رئيس جامعة الأزهر بأسيوط يجتمع بعمداء الكليات لمتابعة العملية التعليمية (صور)    رئيس الجامعة ومحافظ المنيا يتفقدان أعمال تطوير فندق الجامعة دعما للحركة السياحية    سياسيون: الحوار الوطني يعزز وحدة الصف ومواجهة التحديات الأمنية الإقليمية    بحضور وزير التعليم.. قرارات اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالعاصمة الإدارية    رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير العملية التعليمية بالجامعة الأهلية    هيئة الاستثمار تناقش التعديلات المقترحة على اتفاقية التجارة مع دول الكوميسا    محافظ القاهرة يعقد اجتماعًا لمتابعة ملف التصالح على مخالفات البناء    وزيرة البيئة: مصر كان لها دور كبير في الملف محليًا وإقليميًا ودوليًا    الإدارية العليا: وجوب قطع المرافق في البناء المخالف والتحفظ على الأدوات    المصرية لصناعة الرخام: المجمعات الصناعية بالمحافظات تساهم في الاستغلال الأمثل للخامات الطبيعية    وزير المالية: زيادة مساهمة دور القطاع الخاص يتصدر أولويات الإصلاح المالى والاقتصادى    الكنيست يصادق على ضم جدعون ساعر لحكومة نتنياهو    كم بلغت حصيلة ضحايا غارات إسرائيل على جنوب وشرق لبنان؟    إيران تعلن رغبتها في تعزيز العلاقات مع روسيا بشكل جدي    كريم رمزي: عمر مرموش قادر على أن يكون الأغلى في تاريخ مصر    عاجل:- بنيامين نتنياهو يحرض الشعب الإيراني ويهاجم قيادته: "إسرائيل تقف إلى جانبكم"    شهية «جوميز» مفتوحة في الزمالك و«الجزيري» يجدد و«كوستا» يوقع و«بيكهام» يقترب    زغلول صيام يكتب: كل يوم حكاية مع وزير شباب ورياضة.. المهندس خالد عبد العزيز (4)    محافظ القاهرة يشهد احتفالية مرور 10 أعوام على إنشاء أندية السكان    كرة نسائية - وادي دجلة يدعم صفوف فريق السيدات ب 5 صفقات جديدة    مصرع شاب وإصابة آخر في انقلاب سيارة ثلاجة بطريق الأقصر    جمارك مطار الغردقة الدولي تضبط محاولة تهريب عدد من الهواتف المحمولة وأجهزة التابلت    غدا.. انخفاض طفيف بالحرارة وفرص أمطار ببعض المناطق والعظمى بالقاهرة 30 درجة    مصرع شخص دهسته سيارة أثناء عبوره الطريق بمدينة نصر    وصول مؤمن زكريا إلى مقر النيابة لسماع أقواله فى اختلاق واقعة السحر    الخميس.. فرقة المسرح المصري تقدم عروضها بنقابة الصحفيين    تفاصيل فعاليات مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية.. تنطلق غدا    وزارة الثقافة تعلن فتح باب التقديم لجائزة الدولة للمبدع الصغير غدا    أفلام السينما تحقق 833 ألف جنيه أخر ليلة عرض فى السينمات    فلسطين.. العنوان الأبرز فى جوائز هيكل للصحافة    إطلاق جائزة خالد خليفة للرواية    فحص 1299 مواطنًا خلال قافلة طبية مجانية بقرية الخوالد في كفر الشيخ    صحة المنوفية: الانتهاء من فحص 13434 طالب في اليوم الثاني لمبادرة الأنيميا    لا تهمل صحتك.. عادات يومية تمنع الإصابة بالنوبات القلبية    حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 95 مليونا و681 ألف خدمة مجانية خلال 60 يوما    وكيل شعبة الكهرباء يحذر: 5 أجهزة في بيتك الأكثر استهلاكا    تسييم شماسا جديدا في مطرانية القدس الأنچليكانية الأسقفية    القنوات الناقلة لمباراة النصر والريان في دوري أبطال آسيا 2024-2025 اليوم    معهد البحوث: الإكزيما تصيب من 15 إلى 20% من الأطفال عالميا    جالانت: الجيش سيستخدم كل قدراته العسكرية في مناورة برية وهدفنا إعادة سكان شمال غزة لمنازلهم    ريفر بليت يسقط على أرضه أمام تاليريس كوردوبا    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمحطة تنقية مياه الشرب بمدينة أسوان الجديدة    الشرطة اليونانية تعثر على جثتين في غابة بالقرب من مدينة كورينث    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    بعد واقعة مؤمن زكريا.. داعية: لا تجعلوا السحر شماعة.. ولا أحد يستطيع معرفة المتسبب فيه    «المالية»: إطلاق مبادرات لدعم النشاط الاقتصادي وتيسيرات لتحفيز الاستثمار    فريق هاريس يتودد للجمهوريين لكسب تأييدهم للمرشحة الديمقراطية بانتخابات أمريكا    ضبط 1100 كرتونة تمور منتهية الصلاحية بأسواق البحيرة    نتائج جهود الأجهزة الأمنية بالقاهرة لمكافحة جرائم السرقات    ضبط شخص متهم بالترويج لممارسة السحر على الفيسبوك بالإسكندرية    نائب الأمين العام لحزب الله يعزي المرشد الإيراني برحيل "نصر الله"    احتفالًا بذكرى انتصارات أكتوبر، فتح المتاحف والمسارح والسيرك القومي مجانًا    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 30-9-2024 في محافظة قنا    أمين الفتوى: كل قطرة ماء نسرف فيها سنحاسب عليها    بعد خسارة السوبر الأفريقي.. الأهلي يُعيد فتح ملف الصفقات الجديدة قبل غلق باب القيد المحلي    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارم يحيى يكتب عن: اختطاف نقابة الصحفيين من جديد (1)
نشر في البديل يوم 11 - 05 - 2011

* لماذا استعادت القيادات الإقطاعية العازلة مقعد النقيب ؟
* نافع ومكرم أسهما في سيادة أنماط متخلفة من علاقات العمل الاستبدادية وأشكال احتكارية في الإنتاج الصحفي و انتهاك آداب المهنة
* النقيبان باعا السلطة للصحفيين والصحفيين للسلطة وأوهما “الزبائن” على الجانبين أن الصفقة آمنة بأبخس الأثمان و بأقل التكاليف
* نافع كان رئيسا لتحرير الأهرام 26 عاما ومجلس الإدارة 19 ومكرم رئس إدارة الهلال وتحرير المصور24عاما وتناوبا على موقع النقيب 18عاما
* عارف كان إصلاحيا كبيرا في زمن احتاجت النقابة ثائرا يقلب قواعد اللعبة النقابية ويحرر أصوات الصحفيين من أسر الرشوة الحكومية
* تدخل الأمن في انتخابات الصحفيين و النقابات و النوادي الموصوفة زورا بالنزاهة ملف أسود سيجرى فتحه حتما
* النقابة كمؤسسة مستقلة عليها استبدال تسول الدعم الحكومي لسد عجز الميزانية بانتزاع حقها في نسبة إعلانات الصحف والتمغة الصحفية
بحلول انتخابات نوفمبر 2007 انتكس المسار الديمقراطي لنقابة الصحفيين . عاد الأستاذ ” مكرم محمد أحمد” النقيب الحكومي عضو الحزب الوطني ونادي رؤساء مجالس إدارة وتحرير المؤسسات القومية بعد أربع سنوات استقطعها تاريخ النقابة لصالح النقيب المستقل الزميل الأستاذ ” جلال عارف ” الذي كسر احتكار الحكومة وحزبها وقياداتها المعينة في مواقع الإدارة والتحرير للمنصب منذ عام 1981 ،حين فاز المرحوم الأستاذ ” صلاح جلال ” رئيس تحرير مجلة ” الشباب وعلوم المستقبل ” الصادرة عن مؤسسة ” الأهرام ” بمنصب النقيب .
حدث ما نبهت إليه في كتابي ” حرية على الهامش : في نقد أحوال الصحافة المصرية ” الصادر مطلع عام 2005 وفي فصل بعنوان ” النقابة المختطفة” ، فقلت:” إن انشغال قيادة النقابة بتثبيت رأس الجسر مع السلطة السياسية على حساب خوض معارك مطلبيه ملحة كقضية تحسين الأجور يحمل مخاطر أن تعود القيادات العازلة إلى مقعد النقيب ، وقد يفيد بأن البيروقراطية لم تتزعزع قبضتها على نقابة الصحفيين ..وبأن التغيير في صحافتنا بهذا الأسلوب ما يزال بعيد المنال”.
واقع الحال أن عودة الأستاذ ” مكرم” إلى مقعد نقيب الصحفيين في انتخابات 2007 و 2009 كان أيضا بمثابة استعادة الإقطاع الصحفي السياسي لهذا الموقع . وهو إقطاع مارس احتكار منصب النقيب منذ عام 1985 ممثلا في شخصي الأستاذ “مكرم” والأستاذ “إبراهيم نافع” رئيس مجلس إدارة وتحرير الأهرام السابق. وقد أسهم الرجلان في سيادة أنماط متخلفة من علاقات العمل الاستبدادية الأبوية “البطركية” و أشكال احتكارية في الإنتاج الصحفي و انتهاك آداب المهنة وأسسها بما في ذلك الخلط بين الإعلان والتحرير وافتقاد الاستقلالية إزاء السلطات والمصادر المؤثرة، فضلا عن الممارسات النقابية المشوهة . بل كان وجود مثل هذه القيادات على رأس نقابة الصحفيين بمثابة نسف لأسس العمل النقابي ذاته، حيث جمعا لسنوات مديدة بين تمثيل مصالح مالك الصحف القومية وسلطة الإدارة و الثواب والعقاب من جانب و إدعاء الدفاع عن حقوق الصحفيين العاملين بأجر من جانب آخر.
وعلاوة على ذلك جسد الرجلان حال “القيادات العازلة” وقد شخصتها في الدراسة المشار إليها سابقا باصطناع أدوار تجعل من العمل النقابي أشبه بمهارة “سمسار” .يبيع السلطة للصحفيين ويبيع الصحفيين للسلطة موهما ” الزبائن ” على الجانبين بأن الصفقة آمنة وتجرى لصالحهم بأبخس الأثمان و بأقل التكاليف. وفي هذه الأدوار ما يفسر ظاهرة ” البدل النقدي” الهزيل المهين الذي يجرى تقديمه مع كل انتخابات لتعويم النقيب الحكومي منذ عام 1981 والإحجام عن بذل أي مجهود ومصادرة أي نضال نقابي لتحسين الأجور و ضمان عدالتها واستكمال ما تحقق في معركة لائحة عام 1976.وهي آخر لائحة أجور جرى التفاوض عليها في تاريخ الصحفيين المصريين ونقابتهم .
تستحق السيرة المزدوجة للأستاذين “نافع” و “مكرم ” وتأثيرهما الطاغي على الصحافة المصرية مهنة ونقابة على مدى أكثر من نحو ثلاثين عاما دراسة خاصة ومستقلة بذاتها. فقد شغل الأول منصب رئاسة تحرير “الأهرام ” 26 عاما و رئاسة مجلس إدارة المؤسسة ذاتها 19 عاما . وشغل الثاني رئاسة مجلس إدارة مؤسسة ” الهلال ” و رئاسة تحرير مجلة ” المصور ” معا 24 عاما. وتناوب الرجلان على موقع نقيب الصحفيين 18 عاما متصلة بين عامي 1985 و 2003 . استهلك منها الأول 12 عاما ، وترك لقرينه الثاني 6 سنوات. واللافت أيضا أن الأول لم تكن له أي سابق عضوية بمجلس نقابة الصحفيين ، أما الثاني فقد انقطعت صلته بالمجلس منذ عام 1973 ،حيث أنتخب دورتين عضوا به ( 1968 و 1971) . و بعدها غاب عن النقابة لنحو 16 عاما ليصبح فجأة نقيبا للمرة الأولى في عام 1989. وعلى أية حال ، فإن السيرة المزدوجة للأستاذين “نافع ” و ” مكرم “ يتعين النظر إليها في سياق إعادة اكتشاف حقيقة جيل القيادات الصحفية المعمرة الذي جاءت به حركة تغيير هذه القيادات في ديسمبر 1979 و يونيو 1981 . وهي في ظني من أخطر التحولات التي أصابت صحافتنا وعلى خلفية ما لحق بالدولة المصرية بدءا من نهاية عهد الرئيس الأسبق ” أنور السادات” وسياسات ” الديمقراطية ذات الأنياب” و ” الانفتاح سداح مداح ” و التحالف الاستراتيجي مع واشنطن و التطبيع مع إسرائيل . وثمة أسئلة مفتوحة هنا بشأن مؤهلات اختيار ” السادات ” لهذه القيادات الصحفية في مرحلة أفول حكمه و انهيار شعبيته في مصر خاصة والعالم العربي عامة، أو ما يسمي ب ” السنوات الأسوأ في عهد السادات ” . وبعض هذه الأسئلة يتصل بإعداد وتجهيز أمريكي لهذا الجيل من القيادات سبق توليها مناصبها .
عاد “مكرم ” بكل ما يمثله إلى مقعد نقيب الصحفيين في عام 2007 وقد تجاوز عامه السبعين . وإن كان فقد هذه المرة منصب رئيس مجلس الإدارة والتحرير ( مؤسسة الهلال / مجلة المصور ) بعد إحالته للمعاش متأخرا عن أوانه بأكثر من خمس سنوات بالمخالفة للقانون . وفي عودة الرجل السبعيني ما يدعو لنقد تيار “الاستقلال النقابي ” بين الصحفيين ،و الذي يمثله “عارف ” ومنافسا “مكرم” على مقعد النقيب في 2007 و 2009 “. الزميلان الأستاذان “رجائي الميرغني” ” و ” ضياء رشوان” وحدود الخطاب والأداء. فقد كان النقيب السابق “عارف” بمثابة “إصلاحي كبير” في زمن تطلبت فيه النقابة ثائرا يقلب قواعد اللعبة النقابية والانتخابية ويحرر أصوات غالبية الصحفيين من أسر الرشوة الحكومية الموسمية وضغوط الإدارة والسلطة . لكن قد يكون للرجل الإصلاحي قدرا من العذر ، فمجلس النقابة الذي عمل معه بين عامي 2003 و 2007 أظنه كان معرقلا ومعوقا لخططه إلى حد كبير . وهو بالأصل ينقسم إلى ثلاثة كتل . أربعة أعضاء من إجمالي الأعضاء الاثنتي عشر محسوبين على تيار الاستقلال النقابي و اليسار بتعدد أطيافه ومثلهم من المحسوبين على الحزب الوطني والحكومة و مثلهم أيضا من المحسوبين على ” الإخوان ” .مع الأخذ في الاعتبار ازدواج الولاء لإدارة المؤسسة القومية و لتيار سياسي معا في هذا العضو أو ذاك.
وجد نقيبنا المستقل الإصلاحي نفسه بين أقلية المجلس في مواقف حاسمة ،وبعضها ما تعلق بشخصه وبمهابة موقعه . ولعل في ذلك ما يفسر الأداء غير القوي للنقيب والمجلس إزاء اختطاف منصب رئيس إتحاد الصحفيين العرب لحساب النقيب الحكومي السابق عليه ” نافع” في أكتوبر عام 2004 . وكذا منح النقيبين الحكوميين السابقين في صيف 2004 و 2006 الجائزة التقديرية للنقابة في عهد “عارف”، رغم أن أحدهما ” نافع ” كان في الأثناء متورطا في فصل زميل صحفي و منع آخر من العمل والدخول إلى مؤسسته . بل الأخطر أن مجلس النقابة حينها انتهى إلى مباركة التعديلات الجزئية المنقوصة على عقوبة الحبس في قضايا النشر والتهليل لها بوصفها انتصارا لحرية الصحافة مع الامتنان للرئيس “مبارك” في صيف عام 2006 . وعلاوة على ذلك ، استمر عجز النقابة أو عزوفها عن محاسبة وتأديب أي من أعضائها على انتهاك القانون وآداب المهنة و ميثاق الشرف الصحفي ، بما في ذلك الخلط بين الإعلان والتحرير الذي تفشى كوباء بين الصحفيين في عهد النقيبين السابقين ” نافع ” و مكرم “.
مع ذلك ، يعود إلى هذه الفترة المهمة في تاريخ النقابة الفضل في هامش الحرية الأوسع لعمل المجموعات الحية من أعضاء الجمعية العمومية و في تفاعل أفضل مع حركة التغيير في المجتمع ، فضلا عن فتح ملفات تخص المهنة وأهلها ظلت مغلقة لعقود ، ومن بينها الحق في لائحة أجور جديدة عادلة والتمغة الصحفية ونسبة النقابة من إعلانات الصحف. ولعل أهم ما كان في هذه المرحلة أن النقابة أسهمت في الدفع نحو تغيير قيادات الصحف القومية المزمنة ممن تجاوزوا سن المعاش. وهي أول حركة كبرى في حقل الصحافة في عهد “مبارك “الذي اتسم بالجمود و انتهاك القوانين وبفساد سياسي غير مسبوق في تاريخ البلاد الحديث. وحقيقة كان من الصعب إنجاز حركة تغيير هذه القيادات إذا ما استمر احتفاظ الإقطاع الصحفي السياسي ممثلا في ” نافع ” و ” مكرم” ورفاقهما من دفعة 79 / 1981 بمقعد نقيب الصحفيين. وحيث كنا قبل مجئ الأستاذ ” عارف ” إلى مقعد النقيب إزاء وضع تحولت فيه النقابة إلى رهينة لاستمرار القيادات المزمنة في مقاعدها بالمؤسسات الصحفية القومية. كما أصبحت المؤسسات بدورها وبما لها من قوة تصويتية غلابة في الانتخابات النقابية رهينة لإبقاء سيطرة رموز الإقطاع الصحفي السياسي على النقابة.
بالقطع يظل فضل الأستاذ “جلال” ومجلسه وتحديدا الزملاء المتحررين نسبيا من الارتباط بالإقطاع الصحفي السياسي غير منكور على حركة تغيير قيادات الصحف القومية صيف عام 2005 . لكن طبيعة الدور ” الإصلاحي ” وحدوده هي التي تفسر بالطبع ضمن عوامل أخرى تتعلق بالمجتمع والمهنة لماذا جلبت حركة التغييرات هذه إلى صحافتنا أبواق مشروع التوريث والناطقين غير الرسميين بلسان الحزب الوطني الحاكم ؟. وهنا لا يجب أن نغفل تأثير رموز الإقطاع الصحفي السياسي من القيادات القديمة نفسها في تزكية خلفائها “المطيعين الطيعين” والملتزمين بشعار ” نافق رئيسك الذي ينافق الرئيس”. لكن حدود إصلاحية النقيب “عارف” آنذاك تتضح في القناعة بإزاحة القيادات القديمة منتهكة القانون ومختطفة النقابة من دون الطموح إلى طرح تغيير قواعد اختيار قيادات هذه المؤسسات بالأصل والانحياز لمعايير الكفاءة والمهنية و النزاهة. وهنا تتميز حركة “صحفيون من أجل التغيير” التي شرفت بالدعوة إليها وصياغة بيانها التأسيسي و بانتخابي أول منسق عام لها بالمطالبة صراحة بإنهاء سيطرة الحزب الحاكم وأجهزة الأمن على الصحافة وشئونها بما في ذلك اختيار قيادات المؤسسات القومية . ولقد كان ذلك سابقا على إعلان حركة التغييرات في 4 يوليو 2005.
و لا يمكن فهم إعادة اختطاف موقع نقيب الصحفيين مرة أخرى بين عامي 2007 و 2011 إلا في سياق اجتماعي سياسي عام بدا خلاله نظام “مبارك “وقد تأهب لعملية ” توريث الحكم” يقوم بتصفية كافة مواقع المقاومة، و معها مسارح الاحتجاج السياسي المتاحة . ولما كانت “سلالم” نقابة الصحفيين أبرز هذه المسارح المفتوحة أمام الاحتجاجات منذ 2003 فقد اعتمد النقيب الحكومي في حملته الانتخابية عام 2007 خطابا يركز على مصادرة الحق في الوقفات الاحتجاجية السلمية ، وحتى شاع وقتها عن الرجل أنه ” نقيب شيل السلم “. ومن الواضح أن فوز “مكرم” بتدخل حكومي و إداري سافر في المرتين 2007 و 2009 جاء في سياق الإجهاز على مساحات الحركة المستقلة على صعيد الجغرافيا السياسية للعاصمة القاهرة ، وتحديدا شارع “عبد الخالق ثروت “و في صفوف النقابات والطبقة الوسطي بالمعنى الاجتماعي السياسي .وفي هذا الإطار تأتي محطات من قبيل التخلص من تيار الاستقلال في نادي القضاة بالإسكندرية يناير 2008 ثم نادي القاهرة فبراير 2009 ، وصولا إلى فوز الأستاذ ” حمدي خليفة ” عضو الحزب الوطني الحاكم بمنصب نقيب المحامين في مايو 2009 .
وبخصوص انتخابات نقابة الصحفيين تحديدا ، فإن هناك حاجة لمراجعة واحدة من أوهام عهد “مبارك “. فالإدعاء بأن هذه الانتخابات بالغة النزاهة لا يصمد في الواقع مع حقائق التدخل السلطوي السافر من قبيل قيام رئيس الحكومة ووزرائها بأن يخصوا مرشح الحزب الوطني باللقاءات في فترة الدعاية الانتخابية وبذل الوعود له بمنح امتيازات خاصة للصحفيين . ولا أدل على هذا التدخل الفج مما جرى في انتخابات النقيب عام 2009 ومطاردة الأستاذ ” مكرم” لأعضاء الجمعية العمومية للنقابة برسائل ” إس . إم . إس “على الهواتف المحمولة تحمل سيلا من الرشاوى الحكومية. وقد اتضح لاحقا أن العديد منها محض خداع . ولا أدل أيضا على الضغوط الإدارية داخل المؤسسات الصحفية لصالح مرشح الحزب الحاكم ما شاهده وعاينه الصحفيون بأنفسهم هذه الانتخابات ، بما في ذلك كافة أساليب الإغراء والترهيب . ولم يعد سرا خطاب رئيس مجلس إدارة وكالة أنباء الشرق الأوسط السابق الأستاذ ” عبد الله حسن ” الذي يبلغ فيه مراسليه في أنحاء العالم بالعودة إلى القاهرة وتكفل ميزانية الوكالة بنفقات السفر لانتخاب ” مكرم”. ولو جرت واحدة من هذه الوقائع في بلد ديمقراطي محترم لأقيلت الحكومة أو استقالت و لجرى عزل المتورطين في المجتمع الصحفي من مناصبهم القيادية و تغريمهم نفقات هذه المهام الانتخابية الرخيصة ولعوقبوا تأديبيا من نقابتهم . أما تدخل الأجهزة الأمنية في انتخابات الصحفيين وغيرها من النقابات المهنية و النوادي الرياضية الموصوفة زورا بالنزاهة فهو ملف أسود سيجرى فتحه حتما في الأيام القادمة .
إذا ما أريد في هذا العهد الجديد نقابة بحق للصحفيين فإن علينا فتح ملفات عهد الفساد السياسي الصحفي النقابي بصراحة وشجاعة. ويفيد مسار التحقيقات الجارية الآن مع رجال الصف الأول من الحكم أن الفساد السياسي بالضرورة قرين فساد مالي وعقاري وبأن هذه التحقيقات ستصل إلى حتما إلى أهل الصف الثاني ” رجال الرئيس في الصحافة والإعلام “. اللهم إلا إذا تدخلت قوى عاتية لإنقاذ رقاب نجوم عصر الاستبداد والفساد على صفحات الصحف وشاشات التليفزيون.
ومع أهمية المحاسبة والمحاكمة ، فإن الأهم هو أن يتدارس الصحفيون و المجتمع بأسره الضمانات والسبل الكفيلة بوقف مسيرة هذا الفساد السياسي الصحفي النقابي و الحيلولة دون إعادة إنتاجه مستقبلا. ففي بلد يسعى لإقامة دولة القانون والديمقراطية وفصل السلطات لا مكان لدعم حكومي مباشر أو غير مباشر للصحفيين ونقابتهم. وعلى جموع الصحفيين أن يواجهوا بشجاعة هذا الرعب غير الأخلاقي من سحب البدل الحكومي المقدم لهم من ميزانية المجلس الأعلى للصحافة . صحيح إن آلاف الصحفيين يعتمدون على هذا البدل ( يزيد على الستمائة جنيه شهريا بقليل ) للبقاء على قيد الحياة وقد تدنت المرتبات أو انعدمت تماما . وشخصيا أعرف زملاء أعزاء أكفاء يعيشون على هذا البدل ليس إلا . لكن علينا أن ننظر إلى أبعد من أقدامنا وندرك بأنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح ، وإن علينا العمل من أجل استبدال البدل الحكومي الذي يطعن استقلالية الصحافة والصحفيين في بلادنا بأجور عادلة لائقة وإعانة بطالة معتبرة ومقننة من الأموال الحرة للنقابة. كما على النقابة كمؤسسة مستقلة محترمة أن تستبدل تسول الدعم الحكومي سنة بعد سنة لسد عجز ميزانيتها بانتزاع حقها وحق الصحفيين المهدر في نسبة معتبرة من إعلانات الصحف و في تمغة صحفية محترمة . وفي ذلك ما يجعل منها نقابة غنية تمد مظلة ولايتها وحمايتها على كل من يعمل بحق بالمهنة .و في ذلك ما ينهى أنانية وضيق أفق أعضائها ممن يتصورون أن انضمام كل عضو جديد يهدد امتيازاتهم و يقتسم معهم العطايا الحكومية المحددة والمحدودة .
وفي بلد يسعي لإقامة دولة القانون والديمقراطية لا مكان لتدخل أي سلطة بما في ذلك سلطة الحكومة وأجهزة الأمن و رجال الأعمال في انتخابات نقابة الصحفيين . وبالقطع لا مكان لصمت وتواطؤ النقابة على كل هذا الفساد الصحفي من عمل الصحفيين بالإعلانات و كمستشارين أو محررين لدى مسئولي الدولة ورجال الأعمال ولشركات ومصالح محلية وأجنبية بما في ذلك السفارات .
وفي كل هذا ما يضع نقابة الصحفيين على طريق استقلاليتها و يرد لأهل المهنة و لها الاعتبار . وهو أمر لم يكن بالإمكان تصوره في ظل سيطرة الإقطاع الصحفي السياسي و القيادات العازلة. بل لا يمكن حدوثه مستقبلا مع استمرار هذه السيطرة.
( المقال القادم نقد أداء نقابة الصحفيين إزاء ثورة 25 يناير)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.