبيدات الزراعية منتهية الصلاحية باستخدام علامات تجارية كبرى    شريف الكيلاني نائب وزير المالية للسياسات الضريبية يلتقى بجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    لا تهاون بشأنها.. وزير الخارجية: قضية المياه وجودية لمصر وترتبط مباشرة بالأمن القومي    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة الاستراتيجي التعبوي التخصصي    ضغوط من اتحاد الكرة لإضافة مدرب مصري لجهاز ميكالي.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    ضغوطات وتحديات في العمل.. توقعات برج الحمل في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2024    بحث علمي وتعليم وتبادل طلابي.. تفاصيل لقاء رئيس جامعة القاهرة وفدَ جامعة جوان دونج الصينية    شوبير يعلق على قائمة الأهلي للسوبر الأفريقي: لا صحة لوجود حارسين فقط    وزير الخارجية: لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية واجتماعية دون أمن واستقرار    العراق يمنح سمات الدخول إلى اللبنانيين الواصلين إلى المنافذ الحدودية    انتخابات أمريكا 2024.. هاريس تخطط لزيارة حدود أريزونا لمعالجة مشكلة الهجرة    رئيس شركة المياه بالإسكندرية يتفقد يتابع أعمال الإحلال والتجديد استعدادا لموسم الشتاء    الصحة تعلن حصول 3 مستشفيات على شهادة اعتماد الجودة من GAHAR    التعليم: تشكيل لجنة لإعادة النظر في الإجازات غير الوجوبية والإعارات    بالصور.. حريق هائل يلتهم ديكور فيلم إلهام شاهين بمدينة الإنتاج الإعلامي    وكيل تعليم مطروح: تفعيل استخدام المعامل وانضباط العملية التعليمية بالمدارس    استبعاد لاعبين نهائيًا.. قائمة الأهلي المسافرة للسعودية لمواجهة الزمالك في السوبر    ما حكم الخطأ في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟.. «اعرف الرأي الشرعي»    بالفيديو.. أسامة قابيل للطلاب: العلم عبادة فاخلصوا النية فيه    «فرص لوظائف عالمية».. وزير التعليم العالي يهنئ «النيل للهندسة بالمنصورة» لاعتماده من «ABET» الأمريكية    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    أبو الغيط يوقع مذكرة تفاهم الجامعة العربية ومنظمة التعاون الرقمى بنيويورك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    غدا.. افتتاح معرض نقابة الصحفيين للكتاب    مريم الجندي: «كنت عايزة أثبت نفسي بعيدًا عن شقيقي واشتغل معاه لما تيجي فرصة»    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    جيش الاحتلال الإسرائيلي: صفارات الإنذار تدوى جنوب وشرق حيفا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قلعة الشقيف .. مقاومة عابرة للزمن والحدود
نشر في البديل يوم 08 - 09 - 2014

من النادر تاريخياً أن يوجد مبنى أرتبط بالمقاومة مثلما ارتبطت قلعة الشقيف، التي كانت عنوان رئيسي في معارك المقاومة منذ السبعينات وحتى خروج الاحتلال الإسرائيلي من لبنان عام آلفين، فبخلاف الغارات والعمليات العسكرية المحدودة، شهدت القلعة طوال هذه الفترة معركتين كبيرتين الأولى عام 1980 وعام 1982، والأخيرة كانت بحق اسطورة واقعية تصدى فيها ثلاثة وثلاثون شاب من حركة فتح والحزب الشيوعي اللبناني وحزب العمال الكردستاني، للواء النخبة "جولاني"، سرب طائرات مروحية، كتيبة مدفعية، كتيبة دبابات، سرية مظليين، وأخيراً تشكيل من طاائرات الفانتوم، والذين أرادوا بتوجيه من رئيس الوزارء الإسرائيلي مناحم بيجين ووزير الدفاع آرائيل شارون اقتحام قلعة الشقيف واحتلالها، فصمد أمامهم لأيام شباب فلسطيني ولبناني ويمني وكردي في قتال حتى أخر واحد منهم.
تبدأ القصة منذ أواخر عام 1979، في أعقاب عملية عسكرية اسرائيلية في مارس 1978 هدفت إلى إبعاد المقاومة إلى ما وراء نهر الليطاني، حيث بدأ العدو الإسرائيلي بالتحضير لعملية اختبار لقوة المقاومة الفلسطينية وراء نهر الليطاني في جنوب لبنان، لمعرفة مدى القوة النيرانية والعملياتية في حال اجتياح الجنوب اللبناني، لتأمين شمال فلسطين المحتلة من نيران المقاومة وعمليات الإنزال العديدة، وشكل هذا وقتها الهدف الأمني والدفاعي الأول لجيش الاحتلال.
تقع قلعة الشقيف على ربوة صخرية مرتفعة تطل على نهر الليطاني وسهل مرجعيون، والنبطية، وبنيت القلعة إبان الحملات الصليبية وأطلق عليها الفرنسيون اسم "قلعة بوفارت" وسماها العرب قلعة "أرنون"، وتتكون القلعة من عدة تحصينات بنيت من الصخور الطبيعية حولها، لتتخذ شكل ونمط المنطقة الجبلية الميطة بها، وتشكل مع الممرات والمغارات الجبلية سلسلة من التحصينات الطبيعية والبشرية، كان من الصعب على مدار الحروب الصليبية تحريرها ومحاصرتها، إلى أن حررها الناصر صلاح الدين عام 1194.
ومع تمركز المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان بعد عام 1970، عقب خروجها من الأردن بعد مذبحة أيلول الأسود، كانت قلعة الشقيف بمثابة نقطة التمركز الأولى للمقاومة الفلسطينية شمال نهر الليطاني، وهو ماجعلها نقطة ربط وانطلاق لعمليات المقاومة داخل فلسطين المحتلة، سواء التسلل أو القصف. وهو ما جعل الإسرائيليون يروها كهدف أولى في استراتيجية القضاء على المقاومة الفلسطينية، أو ابعادها لأقصى شمال الليطاني بالغارات والعمليات البرية المحدودة سواء بالإنزال او الاجتياح. فأنشأ جيش الاحتلال نموذج مشابهة للقلعة في هضبة الجولان المحتلة لتدريب جنود لواء النخبة في القوات البرية "جولاني" على اقتحامها لمدة ستة أشهر، وتقرر القيادة الإسرائيلية شن عملية استطلاع في بداية شهر أغسطس عام 1980، لتطمئن إلى أنه لا امداد او معاونة ستأتي للقوة المرابطة في القلعة، وهو مايعني أن عملية الاستيلاء عليها ستكون خاطفة ولن تستغرق سوى ساعات حسب ما ذكره اللواء شاؤول ناكديمون، الذي شارك في هذه العملية عندما كان برتبة رائد وقائد لكتيبة المظلات.
بدء الهجوم الإسرائيلي ليلة التاسع عشر من أغسطس، حيث احتشدت القوات الإسرائيلية على بعد عدة كيلومترات من القلعة، وبدء المقاومين في الانتشار والتمركز في القلعة والمواقع القريبة منها في منطقة النبطية، والاستعداد لصد الموجة الأولى من الهجوم، الذي بدأ كعادة القوات الإسرائيلية بقصف جوي ومدفعي مكثف، تلاه تقدم وحدات لواء جولاني حتى مسافة قريبة فبادر عناصر المقاومة إلى فتح النيران من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة مما اسفر عن سقوط عدد من جرحى وقتلى جنود جولاني، وبدءوا في التخبط والانسحاب بغطاء قصف كثيف من المدفعية الثقيلة لجيش العدو، وطورت المقاومة دفاعها إلى هجوم مضاد للحيلولة دون تقدم القوات الإسرائيلية مرة أخرى، بالفعل استطاعت مجموعة من المقاومين الالتفاف على القوات الإسرائيلية المتقدمة وحاصرتهم لمدة يومين حتى استعانت القوات الإسرائيلية بطائرات الفانتوم، التي قصف القلعة ومحيطها بعشرات الصواريخ الموجهة حتى يتمكنوا فقط من سحب جرحاهم وجثث قتلاهم، لتنتهي محاولة الاحتلال الاسرائيلي الاولى للاستيلاء على القلعة، خسر فيها ثلاثة وستون جندي وضابط مقابل استشهاد 25 من المقاومين، ويبدأ حصار وسلسلة غارات دورية عليها حتى عام 1982، وهو العام الذي شهد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت.
كانت القلعة على الرغم من الغارات المستمرة عليها، هدفا رئيسياً للطيران والمدفعية الإسرائيلية في عملية اجتياح لبنان عام 1982، حيث مثلت الغارات الجوية والقصف المدفعي على القلعة ومحيطها بداية العملية العسكرية الإسرائيلية التي وصلت حتى العاصمة بيروت..واعتبر بيجين والقادة الصهاينة أن سقوط القلعة انتصار مهم لإسرائيل، لدرجة أنه زار بنفسه القلعة بعد سقوطها ليعلن أمام الكاميرات الإسرائيلية والعالمية أن الشقيف تمثل بداية نهاية المقاومة.
لكن ما كشف عنه الإسرائيليون بعد ذلك بسنوات في فيلم وثائقي يدعى "بوفور"، وما فرضته وقائع السنوات التالية، افرغ تصريح بيجين واستراتيجة إسرائيل من محتواها وجديتها. فكشف الإسرائيليين عن حجم قوتهم وقوة المقاومة، التي قُدرت بنسبة خمس عشر إسرائيلي إلى مقاوم واحد، ناهيك عن طغيان ميزان القوى النيرانية والتفوق الجوي والتطور النوعي لصالح إسرائيل، التي أقرت استخدام الأسلحة الكيماوية لضمان القضاء على مقاومي الشقيف بعد أسابيع من الحصار والقتال المتواصل، لتكتشف القيادة العسكرية أن من أوقع بهم عشرات القتلى وصمدوا لأيام أمام مدفعياتهم ودباباتهم وطائراتهم، هم ثلاثة وثلاثين شاباً، مقابل ما يزيد عن ألف ومائتين جندي وضابط إسرائيلي.
يقول المقدم "آزوف" ، قائد القوات الإسرائيلية التي احتلت قلعة الشقيف: "لقد تلقيت أمراً من قائد اللواء، الجنرال يكوتئيل آدام"، في حوالي الخامسة من مساء يوم الأحد 7 يونيه، بمهاجمة قلعة الشقيف، وتطهيرها من القوات الفلسطينية المتمركزة فيها. وأُبلغتُ بأن عليّ أن استوليّ على الحصن من أيدي الفلسطينيين المرابطين فيه. وكان تحت قيادتي 9 دبابات و17 ناقلة جند مدرعة. وفي الساعة السابعة والنصف، كنت مع قواتي على بعد عشرات الأمتار فقط من الحصن، دون أن نواجه أي مقاومة. ونزل العديد من الجنود من مدرعاتهم، واقتربوا مني. وبينما كنت أرد على استفسارات الجنود، استعداداً لاقتحام الحصن، فُتحت علينا النيران من كل جانب. لقد أمطرونا بالقذائف الصاروخية والبازوكا، وتعالى الصراخ والصياح بين الجنود. لقد قُتل، في الحال، جميع الجنود، الذين كانوا خارج دباباتهم ومدرعاتهم. وأخذت أصرخ بالجنود للتقهقر إلى الخلف، لإعادة التنظيم والانتشار. لم يكن هناك أي مجال للنجاة، لقد وقعنا في المصيدة. استمر تبادل إطلاق النيران بيننا وبينهم حتى العاشرة ليلاً . وفي تلك الأثناء، وصلتنا تعزيزات كبيرة، وتم إخلاء القتلى والجرحى، ولم يبقَ من قواتي (90 جندياً، 7 ضباط) سوى سبعة جنود فقط. كما دُمِّرت الدبابات والآليات المدرعة. كان عدد الفلسطينيين 33 فرداً ولم نأسر أي فرد منهم، لأنهم قاتلوا حتى الموت، ولم يستسلم أحد. لقد دهشت من ضراوة مقاومة هؤلاء الفلسطينيين. إننا لم نحسن تقدير قوتهم الحقيقية".
بالتأكيد كانت عبارة مناحيم بيجن خاطئة..فلا الشقيف بقيت محتلة، ولا المقاومة انتهت، وإذا اعتبرنا أن أخر حملات إسرائيل العسكرية "الناجحة" كانت اجتياح لبنان1982، والذي سقطت فيها الشقيف فأن منذ ذلك التاريخ سطرت بداية نهاية إسرائيل لا المقاومة التي عمدت بدماء شهداء الشقيف، ليس في لبنان وفلسطين فحسب ولكن أيضاً في كل مكان تواجد به الصهاينة وحلفاءهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.