مفصول من التيجانية، الأجهزة الأمنية تكشف مفاجآت مثيرة في اتهام سيدة لصلاح التيجاني بالتحرش    قبل بدء الدراسة.. العودة لنظام كراسة الحصة والواجب في نظام التعليم الجديد    بعد القبض عليه.. تفاصيل القصة الكاملة لصلاح التيجاني المتهم بالتحرش    ارتفاع جنوني.. تعرف على سعر طن الأسمدة بالسوق السوداء    لافروف: روسيا قادرة على الدفاع عن مصالحها عسكريا    مصرع وإصابة 3 أشخاص في انقلاب سيارة بسوهاج    مفصول من الطريقة التيجانية.. تفاصيل جديد بشأن القبض على صلاح التيجاني    الداخلية: فيديو حمل مواطنين عصى بقنا قديم    أحمد فتحي: أنا سبب شعبية هشام ماجد (فيديو)    الطريقة العلاوية الشاذلية تحتفل بالمولد النبوي الشريف في شمال سيناء.. فيديو    رانيا فريد شوقي عن بطالة بعض الفنانين وجلوسهم دون عمل: «ربنا العالم بحالهم»    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    وزير الاقتصاد الألماني يدعو إلى عقد قمة للسيارات    عيار 21 يرتفع الآن لأعلى سعر.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الزيادة الكبيرة    عاجل - قبل بدء الدراسة بساعات.. أبرز ملامح العام الدراسي الجديد 2025 وقرارات وزارة التعليم    مواعيد قطارات الصعيد 2024.. تفاصيل محدثة لخطوط السكة الحديد "القاهرة - أسوان"    هجمات روسية بالمسيرات تستهدف محطات الطاقة الفرعية بأنحاء متفرقة في أوكرانيا    ترامب: ينبغي أن تهزم كمالا هاريس لأن فوزها سيضر بإسرائيل    حلمي طولان يكشف كواليس فشل تدريب الإسماعيلي    أفضل أدعية الفجر يوم الجمعة.. فضل الدعاء وعبارات مُستجابة    عبد الباسط حمودة: أبويا كان مداح وكنت باخد ربع جنيه في الفرح (فيديو)    صلاح سليمان: المرحلة الحالية مرحلة تكاتف للتركيز على مباراة السوبر الأفريقي    48 ساعة قاسية.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الجمعة (ذروة ارتفاع درجات الحرارة)    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    وزير الأوقاف ينشد في حب الرسول خلال احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 20-9-2024 في قنا    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    القبض على سائق «توك توك» دهس طالبًا بكورنيش المعصرة    "الآن أدرك سبب معاناة النادي".. حلمي طولان يكشف كواليس مفاوضاته مع الإسماعيلي    ملف مصراوي.. جائزة جديدة لصلاح.. عودة فتوح.. تطورات حالة المولد    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الجمعة 20 سبتمبر    تعرف على قرعة سيدات اليد فى بطولة أفريقيا    شهيد ومصابون في قصف إسرائيلي على بيت لاهيا    اليوم.. الأوقاف تفتتح 26 مسجداً بالمحافظات    بايدن: الحل الدبلوماسي للتصعيد بين إسرائيل وحزب الله "ممكن"    عاجل| إسرائيل تواصل الضربات لتفكيك البنية التحتية والقدرات العسكرية ل حزب الله    الصومال:ضبط أسلحة وذخائر في عملية أمنية في مقديشو    بعد فيديو خالد تاج الدين.. عمرو مصطفى: مسامح الكل وهبدأ صفحة جديدة    عبد الباسط حمودة عن بداياته: «عبد المطلب» اشترالي هدوم.. و«عدوية» جرّأني على الغناء    «ابنك متقبل إنك ترقصي؟» ..دينا ترد بإجابة مفاجئة على معجبيها (فيديو)    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الجمعة 20 سبتمبر 2024    رسميًا.. إعادة تشكيل مجلسي إدارة بنكي الأهلي ومصر لمدة 3 سنوات    رسميًا.. فتح تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والدبلومات الفنية (رابط مفعل الآن)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024    رمزي لينر ب"كاستنج": الفنان القادر على الارتجال هيعرف يطلع أساسيات الاسكريبت    بارنييه ينتهي من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة    محافظ القليوبية: لا يوجد طريق واحد يربط المحافظة داخليا    النيابة تصرح بدفن جثة ربة منزل سقطت من الطابق السابع في شبرا الخيمة    رئيس مهرجان الغردقة يكشف تطورات حالة الموسيقار أحمد الجبالى الصحية    نقيب الأشراف: قراءة سيرة النبي وتطبيقها عمليا أصبح ضرورة في ظل ما نعيشه    حكاية بسكوت الحمص والدوم والأبحاث الجديدة لمواجهة أمراض الأطفال.. فيديو    وكيل صحة قنا يوجه بتوفير كل أوجه الدعم لمرضى الغسيل الكلوي في المستشفى العام    رئيس جامعة القناة يتفقد تجهيزات الكلية المصرية الصينية للعام الدراسي الجديد (صور)    البلشي: إطلاق موقع إلكتروني للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين    مدبولي: الدولة شهدت انفراجة ليست بالقليلة في نوعيات كثيرة من الأدوية    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    فحص 794 مريضًا ضمن قافلة "بداية" بحي الكرامة بالعريش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتجاهات الخطاب السياسي الأمريكي المعاصر (2-3)
نشر في البديل يوم 27 - 10 - 2013


الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط
من خلال تناولنا لاستراتيجية الخطاب السياسي الأمريكي تجاه سياسة الهيمنة الأمريكية والقوى الدولية التي تنازع الولايات المتحدة ، السيطرة والنفوذ على العالم فان ( بريجنسكي ) وباحثين استراتيجيين آخرين أمثال ( انطوني لابك ) و( هنري كيسنجر ) و( صمؤئيل هنتنغتون ) و( فوكوياما ) و ( روبرت هركابي ) يرون أن النفط وإسرائيل هما المحوران الأساسيان للسياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط كونهما يمثلان المصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة ..فبالنسبة للمحور الأول يعتقد ( فوكوياما ) أن ثمة أمرين من شأنهما أن يبررا تدخل ما اسماه ( بعالم ما بعد التاريخ) في (عالم التاريخ ) وهما النفط والهجرة . وفي تصور مماثل يؤكد ( جيفري كامب ) و ( روبرت هركابي ) الأهمية الاستراتيجية لنفط الخليج العربي ..
أما فيما يتعلق بمبدأ الدفاع عن إسرائيل ، الذي يمثل المرتبة الأولى في سلم الاولويات الأمريكية ، فان الخطاب السياسي الأمريكي ينظر إليها على أنها ( دولة ديمقراطية ) على غرار الديمقراطية الغربية وأنها موقع متقدم للحضارة الغربية ، وان العداء لإسرائيل هو التعبير الواضح عن الشك بالقيم الأمريكية وفضائلها بشكل خاص ..
استنادا إلى هذا فان استراتيجية الخطاب السياسي الأمريكي تتعامل مع الشرق الأوسط على انه يضم دولا محورية تشكل قاعدة أساسية للنفوذ الأمريكي ودولا محورية نقيضة تشكل تهديدا للمصالح الأمريكية ، لذلك يدعو الباحث والخبير ( كنيدي ) الولايات المتحدة أن تتبنى سياسة انتقائية في علاقتها بالدول النامية وان تحشد طاقاتها في دعم الدول المحورية بدلا من أن تبعثر اهتمامها عبر المعمورة بأسرها .. ويرى الخطاب الأمريكي أن مصر دولة محور في الشرق الأوسط إلى جانب تركيا ، لأنها ، حسب تعبير الخطاب ، وظيفة للاستراتيجية الأمريكية ، فالسلطة فيها قادرة على احتواء المد الإسلامي ، حسب تعبير كنيدي ، ودبلوماسيتها تركز جهودها على استمرار ديمومة الحياة لعملية السلام مع إسرائيل ، لذا يرى ( كنيدي ) أن سقوط هذه السلطة من شانه أن يؤدي إلى انتشار الفوضى السياسية وبالتالي إلى امتداد النفوذ الإسلامي إلى بلدان أخرى في الشرق الأوسط والى سقوط عملية السلام واتساع دائرة الأنظمة المعادية والمهددة للمصالح الأمريكية ..
مقابل هذه الرؤية فقد سعى ( هنتنغتون ) إلى وضع حد للجدل القائم حول موقع مصر ، فحسب رأيه ، ليس لمصر مقومات المركز وبنظره فهي لاتملك مقومات الدولة المركزية ، وأشار إلى تركيا واندونيسيا على أنهما دولتا مركز لتوفر عناصر التنمية فيهما ..
وفي نفس الاتجاه سار ( بريجنسكي ) الذي ذهب إلى حد تغييب دور مصر والدول العربية ، فاعتبر تركيا وإيران دولتان محوريتان في المنطقة بسبب تأثيرهما على ( قلب روسيا ) ..
أما بالنسبة لدول المحور النقيضة أو ( العاصية ) ، على حد تعبير الخطاب الأمريكي ، فهناك تباين في أسلوب هذا الخطاب ويمكن تلمس ذلك في استراتيجية الاحتواء الأمريكية إزاء هذه الدول :
1. فالدول المطلوب احتوائها رسميا ، حسب قائمة الإدارة الرئاسية الأمريكية ، كانت تضم في الأساس : العراق ( قبل الاحتلال ) وليبيا ( وقد حصل جدل تجاهها بعد مواقفها الأخيرة ) وإيران وكوريا الشمالية ، أما الدول المطلوبة حسب قائمة أعضاء الكونكرس الموالين لإسرائيل فتضم بالإضافة لما ورد ، سورية والسودان .. ويطالب هؤلاء بضمهما إلى ما يسمونه الدول الداعمة للإرهاب .. أما بريجنسكي فيعتبر بان المصالحة مع إيران ضرورة جيوستراتيجية لضبط آسيا الوسطى ..
2. إن التعامل مع ما يسميها الخطاب الأمريكي بالدول العاصية يكمن في مبدأ الاحتواء الذي يرمي إلى عزل القوة الإقليمية باستخدام النفوذ السياسي والاقتصادي لمنع مجرد الاقتراب منها ..
وحول استراتيجية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل حتى لا تقع بأيدي الدول والمنظمات المهددة للمصالح الأمريكية ، حسب الخطاب الأمريكي ، فمن وجهة نظر ( اليوت برانر ) تبقى ( الدول العاصية ) وما يسميه هذا الخطاب بالمنظمات ( الإرهابية ) هي المستهدفة ..
تقرير فريق العمل الأوربي- الأمريكي حول الشرق الأوسط
واستكمالا للموضوع نجد أن ابرز ما يميز الخطاب الأمريكي لمرحلة الألفية الجديدة تجاه منطقة الشرق الأوسط قد ورد في تقرير أعده فريق عمل أمريكي – أوربي برئاسة ( هنري كيسنجر ) وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وعضوية ( 26 ) شخصية أمريكية وأوربية بارزة إلى الرئيس بوش يتضمن انتقادا قاسيا لاستراتيجية أدارته وخططها في منطقة الشرق الأوسط .. وصدر هذا التقرير عن ( مجلس العلاقات الخارجية ) الأمريكي المعروف ويحمل عنوان ( إحياء الشراكة الأطلسية ) .. ولأهمية إطلاع القاري والباحث العربي على هذا التقرير كونه يمثل أجمالا عاما لمعظم اتجاهات الخطاب الأمريكي سيتم تناوله بصيغة مركزة ومباشرة لعكس هذه الاتجاهات :
1. دعوة الرئيس بوش إلى القيام بعملية نقد ذاتي والاعتراف بان الولايات المتحدة لن تتمكن من النجاح وحدها ، سواء في العراق أو في منطقة الشرق الأوسط أو في أي منطقة من العالم وفي أي قضية كبرى أخرى ، وأنها تحتاج إلى حلفاء ودعم أوربي لتشكيل تحالف من عدة دول لمواجهة الأخطار والتحديات المختلفة في الشرق الأوسط والعالم ..
2. أن يكون التعاون بين الولايات المتحدة وأوربا مبنيا على أساس التكامل لا التنافس مع تجاوز مرحلة الخلافات حول الحرب ضد العراق ..
3. تخلي الولايات المتحدة عن اعتمادها على القوة العسكرية وحدها وعلى تفوقها العسكري لان القوة وحدها ليست كافية للنجاح وتحقيق النصر والعمل على تعزيز الديمقراطية ونشرها والدفاع عن حقوق الإنسان ..
4. وضع استراتيجية موحدة بين الولايات المتحدة وأوربا تتضمن تحديد شروط استخدام القوة العسكرية ضد الدول الأخرى ، عربية وأجنبية ، سواء لمكافحة ( الإرهاب ) أو لوقف انتشار أسلحة الدمار الشامل أو لمنع قيام تعاون خطر ومدمر بين ما اسماه التقرير بالتنظيمات الإرهابية والدول غير المسئولة ..
5. قيام إدارة بوش بالعمل على التوصل إلى اتفاق موحد مع أوربا وحلف الأطلسي حول الشرق الأوسط لان هذه المنطقة تؤثر على الأمن والاستقرار والنمو في العالم الغربي أكثر من أي منطقة أخرى ولأنها تحتوي على اكبر احتياط للنفط والغاز في العالم ..
6. تسعى الولايات المتحدة وأوربا على تركيز الجهود على قضايا رئيسية أربع هي :
أ . إنقاذ العراق من الانهيار وضمان الأمن والاستقرار في هذا البلد وإقامة نظام شرعي جديد مستقر فيه وإعادة أعماره .. ويتفق التحليل لكلا الجانبين أن انهيار العراق ( لا سمح الله ) ستكون له عواقب وخيمة وخطيرة على سائر دول المنطقة والعالم وليس فقط على أمريكا ، لذلك يدعو الجانبان إلى وضع العراق تحت المسؤولية العسكرية لحلف الأطلسي بصورة مؤقتة ..
ب. منع إيران من امتلاك السلاح النووي بأي ثمن وتشجيع الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذا البلد ، ويدعو الجانبان روسيا للتعاون معهما لتنفيذ هذه الاستراتيجية ..
ج. الاتفاق على خطة موحدة مشتركة لتسوية ما اسماه التقرير بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي ، وهو ما يتطلب أن يتخذ المسئولون الأمريكيون خطوات عملية محددة للعمل على إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة والاستمرار ..
د. تخلي أمريكا عن أية خطط لديها لفرض الإصلاحات على الدول العربية وقيامها مع الدول الحليفة بجهود مشتركة لمساعدة دول الشرق الأوسط على تحسين وتطوير أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وذلك لتجنب نشوب نزاعات داخلية في عدد منها ..
الخطاب السياسي الأمريكي واحتلال العراق
أما بالنسبة لاحتلال العراق فان الخطاب السياسي الأمريكي توسع كثيرا في التحدث عنه ، ولكن لأغراض الدراسة هذه سيشير الباحث إلى ابرز اتجاهات هذا الخطاب :
يعترف محللون غربيون أن الحرب على العراق واحتلاله عام 2003 لم تكن حربا تكتيكية بأي حال من الأحوال ، بل هي استراتيجية وفقا لجميع المعايير .. ويوضح هؤلاء بأن هذه الحرب كانت من اجل النفط والسيطرة الأمنية وحسم الصراع الثقافي وإعادة رسم الخرائط السياسية والأيديولوجية وإعادة النظر جذريا في العلاقات الدولية للمرحلة الممتدة من الحرب العالمية الثانية إلى الوقت الحاضر ، بالإضافة إلى تثبيت أقدام إسرائيل في الشرق الأوسط ليس فقط كدولة إنما كلاعب رئيس في تقرير شؤون المنطقة برمتها ..هذه هي باختصار شديد أهداف الولايات المتحدة من غزو العراق والتي عبر عنها الخطاب السياسي الأمريكي كما سنلاحظ ذلك في سياق الحديث ..
من هنا فان هذه الحرب ليست فقط منازلة بين الجيوش ، إنما هي منازلة استراتيجية لها تفرعات وتداعيات تمس جميع مظاهر الواقع العربي والإقليمي والدولي بكل هيكليا ته المتداخلة والمتبادلة التأثير ..
لقد كُتب عن هذا الموضوع مقالات ودراسات وكتب غربية كثيرة عكست حقيقة أهداف الحرب الأمريكية على العراق وأشارت هذه المصادر إلى ابرز هذه الأهداف وهي احتلال هذا البلد وإسقاط نظامه وما ترتب على ذلك من تدمير لمؤسسات الدولة فيه ومرافقها كافة والعبث في وثائقها أو حرقها وحل الجيش ومؤسسات الأمن الوطني والتأسيس لنظام حكم طائفي وإشاعة الفوضى في البلاد وحرمانها من الأمن والاستقرار لفترة طويلة وسرقة ثرواتها عبر مشاريع وهمية أو غير منتجة وخلق الأجواء لانتشار الفساد الإداري والترويج لتجارة القتل والحرق والسلب والتخريب والمخدرات ... إلى غيرها من الأعمال التي تصب كلها في هدف استراتيجي مركزي هو إنهاء الدولة العراقية ومحاولة قتل الروح الوطنية والقومية لدى أبنائها وإعادة بنائها وتأسيسها من جديد على أسس مغايرة لما تربى عليه العراقيون الشرفاء أصحاب التاريخ والحضارة من قيم وطنية وعربية وإسلامية نبيلة ، وذلك من اجل خلق جيل جديد يؤمن بالمباديء والقيم الغربية المؤسسة على الفكر الصهيوني والماسوني ويقبل بالتعايش مع إسرائيل كأمر واقع ومفروض ..
ولأغراض بحثنا هذا سنشير إلى ثلاث دراسات أمريكية ، على سبيل المثال لا الحصر ، تناولتا مسألة التعامل مع حرب العراق : أسبابها ، خلفياتها ، أهدافها ودوافعها الاستراتيجية ..
الدراسة الأولى أعدها ( تشارلز ويليام مينز ) رئيس تحرير مجلة السياسة الخارجية الأمريكية والثانية أعدها الدكتور ( جون شتاينبر ) مدير معهد ( بروكنكز ) لدراسات السياسة الخارجية ، والدراسة الثالثة أعدها ونشرها ( هنري كيسنجر ) عام 1992 ..
عنوان الدراسة الأولى ( عنوان رئيسي في واشنطن : هل الحرب ضرورية ) والثانية تحت عنوان ( نتائج فرض النظام العالمي الجديد وفق جدول زمني محدد ) ..ويؤكد مضمون الدراستين أن إعلان الرئيس بوش الحرب على العراق لم يكن نتاجا مباشرا لأحداث أيلول / سبتمبر ، كما يذهب إلى ذلك بعض المحللين الاستراتيجيين ، إنما هي مشروع خطط له قبل الحرب على العرق عام 1991 بعشر سنوات ..
فالحرب على العراق عام 2003 تم برمجتها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط التوازن الدولي الهش مباشرة ..في هذه الفترة بالذات اقتنعت أمريكا بان السياسة التقليدية المؤسسة على الاحتواء والردع لم يعد معمولا بها ، فاستبدلتها بسياسة الهجوم والضربات الاستباقية ، وحسب الدراستين ، فان الأسلوب الأمريكي الجديد هو خرق الشرعية الدولية ، فبعد الانتهاء من حرب عام 1991 قامت الولايات المتحدة بعقد مؤتمر مدريد لحل القضية الفلسطينية على مضض ، وبتكتيك لامتصاص غضب الشارع العربي ولمكافأة الأنظمة العربية التي تحالفت معها عسكريا وإنقاذها ، ولكن هذا العرس المغشوش سرعان ما تم تدميره وذلك باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين قبل أن يوقع أي اتفاق سلمي جدي .. ولقد اتبعت أمريكا سيناريو الخطوة خطوة ، وذلك بعدم إدراج قضية الجولان السوري أو الجنوب اللبناني ضمن الحل الوهمي الذي لوحت به ، وتستمر الأحداث التي لن نخوض فيها هنا لكننا نقول أن هذا السيناريو قد سحب البساط من الدول العربية التي تحالفت عسكريا مع أمريكا ضد العراق وجعلت المكافأة التي لوحت بها من قبل مجرد سراب ووهم ..
وعلى الصعيد نفسه عملت الإدارة الأمريكية على تطبيق تكتيك جديد من اجل إعداد الخطط لاحتلال العرق ، تمثل بفرض مناطق الحظر الجوي في شمال العراق وجنوبه وفرض حصار ظالم لم يشهد له التاريخ مثيلا ضد الشعب العراقي وبمباركة هؤلاء الزعماء العرب الذين سيحاسبهم الله والتاريخ على فعلتهم هذه ، لان ما أسفر عنه هذا الحصار الأشد إيلاما وقسوة في التاريخ هو موت وتشريد الملايين من أبناء هذا الشعب المجاهد الذي لم يبخل يوما في تقديم الغالي والنفيس من اجل أمته ، وترافق هذا مع تطبيق استراتيجية الضربات العسكرية المستمرة واستخدام اليورانيوم المنضب ( المستنفد) ضد الأهداف الحيوية العراقية والسكان المدنيين على حد سواء لإحداث خسائر كبيرة بين المواطنين وتلويث البيئة العراقية بالإشعاعات النووية الناتجة عن استخدام هذه الأسلحة ..
فقد قامت الولايات المتحدة والدول الحليفة باستخدام اليورانيوم المنضب المحرمة دوليا بكميات كبيرة خلال حربي 1991 و2003 ضد العراق مما نتج عنه تأثيرات خطيرة على الواقع الصحي والبيئي في العراق تسبب في موت الآلاف وإصابة عشرات الآلاف منهم بأمراض خطيرة كالسرطانات والتشوهات الخلقية والإجهاض المتكرر عند النساء وغيرها من الأمراض التي سيظل يعاني منها العراقيون لعشرات السنين القادمة ..
وترى هاتان الدراستان أن هذا الاحتواء لم يسفر عن حدوث مجاعات أو ثورة شعبية أو عصيان مدني ، الأمر الذي جعل الأمريكيون يطورون خططهم لاحتلال العراق مع الإبقاء على سياسة الاحتواء ، وجاءت أحداث أيلول ، التي تشير مصادر مطلعة أن الإدارة الأمريكية على علم بها أو بجانب منها ، كي تتخذ منها ذريعة لإيهام العالم ، والشعب الأمريكي خاصة ، بوجود علاقة بين العراق وتنظيم القاعدة ، ثم برز الادعاء بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل التي أثبتت الأحداث وعمليات المفتشين الدوليين بالعراق كذب هذا الادعاء وبطلانه ..
وهنا نتوقف قليلا لنشير إلى أن هذه التطورات التمهيدية للحرب على العراق واحتلاله شهدت موافقة معظم الأنظمة العربية أيضا على مبدأ تجريد العراق من أسلحته الاستراتيجية بالكامل ولم تشترط أن يتم ذلك على الأقل بالتزامن مع نزع أسلحة إسرائيل الاستراتيجية كحل شامل لسباق التسلح في المنطقة وإخلائها من جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل ، وإقرار الدولة الفلسطينية وفق حدود ما قبل حرب 1967 وإخراج القوات الإسرائيلية من مرتفعات الجولان ومن جنوب لبنان وفي إطار جدول زمني محدد وشامل ووفقا للشرعية الدولية والأمم المتحدة .. لقد كان الموقف العربي المتردد وراء عدم حسم هذه المعضلات الحيوية وبالتالي لا بد من القول أن أمريكا قد نجحت فعلا في جعل الأنظمة العربية تستبدل المصير المشترك الممهد بالوعود الجزئية التي ليست من صلب القضية الكبرى للعالم العربي الإسلامي ، وهكذا تم تحييد إسرائيل وإخراجها من لعبة تدمير أسلحتها التدميرية الشاملة .. تلك هي باختصار الإخفاقات العربية التي أدت إلى وقوع الحرب على العراق دون شرعية دولية ..فالأنظمة العربية مقتنعة تماما أن أمريكا لها مخططات اكبر من تغيير النظام في العراق أو البحث عن أسلحته ، ولكنها رغم ذلك نجدها تتفرج على هذه التحولات الخطيرة التي ستطالها في يوم من الأيام طال الوقت أم قصر لكننا ندعو لله أن يحفظ شعوبنا العربية والإسلامية من كيدهم وخططهم ..
وهنا نشير إلى ما جاء في دراسة ( تشارلز ويليام ما ينز ) الذي يؤكد بان الإدارات الأمريكية ومخططي استراتيجياتها لا يخفون أبدا إطماعهم النفطية في الشرق الأوسط ، كما أن أمريكا لا تفشي سرا بان النظام الدولي الذي تريد تأسيسه مشروط بالهجوم العسكري على أي نظام يختلف معها في المسائل المتعلقة بمصالحها ، وتستبعد اللجوء إلى الحوار في إطار المؤسسات القانونية والسياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية ..
الحرب من أجل إسرائيل
وفي عنوان فرعي من دراسته هو ( الحرب من اجل إسرائيل ) ابرز ( ماينز ) ما يأتي :
يمثل امن إسرائيل احد الأسباب الرئيسية للحرب ، إذ اتخذ عدد من أنصار إسرائيل الأقوياء في الولايات المتحدة قرارا باستغلال ألازمة لتعزيز الأمن الإسرائيلي ، ومنذ بدء تطبيق سياسة الحصار على العراق عام 1990 عارض هؤلاء سياسة العقوبات الاقتصادية ، لأنهم كانوا يرون أن أقصى ما يمكن أن تحققه على المدى القريب هو تحرير الكويت ، حسب الدراسة التي تشير إلى أن هؤلاء أصروا على أن تواصل الولايات المتحدة سياسة الاحتواء وعدم رفع الحصار حتى بعد انتهاء الحرب عام 1991 دون أن تحقق الأهداف التي كانوا يتوخونها وهي تدمير العراق بشكل كامل وإسقاط نظامه ، وهكذا يتأكد لنا بان الحرب على العراق عام 2003 وتدميره كانت بتشجيع ودعم اللوبي الصهيوني في أمريكا حتى قبل دخول العراق الى الكويت عام 1990 ، وهذا يعني أن مشكلة الكويت لم تكن سوى مسوغا وفرصة أما المخططات فكانت جاهزة منذ سنوات تنتظر التنفيذ العملي وعلى أساس أن إدارة الرئيس بوش قد قبلت مشروع اللوبي الصهيوني ، وهو استبدال الحصار الاقتصادي بالحرب المباشرة ..
أما دراسة ( جون د. شتانبر ) فهي تقييم لنتائج ما أسمته بحرب الخليج الثانية أو ( عاصفة الصحراء ) ..
أما الدراسة الثالثة التي أعدها ( كيسنجر ) ونشرها في (نيويورك تايمز ) عام 1992 ، فهي توضح البعد الاستراتيجي للخطاب الأمريكي في تعامله مع مسألة احتلال العراق ، فقد ذكر ( كيسنجر ) أن حربي الخليج الأولى ( الحرب العراقية الإيرانية ) والثانية ( العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991 ) لم تحققان اهد افهما الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة ، لذلك دعا صراحة إلى شن حرب ثالثة على العراق تحقق فيها الولايات المتحدة أهدافها التي ذكرها وهي :
إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد كي تتلاءم مع المصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة وتحقيق أمنها القومي على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال احتلال العراق بالكامل وإسقاط نظامه والسيطرة على نفطه ونفوط المنطقة وحماية امن إسرائيل ، وهذا يتطلب ، حسب رؤيته ، إقامة نظام ليبرالي في العراق يؤْمن بما اسماها القيم الديمقراطية الغربية ..
تقسيم العراق
ولو عدنا إلى مسالة تقسيم العراق في الخطاب الأمريكي لوجدنا أن ما تقوم به قوات الاحتلال حاليا هو جزء من استراتيجية تقسيم العراق وتفتيته ، فالمعروف أن العراق كان في السابق دولة منفتحة يتعايش مواطنها بإخوة ومحبة دون تمييز أو تفريق سواء على الصعيد الجماهيري أو على المستوى الرسمي والوظائف الحكومية التي شاركت فيها نخب متعددة تمثل جميع أطياف الشعب العراقي حتى على مستوى القيادات العليا والوسطى سواء أكانت مدنية أو عسكرية أو تابعة لمؤسسات الأمن الوطني ونحن نتحدى من يقول غير ذلك كما كان الناس يتعايشون في أحياء مشتركة تضم السنة والشيعة والكرد والمسيحيين والصابئة واليزيديين وغيرهم تجمعهم محبة العراق والوحدة الوطنية الصميمية وكانوا يتزاوجون فيما بينهم ويتعايشون مع بعضهم لا يفرقهم مفرّق مهما كان عصيبا ، أما ألان فان العراق يمزقه العنف وتمزقه سياسة التمييز والتفرقة التي تعتبر من ابرز افرازات الاحتلال ، ويحذر تقرير جديد من الخبير في الشؤون العراقية ( جوست هيلترمان ) أعده لمجموعة ألازمات الدولية ، وهي منظمة بحثية مقرها بروكسيل ، من أن على الولايات المتحدة أن تستعد لمواجهة احتمال تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء أو أكثر بسبب العنف الذي كان نتيجة مباشرة للاحتلال الأمريكي ، ويرد مسئول أمريكي ، لم يكشف عن اسمه ، أن الولايات المتحدة ليست في حاجة إلى تحذير من وقوع هذه الكارثة ، فهي التي تسعى إليها للقضاء نهائيا على ما تبقى من دولة العراق الموحدة القوية .. وآخر ما طالعنا في هذا المجال هو قرار مجلس الشيوخ حول تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طائفية : كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب ودعوات لتقسيم العراق إلى أقاليم في الوسط والجنوب الى غيرها من المشاريع المشبوهة كقانون النفط والغاز الجديد الذي نظم على أساس توزيع الأرباح حسب النسب السكانية لكل إقليم أو منطقة منتجة للنفط حيث لا تتعدى الأرباح المتبقية للحكومة المركزية الثلاثين بالمائة من المجموع الكلي للأرباح العائدة من بيع النفط العراقي ....
ويعترف احد المسئولين في الخارجية الأمريكية ، بان واشنطن قد شنت الحرب على العراق لأنه يشكل إزعاجا لإسرائيل ، ويؤكد هذا المسئول : ( أن الضمانة الوحيدة لإزالة عنصر الإزعاج هو الإجهاز على الدولة العراقية وتحويلها إلى كيانات طائفية متصارعة تستنزف طاقة بعضها البعض ولا تمثل مصدر قلق لدينا ) ..
ويقول مستشار آخر للإدارة الأمريكية انه كان يحث الولايات المتحدة على تشجيع عملية تقسيم العراق ..
عبد الوهاب محمد الجبوري
عضو منتديات المعهد العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.