بانحناءة أمام تمثال عبدالناصر في مجلس الشعب، بدأ أنور السادات حكم مصر مؤكدا أنه سائر على درب الزعيم الراحل ، ومع الأيام ثبت أنه مشى عليه بممحاة ولم يشفع له انتصار أكتوبر المجيد ولقي نهاية لم يتمنها له عاقل. ومن معتقلات السادات خرج رموز الوطن إلى قصر الرئاسة للقاء الرئيس الجديد ، وقتها، حسني مبارك، وبدا أن مرحلة جديدة تبدأ في مصر زاد التفاؤل بها حين أعلن مبارك أن الكفن بلا جيوب. ومضت المياه تحت الجسور وظهرت “الهانم” وابناها من خلفية المشهد إلى صدارته بشكل أطاح ببطله الأصلي حتى نال من شعبه لقب “المخلوع”، ولو كره الكارهون. ومن معتقل بحجم مصر، خرج المصريون إلى ميادين التحرير ليرجموا مبارك بغضبهم الذي كتموه طويلا ، وكان في الاستقبال رموز الجيش المصري المقرون في العقول والقلوب بمحبة واحترام لا تنعم بهما مؤسسة أخرى في مصر. وكما مسح مبارك إهانة رموز مصر التي زج بها السادات في المعتقلات، ظهر شخص آخر بعد 30 عاما ليلعب الدور نفسه، لكن في ميدان التحرير وليس في قصر الرئاسة. كانت اليد الأولى التي تمسح عرق الثوار وتطهر جراحهم يد اللواء حسن الرويني، قائد المنطقة المركزية، الذي كان، كمعظم رفاقه، متواريا خلف هالة الجيش وغموض عالمه . هل كان هذا الظهور “الرومانسي” بداية صنع زعيم جديد؟ لعل السؤال مفاجئ أو صادم أو مجنون، أيها يصح، لكني أرى في الأفق ملامح نظام حكم يتشكل في قلبه يقف الرويني الذي كان أسبق زملائه في المجلس العسكري إلى النجومية . أو ليس الرجل بطل قضية كنيسة أطفيح التي أعلن بعد الاعتداء عليها أنها ستبنى في مكانها القديم وفي زمن قياسي بل وقال إنه مستعد لدفع حياته ثمنا لذلك. وقتها، كان اللواء إسماعيل عتمان يتراجع رويدا رويدا إلى الخلفية بعدما نال محبة شعبية وهو يقرأ بيانات أولى للمجلس العسكري، وظهر اللواء محسن الفنجري في الصورة لينسي الناس من سبقه بتحيته التاريخية لشهداء الثورة. وبجوار عتمان والفنجري، بدأت أسماء أخرى في التداول مثل اللواءات ممدوح شاهين ومحمد العصار وصبحي صدقي، لكن أحدا لم يزح الفنجري من منصة الجماهيرية خلال الشهور الماضية حتى كان فخ البيان الحربي الذي أظهر فيه عينا حمراء وكاد يفقأ العيون عبر الشاشات بإصبعه. وظهر الرويني ليستأنف مداخلات تليفونية مع القنوات الفضائية كان بدأها بعد أيام من الثورة، وكما مسح عرق الثوار ودماءهم في البداية، حاول مسح آثار تهديدات الفنجري وبررها بخوف المجلس العسكري من تحركات رآها تهدد مصر. ولم تمض أيام حتى ظهر الرويني مجددا ، لكن في ظروف جديدة، إذ بدأت محاولة صنع ميدان مواز للتحرير يرفع من فيه لواء الدفاع عن الجيش رافضين ما يقال إنه إهانة له، رغم أن أحدا لايجرؤ، بدوافع وطنية، على الاقتراب من قيمة الجيش. وطبعا الاحتماء بحجة الدفاع عن الجيش، كما تصور إخوتنا في روكسي، محرج ويمنع أي شخص من وصفهم بالفلول أو التبعية لنظام مبارك كالذين تواجدوا في ميدان مصطفى محمود. أصبحنا إذا أمام ميدانين : التحرير، وهذا قصته معروفة، وروكسي الذي تمدد الموجودون فيه حتى وصلوا إلى شاشات التليفزيون المصري ، لأنه ، بالمنطق الإعلامي، لابد من عرض وجهتي النظر. أي أننا أمام وجهتي نظر إحداهما تحتمي بالجيش، وليس المجلس العسكري، والأخرى التي يمثلها “من” في التحرير. على هذه الخلفية، اتهم اللواء الرويني 6 إبريل بالسعي لتخريب مصر وتلقي معونات من الخارج ، وهو ما لم يقدم عليه حتى الآن دليلا ، وما كان ينبغي أن ينزلق إلى ذلك بغير امتلاكه. ولست من أعضاء أو أنصار 6أبريل ولا يربطني بها إلا الاسم الذي يذكرني بشرارة الثورة التي انطلقت في مدينتي المحلة في التاريخ نفسه عام 2008، لكنني أستغرب أن يتهم رجل في وزن الرويني حركة سياسية ويجاهر بالاتهام غير مرة من دون إثباته. وأستغرب أيضا ظهور مصطلحات مباركية ك “اللجان الشعبية” أو “الشرفاء” الذين تصدوا في العباسية ل”المخربين” القادمين من التحرير وفي جيوبهم دولارات، رغم أن تقريرا رسميا قال إن الاعتداء على المتظاهرين كان مبيتا ووقفت الشرطة العسكرية منه على حياد مريب. هنا تتبدى لي ملامح صناعة” الزعيم ” على الطريقة المصرية ، فما من رئيس إلا واخترع لنفسه عدوا ورماه بالسعي لتدمير مصر بالتآمر عليها والاستقواء بالخارج وتلقي الأموال . فعلها عبدالناصر مع الإخوان ، والسادات مع اليسار، ومبارك كررها مع الإخوان والجماعات الإسلامية ، بل وحركات إسلامية في محيطنا، وها هو الرويني يضع لبنة بناء العدو بغير سبب واضح حتى الساعة. هل تكون 6 أبريل فزاعة النظام المقبل؟ هذا سؤال طبيعي أن يتبع بآخر : هل الرويني بطل هذا النظام؟. صحيح أن الجيش قال مرارا إنه زاهد في الحكم ولن يرشح أحدا من رجاله للرئاسة، لكن من يدرينا ألا “يضطر” تحت “ضغط” المصريين ” الشرفاء ” المؤيدين له في روكسي إلى أن يشارك في السباق الرئاسي ، مادام “اضطر” إلى الاستجابة لأشقائهم الشرفاء المعتصمين بالتحرير.؟ هل تكون ليالي مصر ، كعادتها، حبلى بالمفاجآت؟ دعونا نحذر ننتظر...