رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، في مقال نُشِر لها اليوم، أن الوضع الحالي في سوريا أصبح أكثر تعقيدًا؛ لاسيمّا في ظل المحاولات التي تقوم بها الولاياتالمتحدةالأمريكية وأفراد المعارضة السورية، الذين تم نفيهم خارج البلاد لدعم الجيش السوري، من أجل زيادة نفوذ الجماعات المتطرفة التي برزت على المشهد السياسي في المناطق الخاضعة للمعارضة، وإن كانت كلها محاولات بائسة. وذكرت المجلة أنه في الرابع والعشرين من سبتمبر الماضي، قامت أكثر الجماعات الإسلامية السورية نفوذًا، متضمنة كتائب الجيش السوري الحر، بسحب البساط من المعارضة السياسية من خلال قيامها بالتوقيع على بيان مشترك أعلنت فيه أنها لا تعترف بالائتلاف الوطني، وأنها لا ترى بديلًّا عن الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، وفي التاسع والعشرين من الشهر ذاته تم إدراج نحو خمسين على الأقل من الجماعات الإسلامية العامِلة في دمشق لتكون تابعة لجيش الإسلام؛ الأمر الذي أدى لتقويض هيمنة الجيش السوري الحر في جزء من البلاد بعد أن كان يعتبر القوة الأكثر تمرّدًا في المنطقة. وفي الوقت ذاته، لفتت المجلة إلى أن المعارضة السورية عملت لعدة أشهر على تدعيم الجماعات المتمردة في دمشق ودرعا الجنوبية، في إطار الانقسامات التي يمر بها الجيش الحر عقب إعادة هيكلته بشكل واضح، كما أنه قد تم تدعيم تلك الجماعات من قِبل الولاياتالمتحدة ودول الخليج العربي؛ وخاصًة المملكة العربية السعودية التي وفّرت لهم التدريب اللازم والأسلحة، طمعًا في أن تقوم بحمايتها من أي تطرّف يمكن أن يحدث بالقرب من العاصمة. كما أن جماعة "لواء الإسلام" – التي تُعد أكثر الجماعات التابعة لجماعة جيش الإسلام نفوذًا- أصبحت تقلل من أدوار وسلطات كل من الجيش الحر والميليشيات المتطرفة أمثال "أحرار الشام" و"جبهة النُصرى". وهذه الجماعات تقوم بالتنسيق فيما بينها برعاية المجلس العسكري بدمشق، وإن كانت جماعة "أحرار الشام" كانت قد انفصلت عن المجلس بعد فترة وجيزة من انضمامها إليه وإصدارها بيان غاضِب انتقدت فيه هيمنة جماعات بعينها داخل المجلس وتهميش جماعات أخرى أكثر فاعلية. ونوّهت المجلة إلى أن الجماعات المتمردة الإسلامية ذات الميول السلفية أصبحت الأبرز في المناطق المُحرّرة، وإن كان هذا الأمر يحمل في طيّاته مِزية تتمثّل في تيسير مكافحة المتطرفين الحقيقيين المتصلين بالقاعدة؛ من أمثال جماعات "جبهة النُصرة" وبعض الدول الإسلامية؛ أمثال العراق والشام، اللذين أخذا يعيثان في الأرض فسادًا في شمال وشرق سوريا من خلال مقاتلة بعضهم البعض من جهة، ومقاتلة ومواجهة الجماعات الوسطيّة من جهةٍ أخرى؛ حيث أن الصراعات في سوريا لم تعُد من قِبل الوسطيين في مواجهة المتطرفين وإنما العكس، وبالرغم من أن التطورات المتلاحقة في سوريا تعد انتكاسة بالنسبة للجيش الحُر إلا أنها في الوقت ذاته قد ساهمت في تهميش الجماعات المتطرفة إلى حدٍ ما ولذا فهي تُعد سلاحًا ذو حدّين. ومن جانبها، رأت المجلة أن عدد الجماعات المتطرفة داخل سوريا ليس مؤشرًا دقيقًا على مقدار الدعم الذي تحظى به، كما أن الجماعات إلى تقاتل بعضها البعض ليست متجانسة من الناحية الأيديولوجية؛ فالغالبية الّعُظمى من أعضائها لا تنضم إليها اقتناعًا بتوجهها الديني أو الفكري؛ وإنما لقوتها وفعاليتها وكبفية إدارتها للمعارك والصراعات وحسب. وتستدل المجلة على هذا الأمر بأن أعضاء جماعة "أحرار الشام" في درعا يختلفون تمامًا من الناحية الأيديولوجية عن أعضاء الجماعات الدينية المتطرفة في المناطق الشمالية البدائية مثل "إإدلب وحلب". كما أشارت إلى إمكانية أن ينشق أحد أعضاء الجماعات المتشدّدة في سوريا ويتحول للانضمام لجماعة أخرى وسطية معتدلة والعكس صحيح، وبعض الجماعات مثل جماعة "صقور الشام" تضم أعضاء علمانيين وآخرين إسلاميين محاربين للتمرّد في مواجهة الاحتلال الأمريكي للعراق. وعلى سبيل المثال فإنها تضم قاضيًا سابقًا في محكمة النقض بحلب وآخر سوري علماني يمكن أن يكون لا يصلي، ولكنه يحترم الهوية الإسلامية للدولة. واختتمت المجلة مقالها بالقول أن التحوّلات السورية المتواترة لابد أن تكون بمثابة جرس إنذار للمعارضة السورية وداعميها، وتحفّزهم على التفكير في كيفية إنقاذ مستقبل سوريا، واقترحت أن يتم بناء منظمة تضم كافة التيارات الأيديولوجية والجهات الفاعلة ولا تقتصر على تيار بعينه من أجل كبح التطرّف.