يثير علم أصول الفقه إشكالية، ذات وضع خاص، في الدراسات الفلسفية الإسلامية؛ ذلك أن شقًا من الباحثين اعتبروه خارج مجال الفلسفة الإسلامية، وهم أصحاب الرؤية النسقية للفلسفة، بمعنى أن الفلسفة الدقيقة يجب أن تتضمن نسقًا، كما أنها يجب أن تنفصل عن العلم الديني. ورغم ذلك أعتقد بعض الباحثين أنه أحد مصادر الفلسفة الإسلامية، التي لا غنى عن دراستها. وحاليًا يكاد لا يكون هناك خلاف في أهمية دراسته، ضمن مجال هذه الفلسفة. وقد بدأ الاهتمام بعلم أصول الفقه كفرع من الفلسفة الإسلامية منذ الجيل الأول من رواد قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وخاصة مصطفى عبد الرازق، الذي قام في كتابه "تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية" بضمه إلى هذه الفلسفة، وذلك لسببين: أنه يطرح مسائل مشتركة مع علم الكلام، وأنه وسيلة لإثبات أصالة الإبداع في تاريخ الإسلام، وذلك ردًا منه على بعض المستشرقين. وقد قام كذلك بتحليل رسالة الشافعي، مبينًا الطابعين النسقي والمنطقي فيها. ولكن المفكر الذي اكتشف الصلة بين أصول الفقه من جهة، ونظرية المعرفة في الإسلام عمومًا، بما يرتبط بها من الفلسفة، والأدب، والنقد الأدبي، والعلوم الدينية؛ كان أدونيس في "الثابت والمتحول". فقد اعتبر أدونيس أن أصول نظرية المعرفة الإسلامية راجعة إلى الشافعي، الذي أصل الأصول، وأن نظرية النقد الأدبي عند العرب قامت على تأصيل الاتباع في رسالة الشافعي. ويمكن القول أن أدونيس قد دشن بهذا إشكالية العلاقة بين أصول الفقه ونظرية المعرفة في الإسلام على اتساعها، أو الرأي القائل بأن أصول الفقه هو العلم المنهجي في الإسلام. جاء الجابري وفصَّل البحث في هذه الإشكالية، حيث اعتبر في "تكوين العقل العربي" أن مهمة أصول الفقه هي التشريع للعقل (ص 100)، وأن مكانة الشافعي في الفلسفة الإسلامية كمكانة ديكارت في الغربية (نفسه)، وأن الشافعي قد أرسى قواعد الممارسة المعرفية التي ترد الفرع إلى الأصل وتحتاج دائمًا القياس. ثم جاء مشروعا ابن حزم (ت 456 ه) والشاطبي (ت 790 ه) ليقطعا مع أصول الفقه التقليدية (بنية العقل العربي). تزامنت مع محاولة الجابري رسالتا حسن حنفي للدكتوراه في السوربون بين عامي 1955 و1965م، حيث قام بدراسة أصول الفقه محاولاً اكتشاف نظرية الشعور في الوعي الإسلامي، أو كيف يدرك المسلم العالم ويعمل فيه. وقد حاول فيهما قراءة أصول الفقه عن طريق الفلسفة الغربية تارة، وتارة أخرى قراءة الفلسفة الغربية عن طريق أصول الفقه. أبعد من ذلك حاول حنفي إنتاج علم أصول فقه جديد اجتماعي يساري التوجه، ضمن ما يسمى بمشروع اليسار الإسلامي. تتابعت المحاولات الفكرية المتفاوتة في الأصالة والأهمية، ومنها مثلاً محاولة محمود طه المفكر السوداني الذي أعدم بحد الردة عام 1985م، وذلك في "الرسالة الثانية في الإسلام"، حيث حاول تجديد أصول التشريع الإسلامي. كما حاول محمد أركون اكتشاف العلاقة بين أصول الفقه وأصول الدين من جانب، والأصولية القانوية في الإسلام، أي التضييق من مجال الاجتهاد بشكل ما، وذلك في "من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي". وعلى الجانب الشيعي برزت محاولة محمد تقي المدرّسي في "التشريع الإسلامي، مناهجه ومقاصده" لقراءة علم أصول الفقه من المنظور المعرفي والمنهجي، ورصد علاقته بنظرية القيم وفلسفة القانون. والمقام يضيق عن ذكر محاولات عديدة مثل محاولة: عبد الله النعيم تلميذ محمود طه، وأبي يعرب المرزوقي، ونصر أبو زيد، وعلي مبروك. وأصول الفقه علم ذو شقين من منظور كاتب هذه السطور: الأول هو أصول نظرية القيم في الإسلام، وخاصة الحق والخير، والثاني هو أصول التفسير؛ لأن علم أصول الفقه ركز كأشد ما يكون على مباحث الألفاظ والدلالة ومناهج قراءة النصوص. بالتالي فإن على أصول الفقه مصدر لنظرية القيم ونظرية التفسير في الإسلام في آنٍ. محمد عابد الجابري ومصطفى عبد الرازق و حسن حنفي وأدونيس ونصر حامد أبو زيد