شارف الموسم الأوروبي على الانتهاء في جميع البطولات الكبرى، ولا تزال إسبانيا وإنجلترا وبدرجة إيطاليا لم تكشف بعد عن أبطالها في موسم مليء بالمتعة والإثارة والمفاجآت السارة. وبرغم أن اسم البطل لم يعرف بعد في تلك الدوريات، إلا أنه بات لكل منها بطل جماهيري توجهه المشجعين من جميع الانتماءات باللقب، حتى وإن خذله الحظ ولم يتمكن من حصده فعليا في نهاية المشوار، وهؤلاء الأبطال هم ليفربول في إنجلترا وأتليتيكو مدريد في إسبانيا وروما في إيطاليا. ووراء إنجازات وتألق تلك الفرق وأداؤها الملحمي في هذا الموسم يظهر 3 أسماء كانت وبحق نجوما فوق العادة، وتستحق تجربتهم التوقف والتأمل وتعلم كيفية بناء الطموحات والتخطيط لها والعمل على تحقيقها بأقل الإمكانيات ووسط منافسة ضارية مع أسماء أكبر في وأكثر جماهيرية وميزانيات تفوق ميزانياتهم أضعافا، وهم مدربين الفرق الثلاث الأيرلندي الشمالي براندن رودجرز مدرب ليفربول، والأرجنتيني دييجو سيميوني قائد الكتيبة المدريدية، والفرنسي رودي جارسيا (مروض) ذئاب روما، ولكل اسم منهم حكاية مثيرة سنحاول اختصارها فيما يلي من سطور. براندن رودجرز عندما تولى هذا المدرب مسئولية الريدز الموسم الماضي قادما من سوانزي سيتي، لم يجد أي مساندة جماهيرية أو إدارية أو إعلامية، والأصعب من ذلك أنه تولى مسئولية فريق مفكك مدمر نفسيا لا يرقى للمنافسة على الألقاب يندر بالمواهب فرديا وجماعيا، ولا يمتلك من الأسماء الرنانة سوى سواريز بالإضافة لجيرارد الذي كان يراه كثيرون وقتها بأنه في مرحلة الخريف الكروي ولم يعد يمتلك ما يقدمه. رودجرز أعلن منذ توليه المسئولية أنه لن يحقق نتائج ويفكر فقط في بناء فريق قوي، ولم يعبأ أحد لحديثه في ظل نتائج متواضعة للغاية يحققها الريدز تحت قيادته، بالإضافة لتخليه عن نجوم باهظة الثمن معتبرا أنه "عالة" على الفريق وعلى رأسهم المهاجم العملاق أندي كارول والجناحين الدوليين جو كول وستيوارت داونينج وانتقل الثلاثي إلى وست هام، بالإضافة إلى تسببه في قطع إعارة نوري شاهين من ريال مدريد لينتقل لإكمالها في دورتموند. هذه القرارات والتي أعقبها موسم فاشل بكل المقاييس اختتمه ليفربول سابعا ولم يشارك في أي بطولة أوروبية، جعل الكثير يندهش من إصرار الإدارة المحلية على الإبقاء عليه لموسم جديد، بالإضافة لعدم دعمه بنجوم كبار لتنفيذ فكره، والاكتفاء بضم المدافعين مامادو ساخو وكولو توريه، إلى جانب الصفقة الأهم وهي إقناع لويس سواريز بعدم الرحيل عن قلعة أنفيلد. رودجرز لم يلتفت كثيرا لمن لم ينضم وركز على الأسماء المتاحة لديه، واهتم خلال الصيف بصناعة فريق قوي لا يعتمد على أفراد بقدر اعتماده على الجماعة، وقد كان له ما أراد. فليفربول أصبح الآن متصدرا منفردا للدوري الأقوى في العالم، ومتبقي أمامه 4 مباريات لو فاز بها جميعا سيتوج بطلا بعد غياب 24 عاما دون النظر لنتائج الملاحقين تشيلسي ومان سيتي، وسواء نجح الفريق في هذا الهدف أم لا، ولكنه حقق الكثير من الأهداف بامتلاكه أجمل كرة في البلاد، وامتلاكه لأقوى خط هجوم في أوروبا بأكملها مسجلا في الدوري حتى الآن 91 هدفا من 34 مباراة، أما أهم ما حققه ليفربول هو كسب تعاطف الجميع في إنجلترا والمنافسين قبل غيرهم. فنجد أن صحيفة (دايلي ميل) أفردت تقريرا مطولا اليوم عددت فيه 10 أسباب تجعل بريطانيا بأكملها تأمل في تتويج ليفربول بالدوري، وجاء في أول تلك الأسماء ما يطلقون عليه بالإنجليزية أنه فريق (underdogs) ومعناها بالعربية أنه فريق المستضعفين وأن التعاطف دائما يتجه نحو دعم الأضعف لتحقيق الإنجازات، كما أنها اختتمت تلك الأسباب بأن فوز ليفربول بهذا اللقب قد فتح الباب أمام الجميع للحلم بالنجاح في أي مجال وأن تحقيق هذا الحلم ليس مستحيلا مهما كانت الصعاب. دييجو سيميوني عندما تنظر إلى القيمة السوقية للأندية الثمانية التي شاركت في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا فحقا سيصيبك الاندهاش، خاصة عندما تجد أن أتليتيكو مدريد يحل في المركز الثامن بينهم بقيمة السوقية للفريق تبلغ 130 مليون يورو ومديونيات تتخطى ال250 مليون، في الوقت الذي يأتي أمامه في المركز السابع تشيلسي بقيمة 303 مليون يورو، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف ميزانية فريق مدريد الثاني. وبرغم هذه الأرقام المذهلة فأتليتيكو يمتلك قيمة مضافة تميزه عن أي فريق آخر، وهو امتلاكه لمدرب استثنائي تعد تجربته مع الروخي بلانكوس آية من آيات الإبداع التي لا يمكن أن تمر هكذا دون الانحناء لها احتراما وتقديرا، وهو الأرجنتيني الشاب وأحد أبرز لاعبي محور الارتكاز السابقين دييجو سيميوني. فسيميوني تولى مسئولية الفريق منتصف الموسم قبل الماضي وهو ينافس فعليا على تفادي الهبوط، ولكن المدرب الشاب انتشل الفريق من عثرته سريعا وبدأت بصماته تظهر فورا، ليحصد الفريق انتصارات محلية متتالية جعلته في نهاية الموسم قريبا للغاية من المشاركة في دوري الأبطال، ليس هذا وحسب ولكنه ختم الموسم بشكل مذهل بعد تتويج مستحق بالدوري الأوروبي. ركز دييجو في الصيف على إثبات أن ما حققه الفريق في ختام الموسم الذي سبقه لم يكن من قبيل الصدفة، ولم يجد بداية أفضل من سحق تشيلسي برباعية والتتويج بالسوبر الأوروبي، ليكون الفريق الثاني للعاصمة حاملا للقبين أوروبيين في غضون شهور، ويسير عشاقه في المدينة رافعي الرؤوس بعد تحقيقهم لإنجاز عجز عنهم غريمهم الأزلي وشريكهم الأكبر في المدينة ريال مدريد منذ أكثر من 11 عاما آنذاك. واصل أتليتيكو تألقه الموسم الماضي وسار حتى الربع الأخير من الموسم كتفا بكتف مع عملاقين يتفوقون عليه في الإمكانيات من كل شيء، ويكفي تذكر تصريح دييجو الشهير عندما سأل عن الفارق بينه وبين برشلونة فكانت الإجابة "فقط 400 مليون يورو"، ولم يكتف بذلك فقد حقق الانتصار على الريال في عقر داره ليهدي الروخي بلانكوس أول انتصار في الديربي منذ أكثر من عقد، وأعقبه بانتصار آخر في نهائي الكأس ليكون ثالث ألقابه والأول محليا للفريق من عام 96. سيميوني نجح خلال تلك الفترة في إقناع لاعبيه ومنافسيه والجميع أن أتليتيكو فريق كبير، وهو ما ثبت بالفعل والأرقام هذا الموسم الذي قبل 5 أسابيع من نهايته، يتصدر أتليتيكو لليجا بفارق 3 نقاط عن الريال و4 عن برشلونة، ولم يخسر من كليهما برغم أنه لعب أمام برشلونة وحده 5 مرات حتى الآن، وتأهل بتلك الميزانية لنصف نهائي دوري الأبطال بدون خسارة، وأقصى في طريقه العتيدين ميلان وبرشلونة، وها هو يعود للوقوف وجها لوجه مع مورينيو مجددا. رودي جارسيا عندما أعلن روما في بداية الموسم أن الفرنسي رودي جارسيا سيكون مدربا للفريق اندهش الجميع، وتساءل كيف لفريق بحجم روما وجماهيريته يستعين بمدرب مغمور فاز من قبل بالدوري الفرنسي، ولكنه غير عالم ببواطن الكرة الإيطالية الأصعب على المستوى التكتيكي في العالم، كما أنه لم يكن حتى لاعبا شهيرا. لم يلتفت رودي لتلك الإحباطات المسبقة وسمح لعدد من النجوم بالرحيل على رأسهم مهاجمه الأول أوسفالدو الذي انتقل لساوثهامبتون قبل عودته للكالتشيو معارا من بوابة يوفنتوس، وعمل في هدوء على إبرام صفقات قد تكون غير ذائعة ولكنها في غاية الأهمية بالمراكز التي تخدم خطته وأفكاره ومناسبة للإمكانيات المادية للجيالوروسي، فجلب جيرفينيو من أرسنال بعد أن كان مدربا لها مع ليل سابقا، وضم ستروتمان من أيندهوفن ومايكون من مان سيتي وليايتش من فيورنتينا والأهم من الجميع النجم المغربي مهدي بن عطية من أودينيزي الذي بات حاليا دون مبالغة من أفضل ثلاث مدافعين في العالم إن لم يكن الأفضل على الإطلاق. نجح جارسيا في اكتساب ثقة اللاعبين بهدوئه وذكائه وشخصيته القوية وإمكانياته الفنية العالية، وتمكن قبل ذلك في حل المعادلة الصعبة بتقديم كرة قدم هجومية بحتة وممتعة إلى أبعد الحدود، إلى جانب قوة دفاعية هائلة. جارسيا أثبت في سنته الأولى مع الذئاب أنه مدرب محنك يستطيع فرض اسمه على بورصة المدربين، وقد يكون تتويجه بلقب هذا الموسم أمرا صعبا، إلا أن المؤكد أن روما سيظل رقما صعبا في المعادلة المحلية والقارية الموسم المقبل، ويكفي أن الفريق يمتلك تحت قيادته أقوى خط دفاع وثاني أقوى خط هجوم، وأجمل كرة ممكنة وحقق أرقاما لم يعرفها الكالتشيو من قبل في تاريخه على رأسها انطلاقته المذهلة للموسم ب10 انتصارات متتالية. مختلفون ومتفقون المدربون الثلاثة يختلفون في كرة القدم التي يقدموها ولكنهم في الوقت ذاته يتفقون في العديد من الأمور الأخرى. فنظرا لأن كل منهم قدم من مدرسة مختلفة عن الأخرى فنجد رودجرز يعتمد على اللاعبين السريعين والهجمات المرتدة الخاطفة التي لا يستطيع مدافعو الخصم فهمها بسبب سرعة التحرك بدون كرة لأكثر من 4 لاعبين في آن واحد. أما سيميوني فتفكيره مغايرا تماما إذ يلتزم في المقام الأول بقوة الدفاع وامتلاك خط وسط حديدي من النواحي الدفاعية، والقدرة على فرض أسلوبه على المنافس وتحويل المباريات لمباريات بدنية، بالإضافة للروح القتالية التي يستطيع منحها لفريقه. أما رودي جارسيا فله مدرسة مختلفة تماما إذ يرفع شعار الهجوم الضاري منذ اللحظة الأولى، ويعتمد في تأمين خطوطه الخلفية على حرمان المنافس من الكرة وجعله في حالة رد فعل طوال الوقت، مع الاهتمام الكبير بالنواحي الفنية والتركيبات التكتيكية المليئة بالجماليات والوصول للمرمى من أقصر الطرق، وعدم الاكتفاء بتسجيل ثلاثة أو أربعة أهداف والبحث دائما عن المزيد. ومع هذا الاختلاف الذي لا تخطئه عين عند متابعة الفرق الثلاثة نجد المدربين الثلاثة يتفقون فيما هو أهم، وهو قدرتهم على جعل اللاعبين يؤمنون بهم ويقاتلون في الملعب لأجلهم، وأنهم يعرفون تحديدا ما يريدون، وكيف يحققونه، وأنهم أجبروا الجميع على احترامهم ورفع القبعات لهم. أخيرا فإن المدربين الثلاث أعطوا درسا لجميع المدربين في جميع أنحاء العالم في كيفية صناعة فريق قادر على تحدي من هم أقوى بأقل الإمكانيات، وعدم تعليق الفشل على شماعات أخرى، والبحث عن مبررات الخسارة قبل تلقيها عن طريق العمل ثم العمل فالعمل!