(1) يقول الشيخ محمد الغزالي: "إن الغزو الثقافي يمتد في فراغنا ! هناك فراغ حقيقي في النفس الإسلامية المعاصرة، لأن تصورها للإسلام طفولي، وسطحي، يستقى من عهود الاضمحلال العقلي في تاريخنا، وكأن بينه وبين عهود الازدهار ترة". (2) ويرى الغزالي أن علماء السلاطين وعلماء السوء من أكبر المشكلات التى تواجه أى صحوة إسلامية، إذ أساء هؤلاء للدين الحنيف، وجعلوا الدين والإنسانية ضدين، فحولوا الدين إلى قشور، واهتموا إهتمامًا بالغًا بالجزئيات، والأحكام الفقهية الفرعية، وأثقلوا على الناس بآرائهم البعيدة عن رسالة الإسلام الحقيقية. ويؤكد الغزالي على أن "التدين الأبله" الذى ينتشر بقوة في هذا العصر، هو عامل رئيسى فى إفساد الصحوة الإسلامية، إذ يجعل من الجلباب والنقاب قضايا مصيرية، بخلاف ما وراثه هؤلاء الجهلة من تقاليد عن شيوخ السوء، دون سندٍ من الكتاب أو السنة الصحيحة أو القياس المنطقي، فأصبح النيل من كبار العلماء كأبى موسي الأشعري وأبو حنيفة النعمان غاية، "لذلك فإن العقل العادى يفضل المذاهب الاجتماعية المادية عن هذه الصور من البلاهه الفكرية التي يقدمها هؤلاء". (3) فالعقل الإسلامي الذى كان يألف الحرية ويكره التبعية، و كان يحسن البحث، والاستنباط، والاستدلال العقلي، انطفئ اليوم نوره، لينجم عن ذلك فراغ ثقافى، ومن هذا الفراغ تمكنت الثقافات الغربية من غزونا، فإهمال العقل جر المسلمين إلى ما هم عليه الآن. إن الدين الإسلامي الحنيف يحترم العقل، والفطرة البشرية، والعالم اليوم يحتاج إلي دين لاتكلف فيه، يراعى العقل والفطرة السليمة، والحل الوحيد لملئ هذا الفراغ هو العودة إلى رشدنا العقلى، "فالدين الحق هو الانسانية الصحيحة والانسانية الصحيحة هو العقل الضابط المستنير البعيد عن الأوهام". يقول الغزالي: إن من أخطائنا قطع صلتنا بالدنيا، وعدم ترجمة العلوم الغربية المادية، بل اقتصرنا على ترجمة الروايات الغرامية والعاطفية، التى شغلت عقول أبنائنا، فيجب علينا أن نتعلم من أخطائنا، ونسعى للتعلم واقتباس العلوم من الغرب، ولا عيب أن نكون تلامذه للغرب فى المجالات التى تخلفنا فيها مثل الزراعة والصناعة، ونفعل مثلما فعل محمد على باشا، حين أرسل بعثات إلى أوروبا لنقل تفوقهم العلمى فى المجال الزراعى والصناعى، لأن لا نهضة ولا قوة بدون امتلاك قوة مادية وفكرية. ويرى الغزالي، إن الارتقاء الصناعى ضرورى، وعلينا أن نعمل على بلوغه، وأن نستفيد من الحضارات الأخري، ولكن بعدة شروط: انتقاء ما يلائم ثقافتنا، وأن نضع ما نقتبسه فى المكان السليم، وعدم نقل أى جزئية تؤثر على ثقافاتنا الإسلامية والعربية، والمراجعة المستمرة لكل ما نقلناه. . (4) إن الطريقة المُثلى عند الغزالي لمقاومة هذا الغزو، هي العودة إلى الدين الحنيف، ومعرفة أصوله، ومقاصده، وغربلة مواريثنا التى شكلت أزمة حقيقية للأمة الإسلامية، لنستعيد قوتنا المادية والفكرية والخُلقية؛ لأننا بدون هذه القوى سنظل أمة هزيلة ضعيفة أمام أى غزو ثقافى، فالسلف الصالح أحدث خوارق تاريخية، لأنه أحسن التأسى بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، واعتمد على كتاب الله، ولكى يسود الحق لابد له من قوة عقلية لتقوية الحجة، وأخرى مادية لصد العدوان والاكتمال الثقافى والخلقى.