* ” السيطرة على الإعلام” للكاتب الأمريكي ناعوم تشومسكي كتبت – رحاب إبراهيم : كان من أغرب ما سمعت عقب نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر , عبارة : اللي يقول نعم هيخش الجنة واللي يقول لا هيخش النار ... مما جعلني أتساءل , كيف لفرد أو لمجموعة أن تقنع عامة الناس بفكرة كهذه ؟ كان من المفيد حينها أن أعود لكتاب قرأته من فترة بعنوان ” السيطرة على الإعلام ” وهو كاتب أمريكي يهودي وناشط سياسي . الكتاب صدر عن مكتبة الشروق الدولية 2003 – تعريب : أميمه عبد اللطيف . بدأ الكتاب بتوضيح الإنجازات الهائلة للبروباجندا في منتصف الحرب العالمية الأولى 1916 أثناء حكم الرئيس الأمريكي ويلسون , في هذه الأثناء كان المواطنون مسالمين لأقصى درجة , ولم يروا سببا للانخراط في حرب أوربية بالأساس , بينما كان على إدارة ويلسون التزامات تجاه الحرب , ومن ثم كان عليها فعل شيء ما حيال ذلك , فقامت بإنشاء لجنة للدعاية الحكومية أطلق عليها ” لجنة كريل “, وقد نجحت هذه اللجنة خلال ستة أشهر في تحويل المواطنين المسالمين إلى مواطنين تتملكهم الهيستيريا والتعطش للحرب , والرغبة في تدمير كل ما هو ألماني لإنقاذ العالم ! كان هذا الأمر بمثابة إنجاز هائل , وكان هناك درس ما في ذلك المثال ألا وهو أن الدعاية التي تتم بإشراف الدولة حينما تدعمها الطبقات المتعلمة وحين لا يسمح بأي انحراف عن الهدف , بإمكانها أن تحدث أثرا كبيرا . ذلك الدرس تعلمه الكثيرون , ويتم إتباعه حتى اليوم . وقد انبهر بهذا الأسلوب شخصيات إعلامية مرموقة مثل ” والتر ليبمان ” عميد الصحفيين الأمريكيين آنذاك , الذي كان يرى أن المصالح العامة كفيلة تماما بخداع الرأي العام , ويمكن فهمها وإدارتها فقط بواسطة طبقة متخصصة من الرجال المسئولين الذين يتمتعون بدرجة من الذكاء تتيح لهم فهم وإدراك الأمور وتحديد ماهية المصالح العامة , أما الغالبية العظمى من السكان فيصفهم ليبمان ب القطيع الحائر , ويقول بأننا يجب أن نحمي أنفسنا من وقع أقدام وزئير هذا القطيع , ولكن هذا القطيع له وظيفة أخرى غير المشاهدة في ظل ذلك النظام الديمقراطي – نظرا لأنه نظام ديمقراطي في آخر الأمر – فمن وقت لآخر يسمح لهذا القطيع بتأييد أحد أفراد الطبقة المتخصصة , بمعنى آخر يسمح لهم بالقول : نحن نريدك قائدا لنا , وهذا ما يطلق عليه ” الانتخابات “ , ولكن بعد أن يلقوا بثقلهم خلف عضو أو آخر من الطبقة المتخصصة , ومن المفترض أن يعودوا على الفور ويصبحوا مشاهدين لا مشاركين للأفعال . هذا ما يجب أن يحدث في نظام ديمقراطي سليم ! ورغم ذلك التنظيم المحكم , حدث في الثلاثينات أمر أثار فزع الطبقة المتخصصة في أمريكا , حين فازت الحركة العمالية بأول نصر تشريعي لها , وهو حق التنظيم المعروف ب “قانون واجنر” , وقد أثار هذا الأمر مشكلتين حادتين الأولى هي أن الديمقراطية لا تؤدي وظيفتها كما يجب , فالقطيع الضال يحقق فعلا نصرا تشريعيا مع أنه ليس من المفترض أن يحدث ذلك , أما المشكلة الأخر فتكمن في أنه أصبح بإمكان الناس التنظيم في حين أنه يجب أن يظل الناس منقسمين ومنفصلين وليسوا منظمين , لأنه حينئذ ربما يتحولوا من مشاهدين للحدث إلى مشاركين في صنعه , وهو أمر يثير الفزع . لذا فقد كان رد رجال الأعمال كبيرا , للتأكد من أن ذلك الانتصار سيكون الأخير من نوعه , لذا ففي العام التالي وحين وقع إضراب عمال الحديد في غرب بنسلفانيا , حاول رجال الأعمال تطبيق طريقة جديدة لتدمير الحركة العمالية , وقد نجحت إلى حد كبير ليس من خلال تكسير الأرجل فلم يعد هذا مقبولا , وإنما من خلال وسائل دعاية احتيالية وفعالة , كانت الفكرة باختصار هي تحويل عامة الجمهور ضد القائمين على الإضراب , وتقديم المضربين على أنهم مخربون ضد الجمهور والمصالح العامة , والمصالح العامة هي بطبيعة الحال مصالحنا ” نحن” رجال الأعمال ....والعمال وربات البيوت ..و..إلخ هذا ما نعنيه ب ” نحن ” ..نريد أن نكون معا وأن نعمل معا وتجمعنا هويتنا الأمريكية المشتركة , ولكن هناك أولئك المضربون الأشرار , وهم مخربون ويسببون لنا المشاكل , يجب علينا أن نوقفهم لنعيش معا. هكذا كانت الرسالة, وقد نجحت بفاعلية شديدة, وكان يطلق عليها الطرق العلمية للقضاء على الإضراب , وكانت طرق فعالة في تعبئة الرأي العام لصالح مبادئ خاوية من المعنى مثل : الهوية الأمريكية . من بإمكانه أن يقف ضد هذا؟ أو كما حدث في حرب الخليج ” أيدوا قواتنا ” من بإمكانه أن يكون ضد ذلك ؟ ولكن في حقيقة الأمر ماذا يعني ذلك؟ إذا سألك شخص ما هل تؤيد الناس في ولاية ما هل تجيب بنعم أو لا ؟ هو حتى ليس بسؤال . بالطبع كان هناك موضوع محدد وهو : هل تؤيد سياستنا ؟ ولكن لم يكن من المقبول أن يفكر الناس بهذا الأمر , وهذا هو الهدف الأساسي من الدعاية الجيدة , عمل شعار لن يكون بإمكان أحد الوقوف ضده .فالقطيع الضال عليه أن ينشغل بمشاهدة أفلام العنف والجنس ومباريات الكرة أو المسلسلات , وبين الحين والآخر تستدعيهم ليرددوا شعارات لا معنى لها مثل ” ساندوا قواتنا ” , وعليك أن تجعلهم خائفين طوال الوقت , لأنه إذا لم تتم إخافتهم من كل أنواع الشياطين التي ستقضي عليهم من الداخل والخارج , فربما يبدءون بالتفكير , وهو أمر جد خطير .