الحرية وحدها هى التي سطرت تاريخ الشعب المصري على مدى نضاله الطويل ,فالتنظيمات السرية والمسيرات والمظاهرات التي نددت بالاستعمار لم تكن تبغي سوى الحرية ,والشعارات المرفوعةعلى مدى عقود طويلة في وجه الاحتلال كانت تحمل معنى واحداً(الاستقلال التام أو الموت الزوؤام) لم يكن الشعب المصري الذي هب عن بكرة أبيه في جميع ثوراته المختلفة يتطلع إلا لنيل حريته واستعادة سيادة بلاده بعد جلاء الاستعمار. حينما وقع مصطفى النحاس باشا معاهدة الصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا عام 1936 كان الشرط هو انسحاب القوات البريطانية عن أراضي مصر كلها وتمركزها بمنطقة القناة فقط وفي المقابل فرضت بريطانيا على مصر التزامات في حال تعرض القنال للخطر,وباندلاع الحرب العالمية الثانيه تم تفعيل شروط المعاهدة التي كلفت مصر أعباء باهظة ,كان أهمها أرواح المئات من الشهداء الذين شاركوا في الحرب مقابل الجلاء الكامل عن مصر بعد انتهاء الحرب ,وبالطبع حنثت انجلترا بوعدها في الانسحاب حتي قامت حرب 48 بفلسطين والتي انتهت بكارثة عسكرية للجيش المصري ,فدعا الملك فاروق للانتخابات البرلمانية لتشكيل الوزارة ,حيث اكتسحها حزب الوفد وتولى النحاس باشا رئاسة الوزراء وحاول التفاوض مع الإنجليز بشأن الجلاء لكنهم رفضوا ولذلك أعلن النحاس باشا إلغاء المعاهدة في 18 أكتوبر 1951 قائلاً كلمته الشهيرة (من أجل مصر وقعتها ومن أجل مصر ألغيها) كما أعلن أن وجود القوات البريطانية في منطقة القناة غير شرعي وأن الحكومة المصرية غير مسئولة عن حمايتها ,كما أعلن دعمه للفدائيين وكانت هذه الاجراءات الشرارة لانطلاق حرب تحرير القناة من دنس الإنجليز ,حيث بدأ المسلحون من الضباط الأحرار وسائر الأطياف السياسية المختلفة شن حرب شعواء كبدت القوات البريطانية خسائر فادحة لاسيما بعد إعلان حكومة النحاس عن فتح مكاتب لتسجيل أسماء عمال المعسكرات المصريين الراغبين في ترك العمل لدعم حركات التحرر ضد الاستعمار,فسجل ما يقرب من 9000 عاملاً أسماءهم في أقل من شهرين عام 1952 .ومن ثم كان رد الفعل عنيفاً ففي 25 يناير عام 1952 أنذرت القوات البريطانية القوات المصرية بالإسماعيلية أن تسلم أسلحتها ,فرفضت في الوقت الذي طالبها وزير الداخلية آنذاك فؤاد سراج الدين بالصمود فحاصرت الدبابات البريطانية مبنى المحافظة بسبعة آلاف جندي مزودين بالأسلحة والمدافع ,بينما كان عدد الجنود المحاصرين لا يزيد عن 800 داخل ثكناتهم و80 داخل مبنى المحافظة لايحملون سوى البنادق ,قاوم المصريون حتى نفدت أخر طلقة خلال ساعتين فقط سقط خلالهم خمسون شهيداً وأصيب نحو ثمانين وتم أسر الأخرين ,مما دعا القائد الإنجليزي لتأدية التحية العسكرية تقديراً لصمودهم ,وبإقالة حكومة النحاس باشا وازدياد التوتر السياسي قامت ثورة يوليو 1952 حيث تم توقيع معاهدة الجلاء 1954 . وفي 18 يونيو عام 1956 احتفلت مصر برحيل آخر جندي إنجليزي عن الأراضي المصرية وقد رفع الزعيم جمال عبد الناصر العلم المصري خفاقاً في مبنى البحرية بمدينة بورسعيد الباسلة معلناً انقضاء عهد الاستبداد الذي استمر سبعون عاماً جاثماً على صدور المصريين. فإذا كان السادات ألغى الاحتفال بعيد الجلاء الذي يمثل جرحاً مازال ينزف في قلب بريطانيا حتي اليوم نكاية في شخص عبد الناصر ,وإذا كان مبارك الذي ارتمى في أحضان التبعية الأمريكية الصهيونية عامداً كسر رموز النضال والكفاح الوطني بكافة صوره غير عابئ باستحضار معاني الانتماء للوطن ,فإنه من غير الجائز أن تسير السلطة الحالية على نهج من سبقوها متجاهلة من مهدوا الطريق بأرواحهم في سبيل العزة والكرامة.