التحرش الجنسي وصل إلى حد وصفه بالظاهرة وهذا دليل على انتشاره وتكراره وتزايد معدله، وقد اختلفت آراء المراقبين لما يحدث من تطور لهذه الظاهرة بين فريقين، فقد رأى أصحاب الرأي الأول أن ظاهرة التحرش الجنسي هي ظاهرة اجتماعية تعكس تراجع أداء الدولة على أكثر من صعيد منها تراجع الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وضعف الوازع الديني وعدم تفعيل القانون، وتحقيق العدل والمساواة للجميع وغيرها من الأسباب. وقد رأى أصحاب الرأي الثاني أنها ظاهرة سياسية، وأن بدايتها ترجع إلى السنوات الأخيرة لحكم الرئيس الأسبق مبارك، وأنها حدثت لأول مرة في الأعياد باعتبارها أكثر المناسبات التي تشهد تجمعا كبيرا في الشوارع والحدائق العامة، وقد رأى أصحاب هذا الرأي أن هذه الحوادث كانت مدبرة لزيادة حالة الاحتقان تجاه النظام السياسي ووزارة الداخلية لإظهارها بمظهر المقصر والغير قادرة على تحقيق الأمن بالدولة، وكما تكررت هذه الظاهرة في فترة الحكم العسكري لإظهار قصوره في حماية ميدان التحرير, وللانتقام من المرأة لخروجها ضده، ولكن تضاعفت هذه الظاهرة في فترة حكم الإخوان أيضا لنفس السبب مع كل مظاهرة معارضة للنظام وقد وصلت لذروتها في احتفالات 25 يناير 2013، وقد استغلت هذه الأحداث الجماعات المتأسلمة بدعوة المرأة لارتداء الحجاب على الرغم من انتشاره بنسبة لا تقل عن 90% في المجتمع، مما يعني أن ثمة شكلا معينا لهذه الجماعات ترغب في أن ترى المرأة فيه وهو تغطيتها بشكل كامل بداية للدعوة بالتزامها المنزل وأيضا كحل لمشكلة بطالة الشباب والفصل بين الجنسين في وسائل المواصلات والمدارس والجماعات في محاولة لإضفاء الظلمة على هذا المجتمع. وقد رأي أصحاب هذا الرأي أيضا بأن الحادثة الأخيرة للتحرش في ميدان التحرير يوم تنصيب الرئيس بأنها رسالة للمرأة التي شاركت بنسبة عالية في الانتخابات الرئاسية، ورسالة للرئيس نفسه بأن هناك من يرى أن الرئيس اغتصب الحكم منهم ولذا كان الرد باغتصاب المرأة التي انتخبته، وكذلك لإفساد فرحة الميدان بالرئيس الجديد. ورغم أن دستور 2014 نص في المادة 11 على: «تلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف»، ورغم وجود قرارات بسن عقوبات تجاه المتحرشين إلا أن الوضع في تفاقم ملحوظ، فمؤخرا وافق مجلس الوزراء يوم 7 مايو 2014على مشروع قرار رئيس الجمهورية بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، لمواجهة جرائم التحرش الجنسي، حيث نص مشروع القرار على التفريق بين التعرض إلى الغير وبين التعرض إلى الغير بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية وهو ما يسمى التحرش الجنسي، وجعلت عقوبة ذلك الحبس مدة لا تقل عن سنة وبالغرامة التي لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. كما نص التعديل على تشديد العقوبة إذا كان من قام بفعل التحرش الجنسي أحد الأصول المتولين التربية، أو له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليها، أو الخادم بالأجر عند المجني عليها، أو مارس ضغط تسمح له الظروف بممارسته على المجني عليه، وذلك لتصل العقوبة في هذه الحالات إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 5 سنين والغرامة التي لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه. وإذا ما قارنا قانون العقوبة في مصر بغيرها من الدول الغربية والعربية سوف نجد أنه في الولاياتالمتحدةالأمريكية، يواجه المُتحرش جنسيًا عقوبة تصل إلى السجن مدى الحياة وغرامة قدرها ربع مليون دولار. وفي المملكة العربية السعودية، يعاقب المُتحرش بالسجن 5 سنوات وغرامة نصف مليون ريال، ويحدد الحكم والعقوبة القاضي حسب تفاصيل القضية المعروضة ومجرياتها، حسب القانون. وفي فرنسا، صوتت الجمعية الوطنية على قانون جديد يتعلق بالتحرش الجنسي يتضمن فرض عقوبات أشد على المدانين به، ويرفع النص الجديد عقوبات التحرش إلى سنتين و30 ألف يورو غرامة، مع إمكانية تشديد العقوبات في بعض الحالات، كأن يمارس التحرش الجنسي على شخص في وضعية حرجة، حيث ترفع العقوبة إلى ثلاث سنوات والغرامة إلى 45 ألف يورو. وقد وافق البرلمان الباكستاني على مشروع قانون يعاقب بالسجن لمدة 3 سنوات للتحرّش الجنسي في أماكن العمل. كما قضت محكمة بحرينية في 19 فبراير 2014، بسجن مواطن باكستاني لمدة 10 سنوات وترحيله نهائيًا عن البلاد، جراء تقبيله طفلة في عامها الخامس على خدها بالقوة، ووجهت النيابة العامة البحرينية له تهمة «تقبيل فتاة دون رضاها حتى ترك أثرًا في خدها». وتُعاقب البحرين الطالب المتحرش في المدارس بالفصل النهائي من المدارس الحكومية الانتظامية. وفي المغرب، طرحت وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن المغربية بالتعاون مع وزارة العدل، في نهاية 2013 مشروع قانون يُجرم التحرش الجنسي، ويُعاقب المتحرش بالحبس من شهرين إلى عامين وبغرامة مالية تتراوح بين 1000 درهم و3000 درهم، أو بواحدة من العقوبتين، ولكن الحكومة تحفظت على مشروع القانون ولم يخرج للنور حتى الآن. والصحيح، أنه أيا كان مسمى الظاهرة وأيا كان سببها، هناك شباب لديهم الجرأة للقيام بهذه الفعل دون رادع داخلي، وأيا كان من يقوم بتأجير هؤلاء، هناك ضحية من المرأة تدفع ثمن هذا التراجع المجتمعي والسياسي والأمني. ومن ثم فإن للظاهرة أبعاد كثيرة يجب التعامل معها من خلال منظومة متكاملة للمواجهة والقضاء عليها تدريجيا سواء من خلال تشديد العقوبة، فضلا عن العمل على حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي يعاني منها الشعب وتخرج في شكل تصرفات فردية سرعان ما تتحول لفعل جماعي ومتكرر ومن ثم تتحول لظاهرة يصعب مواجهتها بدون إستراتيجية متكاملة الأركان.