يستمد الحاكم فى البلدان العربية شرعيته الأبدية من البطولات التى حققها ، ولم يكذب القذافى عندما خاطب الثورا فى ليبيا قائلا” انادافع ثمن بقائى هنا” لم تكن تلك المقولة سوى لسان حال كل رئيس عربى ، ولم تكن على عفويتها سوى تأريخا حقيقيا لنظام الحكم المتخلف فى المنطقة العربية ، فى عودة بسيطة للوراء وتأكيدا لصدق ما يعنيه القذافى نجد أن عبد الناصر فسه استمد شرعيته من قيادة الثورة ثم اتفاقية الجلاء وما تلى ذلك من بطولة تاميم القناة وبناء السد ، كان يعلم جيدا أن البطولات الرنانة و الإنجازات الواضحة هى السبيل الوحيد لتجديد الشرعية وظل عبد الناصر يطارد الانجازات حتى تجاوز الشرعية المحلية إلى الشرعية الاٌقليمية ، ولكنه فقد تلك الشرعية بهزيمة الخامس من يونيو علم 67 ، وبالرغم من دعم الشعب له إلا ان عجلات التاريخ كانت قد دارت وداست كل ما انجزه ايذانا ببدء عصر جديد يبدا ببطولة جديدة ، وعندما جاء السادات العسكرى المثقف لم يكن اقل وعيا من عبد الناصر فى فهم قانون اللعبةالسياسية ، بعد ان عاش صوريا من العام 71 حتى العام 73 فقدم انتصارا عظيما يرضى الناس خاصة أذا تم تعظيم الإنجاز إعلاميا وإفناع الناس بانه كان انجازاً مستحيلا بمقياس التغلب على المانع الصعب ( مانع مائى – حائط بارليف) وإذا تم استغلا الحاجة الشعبية الماسة لاستعادة الكرامة الوطنية المهدرة مهما كان نصرا محدودا بمقياس المساحة التى لا تعادل إلا قليلا مما انتزعته اسرائيل من مصر فى عهد عبد الناصر ولكنه كان كافيا للسادات فى أن يؤكد به زعامته ويغترف منه الشرعية التى فقدها بمعاهدة السلام واتفاقية كامب ديفيد ، اما مبارك - العاجز تماما عن تقديم اى بطولة حقيقة – لم يجد ما يفعله لاحقا إلا اقتسام نصر اكتوبر مع السادات باعتبار ان فيها متسعا لكل عسكرى ساهم فى تحقيق النصر فى تلك الحرب، فراح يبيع للشعب فكرة انه صاحب الضربة الجوية الإولى التى فتحت باب الحرية ، ولأن البطولات تسقط بالتقادم ولأنه كان خال الوفاض تماما ، لا يملك جديدا ليقدمه للشعب راح ينصب نفسه تارة حكيم الشرق الاوسط وتارة الصمام الذى حافظ على امن بلاده من المغامرات والغامرين ، ومع ذلك فقد شرعيته فى اللحظة التى لاحت له فكرة التوريث ، وما كان يحدث فى مصر ما هو إلا سيناريو لكا ما كان يحدث فى جميع البلدان العربية شرقا وغربا جمهوريين وملوكا ،أمراءً وشيوخاً فالجميع لدينا إما صاحب ثورة أو انقلاب أو نصر او مهندس لوحدة الدولة أو ممانع عنيد لما كان مقبولا من غيره.. تلك هى شرعية الحاكم فى وطننا العربى ، لقد استفاقت الشعوب العربية مؤخرا من لعنة تلك الشرعية المستمدة من البطولات بعد أن أكدت لها احداث التاريخ أن صاحب البطولة لا يلبث ان يتحول إلى مستبد فاسد يسوق وطنه وشعبه للتخلف والضياع بين الأمم و يتمسك بالحكم ويعمل على توريثه حتى لو تقادمت تلك البطولة ، وحتى ان عجز عن تقديم بطولات جديدة . ومع ذلك مازال الخطر قائما بعد أن لمست فى الأونة الأخيرة ما تسعى إليه بعد القوى الشعبية ومن بعض المطالبات العاجلة التى تريد من المجلس العسكرى فى مصر أن يقوم ببطولة فى قضيايا محلية أو دولية ناسيين أن من اهم ما جاءت به الثورات العربية بالترتيب الزمنى فى تونس ومصر وليبيا وقريبا اليمن وسوريا ان البطل هو الشعب وان الشرعية هى الشعب وان صندوق الإقتراع الشفاف هو الطريق الاول والأخير لكرسى الحكم ، كم أتمنى من البعض ان يتوقف عن مطالبة الجيش بعمل بطولات عاجلة !! كم أرجوا ألا يضيعوا بطولات الشعوب وكم أرجو ان يعملوا ان أى بطولة سيحققها الجيش سترضى الناس فى البداية ولكنها ستنزع بطولة الجماهير التى مازالت حتى اليوم تحمل قلوبا ثورية مؤلفة لم تعى بعد ولا جربت قيمة شرعية صندوق الإقتراع ، سادعو الله واتبتل كثيرا ألا نشهد فى الفترة القادمة اى بطل منفرد يسرق بطولة الشعب ، سأدعو الله ان يقصر المدة الإنتقالية وان تمر دون بطولات أو انجازات ،راجيا أن يعود الجيش إلى سكناته وراجيا إن يعى الناصح والسفيه فى بلادى إلى ان البطولة قد تحققت بالفعل وان الجيش لا يجب ان يكون أكثر من جسر او معبر مؤقت نعبر عليه من شرعية البطولة إلى شرعية صناديق الأنتخاب .