صحيح أن "مصر هبة النيل" ولكن الواقع يقول أن المحليات والإهمال الحكومي هم نقمة ولعنة مصر، وأن هذه الهبة الربانية الممنوحة لهذا الشعب "لا يستحقها"، والغريب أنه منذ شهور قليلة كانت وسائل الإعلام والخبراء يصرخون على حصة مصر في مياه النيل التي ستضيع بسبب بناء إثيوبيا لسد النهضة، بل شطح خيال بعضهم لشن حرب ضارية لإبادة إثيوبيا، والمدهش عندما تعرض نفس هذا النيل بمنطقة أثر النبي "التابع لحي دار السلام للتعدي وردم أكثر من 15م عرضا منه و100 م طولا، لم نستمع لصوت أحد؟. انتقلت "البديل" إلى فرع النيل بأثر النبي بعد أن تلقت شكوى من أحد أهالي المنطقة، ثقة منه بأن الجريدة لسان حال المستضعفين، لنتعرف منهم علي المشكلة وأسبابها، في انتظار إجابة من أي مسئول بالدولة حول هذه الجريمة. قال سعيد مرتضى – موظف – أنه يقطن بمنطقة "أثر النبي" منذ عشر سنوات، ولم يشهد إهمالا وتدهورا بها كما تشهده الأيام الحالية، خاصة بعد تزايد الهجمات على فرع نهر النيل بالمنطقة، مشيرا إلى أن عمليات ردم النيل والتعدي عليه بدأت مع شهر رمضان الماضي، حيث فوجئ الأهالي بعربات نقل كبيرة محملة بالطوب الأحمر وبقايا "الرتش" الناتج عن إزالة وصيانة العقارات السكنية، وكانت في بادئ الأمر تخشى هذه العربيات التواجد إلا بعد الساعة 12 منتصف الليل، ولكن مع مرور الأيام وغياب المساءلة، استمر أصحاب هذه "القلابات الكبيرة" في المجيء في وضح النهار. أضاف علي فراج – على المعاش- أن فرع النيل بمنطقة "أثر النبي" يوصل حتى أسوان، وبدلا من الحفاظ عليه، تم ردم حوالي 15 متر به عرضا بطول 100 م، ولا أحد يبالي من الحكومة أو رئاسة حي "دار السلام"، حيث قام الأهالي بتبليغهم عشرات الشكاوي بسرعة التدخل وإنقاذ النيل ولكن لم يتحرك أحد. بينما يرى شادي علي – 30 عام – من الملاحظ أن عملية ردم النيل والتعدي عليه بهذه الشراسة ليست عشوائية، ولكنها ممنهجة، حيث تم إلقاء المخلفات الترابية على فترات، حتى تم تسوية مساحة كبيرة من حرم النهر، ومن ثم يتم استغلالها للبناء عليها، سواء عقارات سكانية، أو تحويلها إلى عشش وعشوائيات، ومن ثم يجب سرعة التدخل وإزالة كل هذه التعديات حتى لا تستقر في إفساد النهر، وأن يصبح وجود هؤلاء المافيا على أرض مجرد "أمر واقع" يصعب التعامل معه فيما بعد. فيما أكدت ثريا سيد – ربة منزل– أن عملية ردم فرع النيل هي محاولة جادة من أجل استغلاله في عمليات البناء للعقارات الجديدة، فأثر النبي منطقة حيوية وإستراتيجية، حيث يوجد الطريق الدائري فوقها ومحطة مترو الزهراء على بعد عشر دقائق منها، فضلا عن أنها تمثل الظهير لكورنيش المعادي وأبراجه الشاهقة، ومن ثم فهي فرصة للمقاولين الفاسدين لاستغلال قطعة الأرض الفضاء الناتجة عن تخريب النيل. وأضاف محمود سعيد – مدرس- أن المشكلة لا تقتصر فقط على هذا الردم الذي قامت به السيارات الضخمة، ولكن خلال هذه المدة أيضا شهد الجانب الآخر من النيل تعديات جسيمة وخطيرة، من قيام أصحاب العشش المقيمين على طرف النهر بهدم هذه العشش وتحويلها إلى عمارات سكنية تتجاوز السبعة أدوار، وقاموا في فترة غياب الرقابة من الحي بعد ثورة يناير، وخاصة في فترات انحصار النهر، بالحفر لأمتار عميقة وإلقاء أساسات للمباني. وتساءل مستنكرا كيف تسمح الدولة بمد هذه العقارات الآيلة للسقوط، بتوصيل الكهرباء والمياه لها، مشيرا إلى أن هذه العقارات يمكن أن تنهار في أي لحظة، حيث تم بناءها بعيدا عن المواصفات السليمة وفي غفلة من القانون، وتهديد مياه النيل لأساسات العقار فضلا عن انتهاك صاحبها لنهر النيل. بينما نفى كمال مسعود – عامل في صناعة بودرة طلاء العقارات – الاتهامات التي وجهها أهالي المنطقة إلى عمال هذه الصناعة، وأنهم متواطئون مع أصحاب السيارات التي تلقي المخلفات الصلبة بالنيل، مشيرا إلى انه تعرض هو وزملاؤه للموت أكثر من مرة، عندما حاولوا اعتراض طريق هؤلاء البلطجية عند منعهم من إلقاء كسر الطوب والطمي في النيل. أضاف كمال أننا كعمال نقف على هذا الجانب للنهر بمنطقة "أثر النبي" منذ عشرات السنين، فهي مهنة توارثناها أبا عن جد، ومن ثم كل هذه الأجولة معبئة بالمواد والبودرة التي نقوم بصناعتها، فهذا الشاطئ للنيل يعتبر محطة شحن وتفريغ، تأتي السيارات من جميع المحافظات لتحمل الطلبيات التي تريدها من هذا المكان، ومن ثم ليس لدينا أية مصلحة أو استفادة مع "مافيا" سرقة النيل، بل نحن نواجه ضررا في مواجهتهم بشكل يومي. قاطعه عبد المجيد زقزوق- عامل بصناعة بودرة العقارات – قائلا أنه قبل أن توجهوا إلينا الاتهامات، أين دور الدولة في تعيين غفير واحد يحرس هذه المنطقة المشهورة بإلقاء المخلفات، خاصة بعد تكررت الواقعة منذ شهور، بالإضافة إلى توجيه اللوم أيضا لشرطة المسطحات المائية التي تري هذه التعديات ولا تتدخل ولا تقوم بالقبض على سائقي هذه السيارات أو القلابات عند إلقائها شيئا في النيل. أضاف عبد المجيد أن الدليل على عدم تواطؤنا مع من يلقون المواد الصلبة بالنيل، قمنا بتأجير غفير يجلس بجوار أجولة البودرة ويحرس المنطقة، ونظرا لخوفنا على الغفير لكبر سنه من هؤلاء البلطجية الذين يأتون ومعهم أسلحة، طلبنا منه أن يسجل فقط رقم السيارة وعدم الاحتكاك بسائقي السيارات ثم نبلغ الرقم لحي "دار السلام "، ونتمنى أن تقوم الدولة بوظيفتها بدلا من تعريض حياة المواطنين للخطر. بينما تساءل شعبان حسين – مهندس- عن غياب دور وزارة البيئة عن مسئوليتها في حماية النيل، مشيرا إلى أن هذه التعديات لو وقعت لكورنيش النيل بأحد المناطق الراقية سواء المعادي أو الزمالك أو جاردن سيتي، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولكن التعدي تم على فرع نيلي بمنطقة عشوائية ومن ثم إهمالها أمرا طبيعيا. أضاف حسين اعتقدنا بعد ثورتين أنه قد حدث تغيير في طريقة عمل المحليات والأحياء، وأن يكونون أقرب جهة تحل مشكلات المواطن وهمومه، ولكن ستظل المحليات تحتاج إلى تطهير شامل للقضاء على الفساد والبيروقراطية في صنع القرار.