"أنا شاب نوبي كنزي دابودي مصري أصيل.. شربت من نيل بلادي ولعبت تحت النخيل.. أرض الجدود ياناس غرقت في عمق النيل.. غرقها العبد الخاسر وهجرنا للشتات.. ودانا صحرة كوم امبوا وبعد المسافات.. هججنا من أراضينا وادانا من الفتات".. كلمات سردها شاب نوبي يرثي فيها وطنه الغارق. اليوم 21 فبراير التوقيت السنوي لاحتفالات منظمة الثقافة والتربية والعلوم -اليونسكو- باليوم العالمي للغة الأم؛ وتعد هذه الذكرى فرصة لتسليط الضوء على اللغة الأصلية لمصر والتي كادت تندثر، ألا وهي اللغة النوبية؛ حيث نظمت لجنة الشباب بالمجلس الأعلى للثقافة مساء الخميس ندوة للاحتفاء باللغة النوبية بمناسبة مرور خمسين عامًا على التهجير الرابع لأهل النوبة عام 1964، بحضور الشاعر النوبي الكبير "محيي الدين صالح" والشاعر "عمر الدابودي" والحاج أحمد إسحاق. وناشد أدباء النوبة خلال الأمسية الثقافية إنقاذ اللغة النوبية من الإندثار، فهي اللغة الأصلية لمصر، وحاليا هي الثانية بعد العربية أكثر انتشار، حيث يتحدث بها أكثر من مليون ونصف مواطن مصري. يقول الشاعر محي الدين صالح، إن اللغة هي الوعاء الرئيسي للثقافة والتراث، فإذا اهتزت اللغة اهتزت الثقافة وإذا قويت بقيت الثقافة، مشيرا إلى أن ما نجنيه اليوم من سرقة الآثار الفرعونية وعدم اهتمام المصريين بتراثهم الفرعوني يرجع إلى إندثار اللغة الفرعونية، فأصبح لا يوجد تواصل بين المصريين وماضيهم. ويثبت "صناجة النوبة" عراقة واستقلاليه اللغة النوبية، فيوضح أن النوبية تضم 24 حرف أخذت من العربية 16 فيما تحتوي 8 حروف خاصها بها، علاوة أنها تبدأ بالمفعول على خلاف اللغات الأخرى التي تبدأ بالفعل. ويصطحب "صالح" الحضور في رحلة للنوبة وثقافتها؛ ليخبرنا أن الأسبوع لدى ثقافة النوبين يبدأ بالخميس وينتهي بالأربعاء وهو يوم الراحة والممنوعات، فيما يبدأ الأسبوع في ثقافة الإسلام يوم الجمعة وعند الثقافة المسيحية يوم الأحد واليهودية يوم السبت، مفجرا مفأجاة أن اليهودية لم تدخل أرض النوبة؛ حيث بدأت الأرض السمراء طقوسها الدينية مع المسيحية، لتأتي المفاجأة الأكبر بدخول الإسلام النوبة قبل دخوله المدينةالمنورة من خلال الأحد عشر صحابي الذين هاجروا الهجرة الأولى في العام الخامس للبعثة النبوية، وقاموا بمقابلة النجاشي ملك الحبشة في عاصمته التي كانت تسمي "آسيون" والتي كانت تمتد حتى حدود النوبة. هنا أشار الشاعر عمر الدابودي بضرورة الحفاظ على اللغة النوبية وحمايتها من الإندثار، مؤكدا أن الحكومات المصرية دائما تلقى اهتمامها بالحفاظ على آثار الجنوب دون أن تلقى إهتمام بالحفاظ عل اللغة التي بواسطتها يمكننا الحفاظ على الإرث الثقافي من أدبيات لتستمر الثقافة النوبية. كذلك قال الحاج أحمد إسحاق -أحد مشايخ النوبة- إن النوبة تمتد من منابع النيل حتى تصل إلى مصبه في شمال مصر واللغة النوبية هي اللغة الوحيدة التي تستطيع من خلال حرفين من حروفها أن تخرج ب 16 كلمة ب 16 معني. أضاف إسحاق: لقد قمنا هذا العام بطباعة سبعه كتب عن الثقافة النوبية، ويكفينا شرفًا أن استخدمت القوات المسلحة اللغة النوبية كشفرة في حرب 73 وقد حاولت إسرائيل محاولات عديدة لتجنيد النوبيين لفك هذه الشفرة ولكنها لم تستطع بحكم الانتماء إلى الوطن.