لا أعرفه شخصياً، لكنني رأيته بشارع منصور في باب اللوق فجر الأربعاء 29 يونيو، إنه محمد جاد الشهير ب”سامبو”..هل كان هو نفسه أم شبيهاً له يحمل بندقية شبيهة للتي أراها في صوره؟ قلة النوم والغاز المسيل للدموع يمنعانني من التأكد، فربما كان هناك أكثر من “سامبو”. البداية كانت عندما انتهيت من عملي في الثالثة فجراً، وأسرعت إلى ميدان التحرير لأعرف ما الذي يحدث بالضبط، ووجدت نفسي بين مئات من الشباب الغاضبين الذين يطالبون بالقصاص للشهداء، ولأنهم شباب لذلك كانوا يستطيعون التعامل مع قنابل الغاز التي تفقدني الرؤية والقدرة على التنفس، ومع ذلك تجبرني على أن أركض بكل قوة وأنا أمد يدي أمامي خوفاً من الاصطدام بشيء، فكان بعضهم يحمل القنابل بيديه ليلقيها بعيداً، بينما لا أستطيع أنا قذف حجر على جنود الأمن، الذين تجمع معهم عدد من البلطجية”البلطجية اللي بجد”، يقذفوننا بالطوب ويلوحون بالأسلحة البيضاء. لكن الغريب الذي رأيته هو أن بعض الشباب كانوا يستطيعون الانقضاض على الجنود وضربهم وتجريدهم من العصي، وكانت قمة البطولة عندما ظهرت بندقية من بنادق الأمن المركزي في يد أحد المتظاهرين، هذا المتظاهر هو “سامبو” غالباً، وتجمع حوله الكثير من الشباب وغير الشباب من أمثالي يشجعونه على فعل أي شيء لرد عدوان “الداخلية” والبلطجية، وليس من المعقول أن أشجعه على حمايتي في هذا الوقت، ثم أتخلى عنه عندما يحال للمحاكمة العسكرية لأنه دافع عني، لمجرد أنهم قالوا عنه كذباً أو حقيقة أنه مسجل خطر. من الواضح أن الاستقطاب السياسي في البلاد وصل إلى كل أرجاء هذا الوطن، وإلى كل عقول وقلوب أبناء الشعب، بما في ذلك المهمشين والمسجلين خطر و”البلطجية”، فيقف نوع من المسجلين في جانب الشرطة، وهؤلاء في ظني هم من يقومون دائماً بدور المرشدين للشرطة، ويساعدون في تزوير الانتخابات، وفض المظاهرات، والنوع الثاني لم يظهر إلا مع الثورة، ومنهم من استشهد، وتسعى الأن الثورة المضادة إلى إخراجهم من ذمرة الشهداء، وتصوير الشرطة التي قتلتهم بأنها كانت تدافع عن أقسام الشرطة ضد البلطجية. تمت إحالة “سامبو” إلى المحاكمة العسكرية لأنه انضم إلى الثورة، ولم يتم إحالة البلطجية الذين رأيتهم بعيني يقفون في صف الشرطة، وبعضهم تربص للمتظاهرين بجانب ميدان باب اللوق مشهرين سيوفاً وسنجاً، ويستوقفون من يشتبهون فيه بأنه كان في المظاهرة، في سلوك أشبه بسلوك البلطجية في موقعة الجمل. سامبو هو أحد هؤلاء الشجعان المناقضين في سلوكهم لي تماماً على طول الخط منذ الطفولة، فكانت أسرتي تعلمني الخوف وعدم الإقدام على ما هو خطر، بينما كان أمثاله الأكثر فقراً مني، والذين خرجوا مبكراً من التعليم، من ساكني منطقتنا العشوائية في شبرا الخيمة، يقبلون على الأخطار بروح مفعمة بحب المغامرة والاكتشاف، وهما من أسس التميز الإنساني في نظري. وعندما كبرنا وبسبب أطفالي هذه المرة، واصلت المشاركة في الثورة على طريقتي المفعمة بالخوف والإحجام، فكنت أركض يوم 28 يناير وفي كل الأيام التالية بعيداً عن مصدر الرصاص أو القنابل المسيلة للدموع، بينما يركض سامبو ومن يشبهونه إلى مصدر الخطر! تمت تربيتنا نحن في انفصال تام عن حياة وآلام وأحلام سامبو وغيره من أبناء المناطق الشعبية والعشوائية، وكنا نقول دائماً أن مشكلتنا الوحيدة في قضية التغيير والثورة ومواجهة الظلم، هو الانفصال عن هؤلاء، وإننا إذا استطعنا الالتحام بهؤلاء فسوف نستطيع تغيير البلاد وتطهيرها من كل فاسد وطاغي، وأتت الثورة بكل عنفوانها، ليركض هؤلاء إلينا ويحمونا بأرواحهم، فهل نواصل الخزي بالتخلي عنهم. إننا إذا لم نستطع الاحتفاظ بهؤلاء الأبطال الشعبيين، لفقدنا أهم ما تفرزه الثورة المصرية، إنهم الأبطال الشعبيين التاريخيين أشباه الزيبق في العصر المملوكي، والزير سالم وأبو زيد الهلالي في التراث الشعبي، إضافة إلى أننا سوف نفقد جيوشاً من الأبطال المستعدين لحماية الثورة، فالأحداث تثبت أن أمثالنا غير قادرين على حماية الثورة التي دعوا لها وحددوا موعدها على الفيس بوك.