لم يكن من السهل أن نعبر عن فساد ثلاثين عاما في عدد من الكلمات، فقد حرص "مبارك" وحاشيته على هدم مصر وتخريبها بشتى الطرق، وجعل "مشروع التوريث" هو المشروع الوحيد في مصر ، والذي كانت تقدم له القرابين من قوت الشعب، في سبيل أن تنتصر آمال وطموحات آل مبارك، ويصبح جمال رئيسا ل"التكية" التي أسسها والده. ربما نحتاج أياما وشهورا كي نُذكِّر من نسي بما فعله "مبارك" بالمصريين، وحتى لا يأتي يوم يقول البعض أنه سُجن ظلما وعدوانا، وأن الشعب "الثائر" عامل "رئيسه" بقسوة ولم يراع حسنة واحدة لهذا الرجل، والحق يُقال إن التاريخ يشهد على ما فعله "مبارك" من إفساد للحياة السياسية والاجتماعية ، وتدمير الاقتصاد والانهيار بأخلاقيات الشباب، والحرص على دفن كل موهبة. ويشهد أيضا بأن "هجرة العقول" لم تحدث سوى في عهده، وأن الهجرة الغير شرعية وزوارق الموت لم نرها سوى في فترات حكمه، كما أن رجل الحرب والسلام الذي حافظ على مصر من الحروب، أُزهقت في عهده أرواح المواطنين أكثر ممن استشهدوا في حرب 1973 ونكسة 1963 على قضبان السكك الحديد وحوادث الطرق، وفي سلخانات أمن الدولة وطوابير الأنابيب، ونيران الفتنة الطائفية التي التهمت الكنائس والمساجد وحطمت الروابط بين أبناء الوطن الواحد، وكل هذا لا يتعدى سوى قطرة في بحر من الظلمات والفساد غرقت مصر فيه على مدار ثلاثة عقود. ثلاثون عامًا قضاها مبارك فى حكم البلاد، لم يكن أحد يتوقع حجم الفساد الذى حل بالبلاد فى عهده، رغم الطفرة الاقتصادية التى كان يحكى عنها خبراء الاقتصاد، ويصفون مصر بأنها في أوج انتعاشها الاقتصادى، وخاصة بعد عصر الانفتاح فى التسعينيات، ولكن هذا الانتعاش لم ينل الشعب منه سوى الفقر والجوع والذل والهوان فى الحصول على المرتبات والعلاوات، التى ينتظرونها سنويا ليترصد لها تجار الجشع والاستغلال بارتفاع الأسعار، وكأن الشعب على موعد مع التعاسة الأبدية فى ظل حكم طاغ لا يرحم، وهذه نبذة مختصرة من بعض خطاياه: 64 مليون جنيه فاتورة الفساد فى الصحة فاتورة الفساد والمخالفات المالية بمديريات الصحة على مستوى الجمهورية بلغت 64 مليون جنيه، وهو ما تسبب في زيادة معاناة المواطنين وانتشار الأمراض الخطيرة خاصة بعد تحول العديد من المستشفيات إلى مراكز خدمة ذاتية وظفها البعض لتحقيق ثروات بطرق غير مشروعة حسب نص التقرير. وكشف التقرير نماذج من حالات الفساد في قطاع الصحة، منها على سبيل المثال وجود نحو 22 صنفًا من الأدوية منتهية الصلاحية منذ سبعة أعوام تبلغ قيمتها 662 مليون جنيه ويتم صرفها للمرضى. فيما كان الكثير من تجار الأدوية وأصحاب المخازن يستغلون شركاتهم للاتجار في المخدرات، وهو ما أكدته واقعة ضبط مباحث المخدرات بالغربية لمخزن أدوية يتاجر في الأدوية المخدرة والمنشطات الجنسية غير الصالحة للاستخدام والتي تقدر قيمتها ب 3 ملايين جنيه، واتضح أن من يديرون المكان لا يحملون أية مؤهلات طبية. كما استمرت معاناة المواطنين في المستشفيات الحكومية من تردي الأوضاع وسوء الخدمة، وبلغ نصيب المواطن المصري في موازنة الصحة في بعض المحافظات في المحافظة حولى 6.2 جنيه فقط، بالإضافة إلى سلبيات القطاع الصحي ومنها ضعف الاعتمادات المخصصة للأدوية والتجهيزات الطبية في المستشفيات وضعف مرتبات الأطباء، وإهدار 496 مليون جنيه، وإحالة 22 ألف مهندس للنيابة العامة بالمحليات. حيث بلغ حجم الفساد بالمحليات حوالي 390 مليون جنيه خلال عام واحد، بالإضافة إلى إحالة أكثر من 22 ألف مهندس في الإدارات الهندسية بالمحافظات والمدن والأحياء لتحقيقات النيابة الإدارية والعامة، وكان إجمالي المبالغ المهدرة في قطاع الوحدات المحلية 496 مليونًا و269 ألفًا و292 جنيهًا، وفي قطاع الأوقاف بلغ حجم الأموال المهدرة 38 مليون جنيه، وفي مرفق الصرف الصحي بلغ حجم الأموال المهدرة 10 ملايين جنيه، وبلغ إجمالي المبالغ المهدرة موزعة على قطاعات، الإسكان، الطرق، والشباب، والري 212 مليونًا و 38 ألف جنيه. إهدار واختلاس 348 مليون جنيه فى ماسبيرو بلغت ديون ماسبيرو 18 مليار جنيه، موزعة على 62 حالة فساد، منها 9 حالات داخل مدينة الإنتاج الإعلامي، و15 حالة في اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وحالتين متفرقتين، كما يرصد التقرير كذلك حالات لإهدار المال العام بقيمة تزيد على 266 مليون جنيه وحالات استيلاء وسرقة تصل إلى 82 مليون جنيه، بالإضافة لبعض الحالات الأخرى ليصل إجمالي ما رصده التقرير إلى 122 مليون جنيه و92 ألفًا و800 جنيه تتوزع بين استيلاء وسرقة، إهدار مال عام، وخسائر ومديونيات. ووصلت حالات الفساد إلى قطاع التعليم، حيث زادت نسبة الأمية في مصر لنحو 35% من إجمالي عدد السكان، منهم 20% من هذه النسبة متسربون من التعليم، كما أن الأسرة المصرية تنفق نحو 10 مليارات جنيه على الدروس الخصوصية منها 6.2 مليار جنيه على شراء الكتب الخارجية لانعدام الحاجة لكتب الوزارة. كما رصدت التقارير الحقوقية تهريب 200 مليار جنيه إلى الخارج و93 مليار جنيه قروض بدون ضمانات لرجال مبارك و39 مليار جنيه تم إهدارها من خزانة الدولة. بالإضافة إلى الملايين المهدرة بسبب الفساد في مختلف القطاعات وفي مقدمتها القطاع المصرفي، حيث حصل عدد من رجال أعمال تابعين للنظام السابق على قروض بدون ضمانات بلغت قيمتها 93 مليار جنيه لم يتم سدادها حتى الآن حسب تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، بخلاف الأموال المختلسة التي تم الاستيلاء عليها في قطاعات الدولة بلغت 589 مليونًا و706 آلاف جنيه، أما الفساد في تزوير بوالص شحن وتلاعب في مستندات الجمارك، فبلغ 500 مليون جنيه. 800 مليار جنيه حجم الأموال المهدرة فى أملاك الدولة، خمسة رجال أعمال يستولون على 16 مليون فدان، "ساويرس" اشترى شركة أسمنت أسيوط ب 2 مليار جنيه وباعها لشركة "لافارج" الفرنسية بعد ستة أشهر ب 78 مليار جنيه؛ "عز" استولى على حديد الدخيلة مقابل 1.2 مليار جنيه، وقيمته تقدر بمائة مليار جنيه؛ "قورة" حصل على 26 ألف فدان بنصف مليون جنيه وعرضها للبيع مقابل 54 مليار جنيه، و"المغربى" خصص لنفسه 50 مليون متر تبلغ قيمتها 80 مليار جنيه، ومئات الحالات من التعديات والاستيلاء على أراضي الدولة. استولت مافيا الأراضي بمساعدة الحكومة المصرية قبل الثورة على أكثر من 16 مليون فدان، أي ما يعادل 67 ألف كيلو متر مربع، وهو ما يساوي مساحة خمس دول عربية مجتمعة، وهي فلسطين ولبنان وقطر والبحرين والكويت، قيمة هذه الأرض تقدر حسب تقديرات الجهاز المركزي للمحاسبات بنحو 800 مليار جنيه. علق الدكتور محمود سلمان - أستاذ العلوم السياسية بجامعه القاهرة، على ما يتردد فى الآونة الأخيرة بشأن عودة فلول النظام الأسبق إلى ممارسة العمل السياسي، بأنه أمر ترفضه القوى الثورية ويرفضه أيضًا الشارع المصرى، مشيًرا إلى أنهم تورطوا فى عدد من القضايا وهم السبب فى الفساد الحقيقى داخل مصر حتى الآن. وأضاف سلمان أن مبارك "رأس الأفعى" الذى تسبب فى فساد استمر 30 عاما، وما يتردد عن عودة مبارك مصدره بعض المواطنين الذين ملوا من الاحتجاجات، لكن ذلك لا يعني عودة من "قتل وأفسد وسرق"، فهو مجرم بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ. وأشار إلى أن مجرد التفكير فى عودة مبارك خيانة لثورة ولشهداء الوطن، وقال "لا بد أن يعمل الجميع على حملات جديدة لتذكير الشعب بما فعله هؤلاء المجرمون فى المصريين، حتى لا ينسى الشعب ويطالب بذلك". وأضاف: "التاريخ لن يعود إلى الخلف، والشعب المصرى سيظل متمسكا بثورته حتى تحقق أهدافها في الحرية والعدالة الاجتماعيه والخبز والكرامة الإنسانية". من جانبها، رفضت كريمة الحفناوى - القيادية بالحزب الاشتراكى، ما يتردد عن عودة مبارك قائلة: "من يتحدث عن عودة مبارك مختل يريد عودة دولة الظلم والاستبداد، الدولة البوليسية القمعية، ولن نسمح له بذلك لأن الشعب المصرى أعلن فى كل تظاهراته رفضه لتلك الممارسات". وأضافت أن "مبارك رجل طالته كل الجرائم فى حق الشعب المصرى"، موضحة أن الجرائم التى ارتكبها لم تكن فقط فى العشر سنوات الأخيرة مثلما يقول البعض، وإنما من بعد حكمه بحوالى سنتين بدأت الدولة البوليسيه، لكن الأمر أخذ يزداد حتى ثار الشعب ورفض كل ما يحدث، من فساد وانتهاك وظلم. وأكدت أن مبارك لم يعد رئيسا أو سياسيا، وأصبح مواطنا عاديا متهما في قضايا برأه القضاء من بعضها بسبب إخفاء المستندات الحقيقية، لكن هذه المستندات التى أخفيت إذا قدمت للعدالة فسيصل الحكم إلى الإعدام. من أجل ذلك كله، فإن جميعنا يرفض أن تنقش على جدران ميدان التحرير وأمام مسجد عمر مكرم، الذي شيعت منه جنازات أنقى الشباب، كلمات مديح وأسف لرأس الأفعى وزعيم الفساد، فقد كتب البعض "نعم للنسر مبارك"، بينما عبر آخرون عن استحسان مجهوداته فقالوا "رجل الحرب والسلام"، وليس مقبولا أن تُنتج البرامج ويأتي ضيوفها ليقولوا "آسفين يا ريس"، فلن يعود "مبارك" وحاشيته ليُفسدوا في الأرض مرة أخرى، لن تغفر له الأجيال التي تربت في عهده والتي ستعاني بعد عقود من فساده أنه كان سببا في أن يذهب الشباب ليتطوعوا في الجيش الإسرائيلي؛ بحثا عن المال والعمل الذي جعله فاكهة محرمة. حوادث القطارات وزبانية أمن الدولة وطوابير الأنابيب والفتنة الطائفية.. ذهبت بأرواح أكثر ممن فقدتهم مصر في حرب 1973 ونكسة 1967 المصريون بلا كرامة في الداخل والخارج.. ومبارك جعل المشروع القومي الوحيد هو"التوريث"