ما زالت مثارة في لندن مسألة تحديد موقف واضح، إزاء جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها.. وهل يصل الأمر إلى حظر أنشطتها في بريطانيا، وهل يصل إلى حد إدراجها على لائحة الإرهاب، وأيضاً يثار بقوة هل سيكون لذلك تأثير على موقف دول غربية أخرى؟. والحق أن تاريخ التآمر الإخواني الاستعماري ضد ثورات الشعب العربي، ممتد وحافل بالصفحات السوداء. ليس جديداً ذلك التآمر والتلاقي بين الطرفين!. ويعد كتاب مارك كورتيس "التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين" (ترجمة كمال السيد، عن المركز القومي للترجمة القاهرة 2012) من المؤلفات المهمة، الموثقة على نحو ممتاز، لتاريخ بدأ منذ وقت مبكر للغاية واستمر إلى اللحظة الراهنة، للعلاقة مع القوى والإمبراطوريات الاستعمارية. بتركيز خاص على بريطانيا، وجماعات التيار السياسي الإسلامي، خاصة الإخوان المسلمين، بما انطوت عليه تلك العلاقة والصلات حتى من مواقف ومحطات تواطؤ وتآمر، ضد آمال وثورات الشعب العربي، تؤكدها براهين كثيرة ووثائق بدقة على امتداد الكتاب. على سبيل المثال، من الفصل الثالث: "على وجه التأكيد، كان المسئولون البريطانيون يرصدون بانتباه أنشطة الإخوان المعادية للنظام (في مصر بعد 1952)، ويعترفون بأنها قادرة على أن تشكل تحدياً جاداً لعبد الناصر. وهناك أيضاً أدلة على أن البريطانيين أجروا اتصالات مع التنظيم في أواخر 1955، عندما زار بعض الإخوان الملك فاروق، الذي كان حينذاك منفياً في إيطاليا، لبحث التعاون ضد عبد الناصر، ومنح حسين ملك الأردن قادة الإخوان جوازات سفر ديبلوماسية لتيسير تحركاتهم لتشكيل تنظيمات ضد عبد الناصر، في حين قدمت السعودية التمويل. كما وافقت المخابرات المركزية على تمويل السعودية للإخوان ليعملوا ضد عبد الناصر، حسبما قال روبرت باير المسئول السابق بالوكالة". وعلى سبيل المثال، من الفصل السادس: "في سبتمبر 1970، كان الملك حسين يسحق الفلسطينيين، وتولى أنور السادات نائب الرئيس رئاسة مصر عند وفاة عبد الناصر. ولم يغب عن الرئيس المصري الجديد قرار الإخوان المسلمين بالوقوف إلى جانب الملك حسين في الأردن، وكانت له علاقات قوية مع الإخوان المسلمين ترجع إلى الأربعينيات. وباعتباره رئيساً، رفض السادات قومية عبد الناصر العربية، وطهر الحكومة من الناصريين وطرد المستشارين السوفييت في 1972، وبدلاً من ذلك، كانت استراتيجية السادات هي أسلمة المجتمع المصري وشكل تحالفاً جديداً مع الولاياتالمتحدة. وكانت واشنطن جد متلهفة للعمل مع السادات لكي تنقل مصر إلى جانب الولاياتالمتحدة في الحرب الباردة إلى حد أن صناع السياسة ومسئولي المخابرات "اعتبروا إعادته لليمين الإسلامي أمراً حميداً وشجعوه ضمناً". والواقع، أن سياسات السادات ساعدت في التعجيل ببزوغ التطرف الإسلامي العالمي. وكان هذا بالنسبة لبريطانيا مثلما هو بالنسبة للولايات المتحدة حالة من عودة الدجاج إلى مجثمه ليبيت فيه. فقد ظل البريطانيون يتآمرون مع القوى المتأسلمة ضد عبد الناصر، عدوهم الرئيسي في الشرق الأوسط طوال الثمانية عشر عاماً السابقة". "بحلول منتصف السبعينيات، كان السادات بدعم من السعوديين، يسمح للإخوان المسلمين بالعودة من المنفى الذي فرضه عبد الناصر عليهم في السعودية، حيث أصبح كثيرون منهم أثرياء. وفي الوقت نفسه، أقام السادات علاقة سرية مع كمال أدهم، رئيس المخابرات السعودية، مما شكل وفاقاً مصرياً سعودياً جديداً وقطيعة حادة مع العداوة المريرة في ظل عبد الناصر. وشد الإخوان المسلمون الذين حررهم السادات الرحال تجاه الجامعات المصرية.. ".. وفي ذلك الوقت بدأ المثقفون المتأسلمون في حرم الجامعات ينشرون أفكارهم في كل أرجاء العالم الإسلامي، مستفيدين من الشبكات والمنح المالية المقدمة من الوهابيين السعوديين، خاصة في أعقاب النزاع العربي الإسرائيلي في 1973.. ".. وشجعت إدارات الأمن في عهد السادات صعود الإسلام الراديكالي بالمساعدة في تكوين مختلف المجموعات الصغيرة من المتشددين بغية التصدي لبقايا المجموعات الطلابية التي كان يقودها الناصريون والماركسيون..".