الاختيار السياسي للإخوان بين دعاة دولة طالبان ودعاة الدولة المدنية كملايين غيري من المصريين ، أقف على الضفة المقابلة تماما لافكار الإخوان المسلمين وغيرهم من جماعات الإسلام السياسي الاكثر راديكالية وتطرفا ، وأرفض نموذج دولة الكهنوت الذي يسعون إلى تطبيقه في مصر ، واتشكك كثيرا في نوايا تلك التنظيمات الإقصائية بشأن الالتزام بالديمقراطية واحكام صندوق الانتخابات إذا ما قدر لهم ان يقفزوا على مقاعد الحكم خلال الفترة القادمة . كانت تلك المقدمة لازمة ومهمة قبل أن أعترف للإخوان المسلمين بفضلهم في التخلص من النظام السابق ، وأقدر لهم ما بذلوه من جهد منظم ومخلص أثناء الثورة وما دفعوه من ثمن باهظ قبلها نظير معارضتهم الحقيقية لنظام مبارك ، وهذا ما لا ينطبق بالقطع على التيارات الإسلامية الأخرى التي خرجت فجاة بعد الثورة المجيدة من ساحة الدعوة الدينية الموالية لنظام مبارك والمتوافقة مع سياسات أجهزته البوليسية ، إلى ساحة العمل السياسي الإقصائي الرافض للآخر والساعي لبناء دولة قمعية ترتدي رداء الدين . التطورات السياسية الأخيرة وضعت الإخوان المسلمين الآن في منتصف المسافة الفاصلة بين تيارين سياسيين كل منهم ينتظر ثقل الإخوان لكي ترجح كفته ، الفصيل الأول الذي يقف على يمين الإخوان هم دعاة الدولة الدينية على النموذج “الطالباني “ ويتمثل هذا الفصيل في القوى السلفية والجهادية السابقة والتي استطاعت ان تنظم نفسها في أحزاب ومنابر واستطاعت ان تنسج شبكة من التحالفات فيما بينها معتمدة على سلاح الدين وخطاب الاستنفار الديني للبسطاء . أما القوة الاخرى التي تقف على يسار الإخوان فهي القوى الداعية لدولة مدنية بغض النظر عن ايديولوجيتها الاقتصادية أو نظام الحكم فيها ، ويضم هذا الفصيل القوى الوسطية واليسارية والليبرالية والعلمانية المطلوب من الإخوان الآن أن يختاروا إلى أي الفصيلين سيميلون ، فهل سيستجيوا لنداءات القوى الدينية الراديكالية المتطرفة ويدخلوا في تحالف انتخابي معهم ينتهي بالقضاء تماما على حلم الدولة المدنية ويدخلون بالبلاد في نفق مظلم ومصير مجهول ؟ ، أم إن الإخوان المسلمين سيحكموا العقل ويغلبوا المصلحة الوطنية وينحازوا للقوى المدنية الديمقراطية ويبحثوا عن الأرضية المشتركة التي تجمعهم ؟ إجابة هذا السؤال تستوجب منا قراءة متأنية في المتغيرات على الساحة الإخوانية الداخلية بعد الثورة وكيفية تعاطي الجماعة مع الأحداث السياسية المتلاحقة ، خاصة وأن طبيعة تعامل الجماعة مع هذه الاحداث كان مرتبطا إلى حد بعيد بما شهدته ساحتها الداخلية من انشقاقات واختلافات . فعلى صعيد الساحة الداخلية للإخوان المسلمين شهدنا جميعا كيف خرج رموز الاعتدال (حمائم الجماعة) عن طاعة قادتها بعد الثورة ، حيث خالف ثلاثة من اعمدة العمل الإخواني قرارات قادة الجماعة بشان الترشح في الانتخابات الرئاسية (عبد المنعم ابو الفتوح) ، أو تأسيس أحزاب أخرى بخلاف حزب الحرية والعدالة ( ابراهيم الزعفراني ومحمد حبيب) وفي ذات الوقت شهدت الجماعة خروجا شبابيا على طاعة مكتب الغرشاد ، وهو ما تبدى جليا في خروج آلاف الشباب الإخواني في “جمع” رفضت الجماعة رسميا المشاركة فيها ،، بل إن كثير من قادة العمل الشبابي في الجماعي انتقدوا بشكل علني وصريح وحاد مواقف مكتب الإرشاد وكيفية اتخاذ القرار السياسي في الجماعة . وقد تعطي هذه المتغيرات على الساحة الداخلية الإخوانية مؤشرا لما يمكن ان نتوقعه بشان انحياز الجماعة وحزبها إلى الفصيل المنادي بدولة دينية أو الفصيل المنادي بدولة مدنية . فإقصاء الحمائم وتسيد الصقور وتحكمهم في القرار الإخواني ( حزبا وجماعة) سيصب حتما في صالح الافتراض القائل بدخول الجماعة وحزبها في تحالف انتخابي وسياسي مع القوى الدينية والسلفية ، خاصة وان المساحات المشتركة بين الفصيلين كبيرة ومتعددة وربما يكون اختلافهم الرئيسي طوال السنوات الماضية في الادوات واولوية استخدامها وليس في الغايات النهائية والايديولوجيات الفكرية . وفي الوقت الذي تهتم فيه الفصائل الساعية لدولة دينية بتعزيز موقفها في الشارع وتنظيم نفسها سياسيا ومد جسور لها مع الناخبين وتشييد تحالفاتها السياسية استعدادا لمعركة انتخابية باتت على الأبواب ، نجد القوى الساعية لدولة مدنية منشغلة بمناوشة المجلس العسكري وانتقاد الحكومة وتنظيم المليونيات بسبب وبدون سببب حيث لم يهتم ايا من هذه القوى حتى الآن بامر الانتخابات القادمة بالشكل والمستوى الذي يليق بفصيل يملك مشروعا سياسيا قادر على نقل هذه الوطن خطوات للأمام . وربما لهذا السبب أيضا سيكون أيسر على الإخوان المسلمين الدخول في تحالف مع القوى الدينية المتوافقة والمجتهدة سياسيا ، بدلا من الدخول في تحالف مع القوى المدنية المنشغلة بالفعل الاحتجاجي والتي ترفض ان تغادر مرحلة المراهقة السياسية .