قال الفريق عبد المنعم واصل، قائد الجيش الثالث الميداني في حرب أكتوبر: «على العرب مهما كانت علاقاتهم بإسرائيل قد اتخذت شكلًا أو آخر من أشكال السلام، أن يكونوا على يقين من أن هناك وقتًا سنحتاج فيه جميعًا إلى المواجهة العسكرية، هذا إذا أردنا، فإن لم نرد فستستمر المنطقة في حالة العربدة الإسرائيلية المتعمدة على تقييد بعض دول المنطقة بالمعاهدات والتعهدات والعلاقات.. ألخ، للانفراد بالشعب الفلسطيني». هكذا بدأ «واصل» يمهد لنهاية مذكراته عن نصر أكتوبر، المنشورة عن مكتبة الشروق الدولية، عام 2002، بعنوان «الصراع العربي الإسرائيلي»، وجاءت في 411 صفحة، وتضمنت 5 أبواب، بدأها بالحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي (النشأة، مسرح الحروب)، وفي الباب الثاني تناول حرب فلسطين 1948 (الموقف السياسي والعسكري في مصر والدول العربية، أحداث الحرب)، وقدم بالتفصيل في الباب الثالث حرب العدوان الثلاثي (التحول الثوري بقيادة جمال عبد الناصر، الموقف السياسي والعسكري قبل بداية الحرب، أحداث حرب العدوان الثلاثي على مصر)، وخصص الباب الرابع لحرب 5 يونيو 1967. أما الباب الخامس والأخير، فجاء ليحكي فيه عن حرب أكتوبر 1973، ليبدأ بشرح الطريق من الهزيمة إلى النصر، ومراحل النهوض من الكبوة، والصمود والدفاع النشط، والإعداد للتحول للعمليات الهجومية، وعن العبور العظيم تحدث بدايةً من القرار واقتحام القناة والاستيلاء على خط برليف، والسيطرة على خليج السويس، والتطوير في اتجاه الممرات الجبلية. كما خصص لثغرة الدفرسوار أو الضربة المضادة الإسرائيلية، والتحول في مسار الحرب، وحتى القتال ضد العدو غرب القناة وقرار وقف القتال، فصلين في ذات الباب، ليختتم مذكراته بالدروس المستفادة، ومجموعة كبيرة من الخرائط والصور الخاصة منذ بداية الصراع وحتى نصر 73. تقرأ «البديل» عليكم من مذكرات قائد الجيش الثالث الميداني في حرب أكتوبر، وبخاصةً الجزء المرتبط بالعبور والاستعداد له، احتفالًا بمرور 40 عامًا على النصر، بعد أن أعاد المؤلف القائد ترتيب واستكمال وصياغة مذكراته وأفكاره، بمساعدة اللواء متقاعد أحمد رأفت حلمي، لكي يقدم سجلًا شبه متكاملًا عن العمليات العسكرية بصفة خاصة، والصراع العربي الإسرائيلي بشكل أعم. اعتاد «واصل» في الأبواب الأولى أن يستهل حديثه عن كل مرحلة من مراحل الصراع بعرض تحليلي للظروف السياسية والعسكرية التي سبقت المرحلة، وتطور الموقف وتأثيره على طبيعة الحرب، لكنه لم يتبع نفس الأسلوب في الحديث عن حرب أكتوبر 73؛ لأنه اعتبرها استكمالًا لعمليات حرب يونيو 67، بالإضافة إلى حماسه الشخصي، واستعادة ثقته بنفسه بعد الهزيمة. «الحرب بكره»، هكذا جاء قرار الحرب، فأبلغ القائد هيئة عمليات القوات المسلحة صباح يوم 5 أكتوبر 1973، بتمام استعداد الجيش الثالث للقتال، ثم كتب كلمته إلى رجاله: «من اللواء عبد المنعم واصل/ أبنائي الشجعان، محاربي الجيش الثالث الميداني، أمامكم القناة، قناتكم، وها أنتم تسمعون أمواجها، وهناك على الضفة الشرقية أرض سلبها عدوكم، والآن حان اليوم والوقت لاستعادتها وتطهيرها. أيها الرجال حانت ساعة الجهاد، خذوا سلاحكم بقوة، واعتمدوا على الله وثقوا في بركته، ولا تشعروا بالشفقة والرحمة تجاه أعدائكم، اأروا لآلام شعبكم وعذابه، اثأروا للشهداء الأبرار. واليوم علينا أن نقتحم القناة، نجاح عبورها يتوقف على كل محارب حسب قدر إيمانه وتنظيمه وطاعته. كونوا شجعانًا، واستخدموا حيلتكم، وتصرفوا كما ينبغي، عليكم أن تنطلقوا بكل القوة والشجاعة إلى سيناء المقدسة». وتتلخص مهمة الجيش الثالث الميداني، بالتعاون مع الجيش الثاني الميداني، والقوات الجوية، والدفاع الجوي، بالاقتحام المدبر لقناة السويس قبل آخر ضوء يوم 6 أكتوبر؛ لتدمير قوات العدو على الضفة الشرقية للقناة، وصد وتدمير هجماته المضادة، والاستيلاء على رأس كوبري الجيش من منطقة الشط حتى جنوب البحيرات، وأن يكون الجيش مستعدًا لتطوير الهجوم في اتجاه الشرق. تم دفع القوارب المطاطية خلف الساتر الترابي مباشرةً، وباستخدام أدوات النفخ تم تجهيز 14 ثاربًا لكل سرية مشاة، وذلك ليلة 5/6 أكتوبر، وفي الساعة 1400 بدأ القوات الجوية ضربتها المركزة ضد مراكز قيادات وسيطرة العدو ومناطق تجمعه، ومرابض نيران المدفعية والمطارات في العمق. وقال مستر هارت، أحد المراسلين الحربيين، بحسب كاتبنا: «إن ما رأيته بعيني قد أصابني بالذهول، الجنود المصيون يتدفقون على القنال، يشقون المانع المائي بمعدل مرتفع عند الطرف الجنوبي من القناة كالإعصار. هؤلاء أبناء النيل، يخترقون الساتر الترابي المرتفع بشجاعة تعرفها الأساطير التي تمجد الأبطال المحاربين، وهاهم يثبتون أقدامهم على رمال سيناء التي فقدوها من قبل، يخوضون معارك فاقت عديدًا من نوعيتها، لقد رأيت إعصارًا يتقدم تحت ساتر جديد هو عبارة الله أكبر».