* - الموقع يقدم نموذجا لصحافة المواطن حين تتحول لصحافة استقصائية محترمة * - قوة وثائقه جعلت القائمين عليه محل تهديد من الجيش الأمريكي وتسببت في اعتقال واحد من أهم المحللين العسكريين * - محررو الموقع حصلوا على جائزة الإيكونومست 2008 لمراقبة حرية التعبير وجائزة أمنسيتي الدولية للكتابة في قضايا حقوق الانسان. * - أصحاب الموقع يعرفون كيف يحمون صحفييهم ومصادرهم، وطوروا دفاعات لصد أي هجوم تقني أحمد الدريني ربما تكون الأمور قد وصلت ذروتها حين بث موقع ويكيلكس المتخصص في نشر تسريبات فضائحية بحق الجيش الأمريكي، قبل عدة أشهر، تصوير فيديو يمثل هجوما لطائرة هيليكوبتر أمريكية من طراز أباتشي تسبب في مقتل 12 عراقيا بينهم صحفيين كانا يعملان لحساب وكالة رويترز خلال هجوم نفذته القوات الأمريكية في بغداد عام 2007. كان هذا الفيديو كافيا لاستفزاز البنتاجون لدرجة غير مسبوقة، وجاء ما بثه “ويكليكس” ليدعم سلسلة طويلة من عمليات النشر المدعومة بالوثائق حول جرائم قوات الاحتلال الأمريكي، بدأت في عام 2007 ولازالت مستمرة حتى اليوم. وبطبيعة الحال يواجه القائمون على الموقع تهديدات بالغة، وعلى رأسهم المؤسس:جوليان أسانج ، الذي نشر وثيقة رسمية صادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية مفادها :”ويكيلكس يشكل خطرا على الجيش الأمريكي”، فضلا عما كشفه الموقع في 18 مارس 2008 عن تخطيط الاستخبارات الأمريكية CIA لتدمير ويكيلكس. تتقاطع في موقع ويكيلكس العديد من المفاهيم والقيم الصحفية والسياسية والمجتمعية، فالموقع يعرف نفسه على أنه مؤسسة إعلامية غير ربحية تتلقى التبرعات، ويعمل على نشر كافة الوثائق والمعلومات “الهامة”، وتمتد مساحة النشر لتشمل وثائق الأنشطة الاستخباراتية والتحركات الدبلوماسية والفضائح البنكية وتسويات البيزنس السرية التي لا يعلم عنها أحد شيئا، مرورا بمساحات أخرى متنوعة تتطرق لما هو أكثر من الشأن الأمريكي كوثائق قمة كوبنهاجن للمناخ والأوراق التحضيرية والملفات العلمية المتعلقة بالقمة، بالإضافة لقضايا أخرى كتجسس الاستخبارات الألمانية على صحفيين ألمان بالإضافة إلى نشر وثائق من داخل الحروب الصومالية واتحاد المحاكم الإسلامية الصومالي، فضلا عن الاهتمام الأكبر والذي يتوجه ناحية الأعمال غير المشروعة للجيش الأمريكي خاصة في العراق. وينشغل مؤسسو الموقع في التعريف بمفهوم “الوثيقة” الذي يتبنونه على نحو صارم كشريطة للنشر، فهم لايقبلون وجهات النظر ولا المقالات التي تنطوي على آراء فحسب، ولا يتعاملون مع الشائعات كأخبار صالحة للبث، فالمعيار الوحيد للنشر هو “الوثيقة” أو ذلك الاثبات الرسمي الدامغ للمعلومة ، وسواء ذلك عن طريق الأوراق والمخاطبات والمكاتبات الرسمية أو عن طريق تسجيلات الفيديو، بحيث يكون محتواها فاصلا غير قابلا للشك، وهو تأسيس معمق لقواعد التثبت والتيقن الصحفي، خاصة في مثل المساحة التي يتبنى ويكيلكس العمل فيها. ويفتح الموقع الفرصة أمام أي شخص يمتلك أي وثيقة_ وفقا للمفاهيم الكاثوليكية التي يتبناها المؤسسون_ لطرحها على الموقع، حيث يقوم المحررون بتلقي الوثائق وفحصها وتحليلها ثم الموافقة عليها، وتجيء مرحلة الإعداد بعد ذلك، حيث ينخرط فريق عمل في كتابة قصة خبرية بطريقة جذابة توضح أهمية هذا التسجيل أو أهمية تلك الوثيقة للرأي العام، بالتوازي مع عرض الوثيقة نفسها. ويقول محررو ويكيلكس على موقعهم المتنامي النفوذ أنهم يعملون على تزويد القاريء بالمعلومات على طريقة ويكيبيديا إلا أن الفارق بين الموقعين يكمن في أن ويكيلكس لا يسمح بالتدخل التحريري في مواده المنشورة، بخلاف ويكيبيديا بالطبع. إلا أن ويكيلكس يقوم بعمليات مراجعة للمحتوى السابق نشره من وقت لآخر ما قد يصل لحد حذف مواد من الوثائق الأساسية بغرض حماية “حياة أناس أبرياء” على حد تعبير ويكيلكس ، ويبدو أن صحفيي الموقع يرمون إلى تفاصيل كثيرة تتعلق بالجهات المتضررة من النشر ومن الجهات والأشخاص الذين يتوقع أن لهم مصلحة في النشر وهو ما قد يضعهم في خطر بائن، فضلا عن المعلومات الاستخباراتية التي تحتويها الوثائق والتي تعد مصدر قلق بطبعها. ويعتبر ويكيلكس قيميا أن نشر المعلومات وإتاحتها يعمل على إشاعة النزاهة ويخلق مجتمعا أفضل للعيش ويحارب الفساد ويحاصره، وهو ما يدفع محرريه لتبني هذا النمط من العمل. وقد حاز محررو الموقع جائزتين مرموقتين وهما جائزة الإيكونومست 2008 لمراقبة حرية التعبير وجائزة أمنسيتي الدولية للكتابة في قضايا حقوق الانسان. يجادل أصحاب الموقع بأنهم يعرفون جيدا كيف يحمون صحفييهم ومصادرهم، فهناك تطويرات دفاعية قام بها الموقع لصد أي عمليات هجوم تقني قد يتعرض لها، وهناك خطط فنية اتبعها للحفاظ على نفسه قائما على الشبكة العنكبوتية، ومنها أنه يستخدم عدة سيرفرات (خوادم) موزعة تحول دون ضرب الموقع. ويتيح الموقع جزءا خاصا للدردشة مع المستخدمين يتلقى المحررون من خلاله الأسئلة والاستفسارات ويؤكدون أنه يلقى حماية تقنية شرسة، تحول دون أية عملية اختراق أو إطلاع موازي من جانب طرف ثالث على مجريات الدردشة بين المحرر ومصدره. وقد وصل العداء العلني المشهر بين وزارة الدفاع و ويكيلكس لحد اعتقال الأخيرة لمحلل الشؤون العسكرية برادلي مانين قبل أشهر للاشتباه في تسريبه معلومات سرية للموقع، إلا أن جوليان أسانج مؤسس ويكيلكس لم يثبت ولم ينف علاقة موقعه بجوليان لكنه أبدى استعدادا قويا للدفاع عنه. ورغم توتر العلاقة بين الموقع وبين عدة جهات حكومية أمريكية فإن الصحفيين القائمين عليه لم تطلهم أية اعتقالات أو مضايقات حتى الآن، وهو ما يكفله المناخ العام في الولاياتالمتحدة وتحرسه بوابات إعلامية عملاقة ومنظمات مجتمعية قادرة على فرض قيما تحررية بعينها، فضلا عن أن ويكيلكس قد اشتهر بسرعة فائقة وصار جزءا من التكوين الإعلامي العام، حتى لو كان أقرب في مفهومه وأسلوبه وطريقة عمله لصحافة المواطن. بل إن الأمر يصل للدرجة التي يطرح فيها ويكيلكس بصورة علنية الطرق التي يمكن أن يحصل على التبرعات من خلالها، دون أن تتم مصادرة هذه الأموال أو عرقلة مسيرتها أو مطادرة المتبرعين، وأول هذه الطرق هو التحويل عبر الكريديت كارد من خلال الانترنت عبر (داتا سيل سويسرا) أو عبر الرقم الحسابي 0111-26-611010، أو عبر الحساب البنكي 2772812-04، أو عبر مؤسسة فاو هولند شتيفتنج، أو عبر فرع جامعة ملبورن باستراليا! ويبدو أن ويكيلكس يتعامل مع مؤسسات في هولندا وسويسرا واستراليا لضمانات أمنية ضمن عملية التأمين الشاملة التي يؤكد القائمون على الموقع أنهم ينتهجونها. الطريف أن كل بيانات التبرع والتحويلا متاحة، وتحتوي على كل تفاصيل المعاملات البنكية التي تتطلبها عمليات التحويل عادة، لكن القائمين على الموقع يوجهون لك النصح بكتابة أي اسم شبيه بكلمة ” ويكيلكس” ظهر المظروف الذي سيحمل قيمة تبرعك، كي لا تتعرض للاعتراض داخل دولتك أنت!