تضمنت بنود المقاومة لإنفاذ وقف إطلاق نار، أن تتراجع السفن البحرية الإسرائيلية عن حدود الساحل بمسافة12كم، والسماح لمراكب الصيد بمزاولة عملها في هذا النطاق.. السلطة الفلسطينية تمسكت بهذا الشرط وغيره لدرجة "تهديد" دولة الاحتلال باللجوء للقضاء الدولي أو إعلان حل السلطة وأن الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع تحت الاحتلال، وتسربت اخبار عن تصميم السلطة الفلسطينية كما حماس في مؤتمر باريس بهذا الشرط الذي يضمن ليس فقط عودة حوالي 15% من عمالة غزة التي تضررت بسبب الحصار البحري، لكن أيضاً وبحسب ما نُشره موقع "انترناشونال بيزنس تايمز" البريطاني، بأن هذا الشرط يمهد ويضمن للفلسطينيين الغاز المكتشف قبالة سواحل غزة والغير مستغل منذ عام 2000 بسبب الاحتلال. أصل ملف الغاز في قطاع غزة بدأ في نهاية التسعينيات مع بدء اكتشافات حقول غاز شرق المتوسط، وأعلن عنه رسميا في احتفال اقامته السلطة الفلسطينية بحضور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 2000، وبدأت مفاوضات بين السلطة والحكومة الإسرائيلية منذ 2001 لتداول شروط كيفية استخراج ونقل وبيع الغاز، وأمام تصميم الاحتلال على الاستحواذ على حصة 10% من الغاز المستخرج مستقبلاً والتدخل في عقود التنقيب والاستخراج والتصدير، أصر عرفات على أن يتم نقل الغاز من سواحل غزه عبر خط أنابيب أرضية إلى ميناء عسقلان تمهيداً وليس من البحر إلى معامل التكثيف او المستودعات مباشرة، وترجح دراسة نُشرت في موقع "ريفلوشن نيوز" أن الرئيس الفلسطيني السابق اشترط هذا "النقل المكلف" لتثبيت السيادة الفلسطينية، التي احتاجت وقتها إلى حكومة تنفيذية للبدء في استخراج الغاز، وبطبيعة الحال استمرت المفاوضات حول هذا الملف متعثرة مثل حال باقي ملفات المسار التفاوضي، إلى أن جاء عام 2007 وحدث ما يعرف بالحسم الأمني من جانب حركة حماس في قطاع غزة، ليعود ملف غاز القطاع إلى نقطة الصفر. منذ بدء العمل على استخراج الغاز المكتشف شرق المتوسط، وتسود الدول المعنية حالة ترقب وشد وجذب؛ إسرائيل من جانبها سعت لتأمين كنزها الاستراتيجي، فتوصلت إلى عدة اتفاقات مع الحكومة القبرصية حول استغلال حقل "تمار" و"أفروديت" المشترك بين الدولتين في الحدود البحرية، فيما تنازلت الحكومات المصرية المتعاقبة فيما يبدو عن حقوقها في حقول "تمار" و"افروديت" و"ليفاتان" و"شمشون"، التي بدأت تل أبيب في استخراج الغاز منهم منذ عامين -مؤخراً أعلن عن صفقة تستورد بموجبها القاهرة الغاز من تل أبيب عن طريق نيقوسيا أو شركات عالمية- فيما تنازع لبنان دون خطوات جدية حول مسألة حدودها البحرية المتداخلة مع حدود فلسطينالمحتلة، دون بدء إسرائيل في استخراج الغاز من هذه المنطقة المتنازع عليها خوفاً من أن تتورط في حرب جديدة مع المقاومة في لبنان، والتي وبحسب اعتراف عسكريين إسرائيليين تملك قدرة تدمير آبار الغاز الإسرائيلية المتواجدة في شرق المتوسط، وهو ما دعا الحكومة الإسرائيلية منذ عامين إلى تخصيص ميزانية اضافية للدفاع عن هذه الآبار في حالة نشوب حرب. أما عن غزة، فمع الحصار المفروض منذ 2007 على سواحل القطاع والمفاوضات المتوقفة، أضحى مصير الغاز في حقول غزة 1 وغزة 2 مجهولاً، حتى عام 2012 شرعت فيه تل ابيب بإحياء التنقيب قربهم بواسطة شركات اسرائيلية وعالمية =بالتوازي في بدء مفاوضات عبثية مع السلطة الفلسطينية- وهو ما يعني عمليا نية استيلاء الكيان الصهيوني على غاز القطاع في المستقبل القريب. ذكرت دراسة "ريفليوشن نيوز" أن تقديرات احتياطي كلا الحقليين يبلغ حوالي 31 مليار متر مكعب، قمته بأسعار السوق العالمية 6.5 مليار دولار. وعند اكتشاف هذا الاحتياطي قبل 15 عام عقدت السلطة اتفاقيات تنقيب واستخراج وانتفاع مع شركتي"بريتش جاس" و "كونسليدايتيد كونتراكتورز كومباني" بموجبة تحصل الشركتين على 90% من الناتج، فيما يحصل الجانب الفلسطيني على 10% فقط تخصم منها النسبة التي فرضتها إسرائيل التي تنوب عن السلطة الفلسطينية في تسويق نصيبها من الصفقة، بالإضافة إلى أن تل أبيب لها الكلمة الأولى والأخيرة في إتمام وتنفيذ الصفقة وعائدات حصة السلطة منها تتم من خلال وزارة المالية الإسرائيلية، وعشية عملية الرصاص المصبوب في 2008 أجرت "بريتش جاس" مفاوضات أخيرة مع الجانب الإسرائيلي حول مصير التنقيب في أحواض غزة، وبعد بدء الحرب انسحبت الشركتين وأغلقوا مكاتبهم في الضفة وتل أبيب. منذ الاتفاق بين الشركة البريطانية والسلطة الفلسطينية والمسئولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين يحذروا من خطورة هذه الخطوة على أمن الكيان، فشهد عام 2006 تحذير رسمي من رئيس الاستخبارات الاسرائيلية السابق مائير داجان من أن عائد الغاز من الممكن ان يستخدم في تمويل عمليات "إرهابية"، وبعد سيطرة حركة حماس على غزة، أعلنت إسرائيل بوضوح أن مسألة غاز القطاع مسألة أمنية، وأنها لن تسمح بالتنقيب عن الغاز أو استخراجه بدعوى امكانية استخدام العائد المادي في دعم "الإرهابيين"، أو كما قال رئيس الأركان الإسرائيلي سابقا ووزير الدفاع حالياً، موشيه يعالون في 2007 "أن التنقيب عن الغاز في سواحل غزة لن يكون ذو فائدة للجماهير الفلسطينية، ولكنه سيتجه العائد المادي إلى الحركات المتطرفة التي تعادي إسرائيل"، وهو ما اعتبر إجمالاً عقيدة تل أبيب بالنسبة لغاز القطاع حتى عام 2012، والذي بدأت فيه إسرائيل في التملص من تفاهمات 2001 بشأن الغاز؛ فعلى الرغم من أن إسرائيل في السنوات القليلة الماضية اكتشفت "كنز استراتيجي" بتعبير رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، يقدر ب18 تريليون قدم مكعب من الغاز و1.6 مليار برميل من النفط يقدر المتوسط العمري لنضوبهم ب40 عام في حالة عدم التصدير، وهذا يفسر سر تمسك الإسرائيليون لأخر لحظة بصفقة الغاز التي أبرموها مع نظام مبارك. وأمام هذا التحدي الاستراتيجي، تعمدت إسرائيل في 2012 إلى بدء مفاوضات مع السلطة الفلسطينية -استبعدت منها حماس بالطبع وهو يعني فشلها قبل أن تبدأ- حول آبار غاز قطاع غزة، مما أزم الموقف التفاوضي-المتأزم أصلاً بسبب المستوطنات- بين السلطة وحكومة نتنياهو، وهو ما استدعى تقارب بين السلطة وحماس توّج بحكومة وحدة وطنية برئاسة رامي الحمدلله، وهو ما يعني في حال ان حصلت فلسطين على عضوية كاملة في الأممالمتحدة تستطيع منفردة ودون تدخل إسرائيلي بالبدء في استخراج الغاز، وقد أشيع مؤخراً عن مفاوضات بين السلطة الفلسطينية وشركة "جازبروم" الروسية بغرض استخراج الغاز المقابل لسواحل القطاع، وذلك يعني بالتبعية إلغاء صفقة الغاز التي ابرمتها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل بقيمة 1.2 مليار دولار خُصِصوا لشراء غاز من انتاج حقل " ليفاتان". من الواضح ان إسرائيل تتعامل الأن مع مسألة غاز القطاع الغير مستغل إلى الأن على طبقاً لتكتيكين؛ الأول: خاص ببخس قيمة العائد المادي لكل من السلطة الفلسطينية وشركات التنقيب، باجتزاء حصة من العائد أو اشتراط ان تقوم السلطة ببيع الغاز إلى إسرائيل، أي بمعنى أخر التحكم في انتاج الغاز وربطه بالمنظومة المالية الإسرائيلية تبعاً لما تقوم به سلطات الاحتلال من جمع الضرائب وتحويلها إلى السلطة الفلسطينية بصفتها سلطة حكم ذاتي. الثاني: هو أن إسرائيل تعتمد على خفض فرص التنقيب عن الغاز من جانب أي جهة كانت بعدوانها شبه المستمر على القطاع، والتهديد الدائم بالحرب..ففي النهاية تخضع شركات التنقيب لمبدأ المكسب والخسارة ولا يمكن تحمل خسارة تنقيب واستخراج النفط او الغاز في منطقة حرب. الباحث والكاتب الاقتصادي مايكل تشوسودفسكي في مقال له قبل خمسة سنوات رأى أن إسرائيل تعمل على منع الفلسطينيين على المدى الطويل من استغلال مواردهم الخاصة، وجعل مسألة الوصول إلى حقول غاز غزة مستحيل، وذلك تمهيداً لوضع الفلسطينيين أمام أمر واقع يتمثل في ارغامهم على الموافقة في ضم آبار غزة إلى باقي الحقول الغازية الإسرائيلية، سواء عن طريق شراكة من خلال شركات التنقيب أو الموانئ وخطوط الانابيب الإسرائيلية إلى حيفا ومنها إلى ميناء جيهان التركي. أو الاستيلاء عليها بقوة السلاح، وهو يعني استمرار التوتر العسكري. الأن، وبعد ثلاثة جولات من العدوان الإسرائيلي على غزة خلال السنوات الخمس الماضي، تصدق مقولة تشوسودفسكي بأن إسرائيل لن تسمح للفلسطينيين باستغلال مواردهم والتي هم بأشد الحاجة إليها، فعلى سبيل المثال لا الحصر تحتاج غزة إلى غازها لتشغيل محطات توليد الكهرباء في ظل فقر شديد يعاني منه القطاع في الطاقة بسبب الحصار. ولكن بنظرة أكثر شمولاً، ومع الأخذ في الاعتبار تغيير موازيين القوى وميله المطرد لصالح المقاومة التي استطاعت مؤخراً فرض اجندتها الخاصة حتى قبل الجلوس على مائدة المفاوضات لبحث التهدئة، نستطيع القول أن السنوات القادمة قد تشهد استخراج غاز القطاع في حماية سلاح المقاومة، بعد أن ظل تحت حصار الإرهاب الإسرائيلي، أو بالحد الأدنى تخلق معادلة جديدة بقوة السلاح طرفيها: سلامة حقول الغاز الإسرائيلية مقابل فك الحصار عن غاز قطاع غزة.