"محمود بكر" هو أشهر المعلقين المصريين على الإطلاق وأكثرهم شعبية، حضوره الطاغي أمام الميكروفون وصوته المميز وخفة ظله الشديدة ومصطلحاته التي لا يستطيع أحد تقليدها، جعلت منه محبوب الجماهير، ودائما ما يضيف متعة إلى المباريات التي يعلق عليها، وهذا بالطبع إلى جانب قدرته الفائقة على قراءة وتحليل المباريات. محمود بكر هو ضابط سابق في القوات المسلحة المصرية، وكان أحد نجوم النادي الأوليمبي السكندري في عصره الذهبي، حصل مع ناديه على بطولة الدوري التاريخية والوحيدة لنادي من الإسكندرية، وشارك مع ناديه في بطولة إفريقيا كأول نادي مصري ينال هذا الشرف، ولكن ظروف الحرب أجبرته هو وزملاؤه على عدم الاستمرار بعد وصولهم لربع النهائي. وبعد ذلك ترأس النادي الأوليمبي في حقبة التسعينيات كما أنه كان عضوا بعد ذلك في اتحاد الكرة المصري، إلا أنه قرر في النهاية التفرغ للتعليق ليكون شيخ المعلقين المصريين، وحل ضيفا على "البديل" وفتح قلبه لجماهيره، وتحدث عن كثير الأمور الرياضية والسياسية التي تشغل بال المصريين في الوقت الراهن، وعلى رأسها مباراة مصر ضد غانا المرتقبة، في ذهاب الجولة الحاسمة لتصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم 2014، مساء الثلاثاء أول أيام عيد الأضحى المبارك. وإليكم نص الحوار… . هل ترى أن مباراة مصر وغانا في هذا التوقيت قد تكون عاملا مساعدا لتوحيد الشعب المصري المنقسم على نفسه؟ أرى أن مباراة غانا في هذا التوقيت هي هدية من الله للمصريين، وأنها كفيلة لكي تعيد الجميع للمتابعة ورفع علم مصر مثلما كان سابقا، وهذه المباراة مثل بعض الأمور الأخرى التي أرسلها الله على مصر منذ 25 يناير وحتى اليوم، من أجل حمايتها وإنقاذها في الوقت المناسب. وأعتقد أن هناك بعض الإشارات التي تؤكد هذا الرأي من بينها أن الفريق وقع بمجموعة سهلة في المرحلة الأولى، ونجح في تحقيق سلسلة انتصارات برغم توقف النشاط المحلي، إلى جانب أنه برغم تواجده بالمستوى الثاني وضعت القرعة مباراة العودة والحسم بمصر، بالإضافة لبعض الإصابات في صفوف المنتخب الغاني. وهذا إلى جانب أن مصر طوال تاريخها تجيد اللعب أمام الفرق الإفريقية، وما يمتلكه اللاعب المصري من ذكاء يساعده على تخطي فارق القوة واللياقة لصالح لاعبي القارة السمراء. . ألا تخشى أن تخرج فئة من المصريين عن الصف وتسعى لإفساد هذا الحدث.. كما نرى طوال الفترة الماضية رغبة البعض في محاولة إثارة القلاقل وإفساد أي مناسبة تسعد المصريين؟ لا أعتقد ذلك، لأن الجميع باختلاف ميولهم يسعون إلى النجاح والسعادة، وقد مررنا خلال عام مضى بأيام عصيبة فقد فيها الجميع طعم ومتعة أي شيء، ما يجعل هناك تعطش للفرحة والانتصارات. . هناك اتجاه ملحوظ في الآونة الأخيرة لدى قطاع عريض من الشعب بالتقليل من قيمة الرياضة والأحداث الرياضية.. ما السبب الحقيقي الذي تراه وراء ذلك؟ لا اعتقد أن الأمر مرتبط بالسياسة بشكل خاص، ولكننا لاحظنا في الفترة الماضية وعقب اختطاف ثورة يناير، أن هناك محاولة واضحة لنشر ثقافة الهمجية في المجتمع، وتدمير البلاد بشكل ممنهج عن طريق تدمير جهاز الشرطة، ولا يمكن للرياضة أن تمارس دون تأمين. ليس هذا وحسب ولكن لأن الرياضة تجمع الناس وتدخل السعادة إلى النفوس فكان هناك رغبة واضحة في تدميرها، ولكن مع عودة الأمور إلى طبيعتها ستستعيد الرياضة مكانتها المستحقة، ومباراة غانا الثانية في القاهرة ستحدث تجمع جماهيري جيد، سيعيد فتح أبواب الملاعب المصرية، ويوصل رسالة العالم بأن الأمور في مصر تسير نحو الطريق الصحيح. . ننتقل إلى الجانب الفني.. كثيرا ما مدحت "برادلي" هل تراه بالفعل مدربا مميزا وقادرا على تحقيق أحلام المصريين؟ لم أمدح برادلي دائما ولكني كثير ما انتقدت أسلوبه في إدارة المباراة وعدم تحفيز اللاعبين داخل الملعب، ولكني دائما ما أثني على شخصيته وتحمله لأمور لا يتحملها أحد، فقد جاء ليجد بطولة محلية متوقفة وأزمات سياسية طاحنة، ظروف عصيبة، ومع ذلك أصر على الاستمرار وتحدى كل تلك الظروف وهو أمر يستحق الإشادة والتقدير. . ولكن هناك دائما علامات استفهام حول خياراته التي تفتقد في كثير من الأحيان للمنطق، وعدم العدالة… من المستحيل الحكم على مستواه وخياراته في ظل الظروف التي يعاني منها، فلا يوجد مسابقة محلية وهي الأساس للحكم على اللاعبين، كما أن الخيارات المتاحة أمامه قليلة ويحاول من خلالها صناعة توليفة تحقق المطلوب. . إذا فكيف تفسر ضمه للاعبين مثل حسني عبد ربه وجدو وهما عائدان من إصابة ولم يلعبا منذ فترة طويلة للغاية.. أوافقه في الرأي لأن اللاعبين المتاحين لديه قليلين، والعناصر التي ذكرتها تمثل قوة لأي فريق وعليه استغلالها طالما لا يتوافر البديل، كما أن هؤلاء اللاعبين وحتى لو لم يمتلكا اللياقة البدنية الكاملة، لديهم من الخبرات السابقة والمهارات والذكاء والمواجهات السابقة أمام غانا ما يعوض هذه الأمور. . أحمد حسن وزيدان لهما نفس الظروف ومع ذلك تجاهلهما.. الوضع مختلف بالنسبة لزيدان، لأن إصابته غامضة وهو بعيد تماما عن الصورة، ولكن هناك استعداد لدى اللاعب للتواجد، لكنت أرشحه كأول المتواجدين بالقائمة. . تألق بعض اللاعبين مع أنديتهم وانخفاض مستواهم مع المنتخب، يتحملها اللاعب أم الجهاز الفني الذي لم يستطع الاستفادة منه؟ هناك بعض اللاعبين اعتادوا على أسلوب أداء معين مع أنديتهم، ومع الجماهيرية التي يتملكونها لا يستطيع المدرب تغيير هذا الأسلوب، أما في المنتخب فيكون الوضع مختلف لأن المدرب يحتاج للاعب الجاهز، والقادر على خدمة الأسلوب الجماعي، ويحاول مدربو المنتخبات استخدام الأسماء القادرة على تنفيذ الفكر الجماعي، أما اللاعبين أصحاب الطابع الفردي فيكون لهم توقيت معين للدفع بهم. وهذه الظاهرة منتشرة في جميع أنحاء العالم، بتواجد لاعبين متألقين بشكل كبير مع أنديتهم ولديهم شعبية جارفة، ولكنها لا تقدم نفس المستوى والأداء مع المنتخب. . ألم يكن استقرار برادلي على الأسماء التي سيعتمد عليه وإقامة معسكر خارجي استعدادا للمباراة؟ الأمر كان صعبا بالنسبة له لأن القوام الرئيسي لفريقه غير موجود لانشغاله مع الأهلي بمباراة القطن، ولكن المشكلة الحقيقية التي تواجهه هي الإعلام، الذي ترك هذا الفريق طوال الفترة الماضية، والآن بات الكل يتربص ويتساءل وينتقد، وهذا أمر غير صحيح وعلى الإعلام المساندة والمؤازرة. . ولكن الضغط الإعلامي والمساندة الزائدة جاءت بنتيجة عكسية في 2010 الخسارة من الجزائر في أم درمان بالتصفيات الماضية كانت عقاب إلهي، لأنها لم تكن مباراة كرة قدم، فكان الزخم والتسليط الإعلامي كله على تلك المباراة لتكون بوابة جمال مبارك لقصر الرئاسة، فجاء هذا العقاب المستحق لإفشال هذا السيناريو. فقد ذهبت للسودان ولم أشاهد شيء له علاقة بكرة القدم، حيث كانت مظاهرة سياسية بدون سبب أو مبرر، وشاهدت هناك أشخاصا لا تبحث عن شيء سوى مصالحها الشخصية، وقام الإعلام المصري بتضخيم الأمور فكانت هذه النتيجة. . ما الفارق بين هذا المنتخب ومنتخب حسن شحاتة؟ فريق حسن شحاتة كان أكثر استقرارا ووجد من الدعم ما لم يتوافر لهؤلاء، كما أن انتظام المسابقة كان عاملا آخر للمساعدة. وبالفعل فقد قدم شحاتة أداء مميز على مدار سنوات، ولكن الأمور هربت من يديه في مباراة الجزائر، وأخطأ وكانت كل العوامل تؤدي للخسارة، بالإضافة إلى أن الرغبة والتركيز والروح القتالية كانت أعلى لدى الجانب الجزائري، ومن ثم فأنا أطالب المسئولين في الوقت الحالي على المستويين الفني والإداري على شحذ همم اللاعبين وزيادة الطاقة القتالية لتعويض النقص في الجوانب الفنية. . هل ترى أن هذا الإعداد لائق بفريق يريد التأهل للمونديال؟ من الظلم الشديد المقارنة بين المنتخب الآن وفترة حسن شحاتة أو الجوهري رحمه الله، والتي كانت كل مطالبهم مجابة، أما الآن وفي هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد بشكل فلا نملك سوى الدعاء له ورفع القبعة، والآن الأمر بات خارج الكلام الفني والتكتيكي وليس له علاقة سوى بالقتال، والقتال فقط سيضعنا في المونديال. . لو كنت مكان برادلي ما هي الطريقة كنت ستلعب بها؟ لابد اللعب في مباراة الذهاب بأسلوب متزن، فالجميع يعرف أن المشكلة الكبرى في الفريق المصري هي عمق الدفاع، هنا ستظهر إمكانيات الرجل وقدرته على تأمين هذا الجانب، وأعتبر أن مباراة غانا هي الاختبار الحقيقي الذي سيظهره، ولكن بشكل عام فالتأمين والعودة من غانا بأقل الخسائر هو الهدف الأول، ويا حبذا لو تمكن من خطف هدف هناك. . متفائل؟ لا نملك سوى التفاؤل، فالمنتخب يذكرني بالطالب الذي لم يكن يهتم به أحد، وفجأة حصل على مجموع كبير لدخول الجامعة التي نريد، فعلينا حاليا أن نتركه يقرر مصيره، وندعو له فقط. . وماذا عن البلد بشكل عام.. متفائل أيضا؟ بالتأكيد لابد أن أكون متفائلا، فمصر كانت تسير في طريق الله وحده أعلم على ماذا كان سينتهي، وجاءت عدالة السماء على يد الفريق السيسي الذي أوقف هذا المشروع الخطير، لتبدأ البلد في طريق العودة إلى وضعها الطبيعي، وعلينا جميعا تعلم الدرس. . ولكن هناك قطاع ليس بقليل داخل المجتمع يقف في طريق عودة البلد لطبيعتها التي تتحدث عنها.. أود التركيز في هذه النقطة تحديدا على العشوائيات والتي يتحمل وجودها تماما الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي ترك هذه المناطق بدون مأوى ومأكل وملبس ومشرب، واستغلتها التيارات الإسلامية بشكل ذكي، ولعبت على وتر غياب الانتماء لدى الكثيرون من هؤلاء الذين لم يروا شيء من البلد يستحق الانتماء لها، وهذه هي النتيجة التي نراها الآن. ولذلك فإنني أطالب جميع المسئولين بالنزول وعمل كل قطاعات الدولة معا من أجل حل هذه المشكلة الصعبة، وتوفير حياة آدمية لهؤلاء الناس، لأنه مهما كان هناك من محاولات للإصلاح في كافة المجالات، فلن تنصلح الأمور في مصر إلا بحل مشكلة العشوائيات التي باتت سببا في كل القلاقل التي تشهدها مصر. . هل ترى الأصلح لمصر في الفترة المقبلة رئيس مدني أم عسكري؟ الأمور لا تقاس بهذه الطريقة، ولكن هناك معايير أخرى وأولها هل هناك شخصية مدنية قوية وقادرة على القيادة في تلك الظروف أم لا، وهل كل شخص ينتمي للمؤسسة العسكرية يرشح نفسه فهذا يعني عسكرة الدولة. الأهم هو تواجد شخص لديه القدرة على قيادة البلد إلى بر الأمان، والأمر غير مرتبط بمسمى الديمقراطية فقط، فالغرب صدر لنا فكرة خطأ عن الديمقراطية بأنها صناديق اقتراع فقط، ولكن أين باقي العوامل والبيئة التي يجب أن تكون متوافرة لتنفيذها. وهذا الأمر يذكرني بالفيفا التي فرضت علينا تطبيق نظام الاحتراف دون امتلاكنا للأندية والموارد وكل العوامل الأخرى المرتبطة بالنظام الاحترافي، فلم يستفد من تطبيقه سوى لاعبين أصبحت أسعارهم بالملايين، دون أن تتقدم الكرة في مصر خطوة واحدة للأمام.