غدا (15 مايو) .. تمر ستة وستون عاما على نكبة فلسطين بهزيمة العرب أمام اليهود. ومنذ ذلك التاريخ استسلم العالم لأسطورة إسرائيل التي لا تقهر والتي هزمت سبعة جيوش عربية ..إلخ. والحقيقة التاريخية أن الجيش المصري كان على مسافة 29 كيلومتر جنوب تل أبيب، والجيش العراقي كان على بعد 16 كيلومتر شرق تل أبيب وكادت إسرائيل الوليدة أن تقع بين فكي الكماشة. وهنا أصدر مجلس الأمن قرارا بالهدنة في 10 يونية (1948) لمدة أربعة أسابيع وكان هذا لصالح إسرائيل. وبينما التزمت الجيوش العربية بالقرار لم تلتزم إسرائيل وأخذت تتوسع هنا وهناك ومجلس الأمن لا يري ولا يسمع ولا يتكلم. ومنذ ذلك التاريخ تعلمنا أن أي قرار يصدر من هيئة دولية أيا كانت لا يكون إلا في صالح إسرائيل وخاصة من أمريكا التي التزمت بحماية أمن إسرائيل بمقتضى اتفاقية خاصة معها في 1951. ثم جاءت إتفاقية هدنة رودس بين إسرائيل وكل من مصر ولبنان والأردن وسوريا بشكل منفرد (24 فبراير-20 يوليو 1949) تنتهي بعبارة تقول: "هذه الاتفاقية توطئة لعقد اتفاق سلام دائم ونهائي في الشرق الأوسط". وبالفعل بدأت مباحثات الملك فاروق مع إسرائيل بشكل سري في باريس ويمثله إسماعيل صدقي باشا مع ممثل إسرائيل الياهو ساسون في بيت سلفاتور شيكوريل اليهودي المصري بباريس. وسرعان ما قام الضباط الأحرار بالاستيلاء على السلطة بقيادة جمال عبد الناصر الذي شارك في حرب فلسطين، فتغير الموقف، فلم يكفر بالقضية، بل لقد رفعها من مستوى قضية لاجئين تبحث لهم الأممالمتحدة عن مأوى إلى قضية شعب له حق في إقامة دولته على أرضة المغتصبة. وبسبب هذا الموقف فرض عليه القتال في 1956 و 1967 واقترحت أمريكا عليه إقامة سلام كامل مع إسرائيل عن طريق مفاوضات مباشرة، فرفض وبدأ حرب الاستنزاف بأول طلقة في الثامن من سبتمبر 1968. ولقد أرهقت هذه الحرب إسرائيل باعتراف عزرا وايزمن ومن ثم جاءت مبادرة روجرز في اغسطس 1970 لإنقاذ إسرائيل بإيقاف القتال لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد. ثم رحل عبد الناصر (28 سبتمبر 1970)، وخلفه انور السادات الذي لم يشارك في حرب فلسطين، ومعه بدأ التخلي عن التزامات ناصر تجاه العروبة وفلسطين استجابة للمواقف الأمريكية. وعبرت القوات المصرية قناة السويس في السادس من أكتوبر 1973 واقتحمت خط بارليف وبعدها بدأت رحلة تصفية قضية فلسطين بذهاب السادات إلى إسرائيل (19 نوفمبر 1977)، ثم مباحثات كامب ديفيد في سبتمبر 1978، ثم بعقد اتفاقية 26 مارس 1979 (راجع الفقرة الرابعة من المادة السادسة التي تنص على أن "يتعهد الطرفان بعدم الدخول في أي إلتزام يتعارض مع هذه المعاهدة، والفقرة الخامسة التي تقول: "يقر الطرفان بأنه في حالة وجود تناقض بين إلتزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة ولأي من إلتزامتهما الأخرى فإن الإلتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة". وتجدر الإشارة إلى أن ديباجة تلك المعاهدة لم تستند إلى نصر اكتوبر العظيم، بل تستند إلى الفقرة الأخيرة من اتفاقية رودس حيث تقول "اقتناعا من الطرفين بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط ..". وهذا يعني ببساطة أن إسرائيل في 1979 فرضت شروط هدنة 1949 وكسبت الصراع مع العرب استراتيجيا. ومات السادات (6 أكتوبر 1981) لكن مدرسته استمرت قائمة وتولت طائفة من كتاب الصحف مهمة تعميق إبعاد مصر عن فلسطين بدعوى الواقعية، وصكوا شعار "مصر أولا وأخيرا". وأكثر من هذا أن :"ثورات الربيع العربي (2011) أسقطت البعد العربي من شعاراتها وسياساتها امتثالا لشرط أمريكا بعدم الاقتراب من إسرائيل، وانشق الفلسطينيون على أنفسهم وهذا ما يسعد إسرائيل وأصبح الفلسطينيون في العراء دون ظهير. والخلاصة .. لا أمل إلا بتوحد الفلسطينيين وانتفاضة الظهير العربي من جديد، إذ لا يجوز أن تقول آنجيلا ميركل رئيسة المانيا: إن أمن المانيا من أمن إسرائيل .. ولا يقول العرب إن أمن فلسطين من أمن العرب.