اتفق كل من تعرض ذات يوم للاعتقال في أمور عدة، ربما يكون أهمها حدوث تجاوزات شديدة بحقهم، من قبل جهاز أمن الدولة، تتمثل في الإهانات والضرب، التعذيب والصعق بالكهرباء في جميع أنحاء الجسد، خصوصا المناطق الحساسة، والضغط على المعتقلين ليعترفوا بأشياء لم يرتكبوها. أكدت هذه الروايات المتواترة عن التعذيب، أنه يستخدم بشكل أساسي وعلى نطاق واسع ضد كل المعتقلين، وهو ما أقره واتفق عليه كل من خرج من سجون وتحقيقات أمن الدولة. بعد تصالح الشرطة والثوار في 30 يونيو، تأتي عودة "أمن الدولة" قضية مثيرة للجدل، فهناك من يرون عودة هذا الجهاز ضرورة، ومن يحذر من العودة - ولو رويدا رويدا - إلى أيام "العادلى" مرة أخرى. قال اللواء فاروق حمدان - مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن أية دولة لا بد أن يكون لديها جهاز استخباراتي؛ لإمدادها بالمعلومات والأخطار التي تهدد الأمن الخارجي، وهو ما تختص به المخابرات العامة، والأمن الداخلي عن طريق إدارات متعددة الأنشطة سواء محليات، أو سياسي، أو ديني، وهو جهاز الأمن الدولة . وأكد "حمدان" أن "أمن الدولة" جهاز معلومات وظيفته جمع معلومات عن مخالفات القانون التي تهدد الأمن الداخلي للدولة، وطالما المواطن يحترم القانون والأعراف فلماذا يخشى عودته مرة أخرى!!، وسوف يتم تعميم هذه الإدارات لكي تجمع البيانات وتحيلها إلى الوزارة التي تتولى بدورها التحقيق فيها على الفور، وأن تعمل على حفظ استقرار البلد ومنع الفوضى. وأضاف أن أمن الدولة لم يُلغ من الأساس بمعنى الإلغاء والإزالة، ولكن كل ما حدث تقليص دوره، ونتج عن ذلك ما يوجد في سيناء حاليا، وقيادات الشرطة والجيش تسعى بكل الطرق إلى الحد من نشاط الجماعات المتطرفة التي تهجم على المواقع الأمنية وتقتل الأبرياء، ويزداد سقوط الشهداء حتى في وقت الإفطار، دون جرم اقترفوه، فهم يحمون الأمن ويصونون الحدود ، لكن هذه الجماعات تريد مصر مرتعا لهم ولأفكارهم التكفيرية. وتابع حمدان: من يتخوف من الاعتداءات والانتهاكات، نؤكد له أنها لن تعود مرة أخرى، والجناة سيتم ضبطهم والتعامل معهم وفقا للقانون، وكل الضباط حاليا تم إعدادهم وتأهيلهم من خلال الحصول على دورات لرفع كفائتهم، وكلها تهدف لمعرفة أحدث الطرق في التعامل مع كل من يتسبب في إثارة الفوضى والعنف، والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا الصدد. ويتفق معه اللواء مجدى الشاهد - الخبير الأمنى، الذي أكد أن عودة أمن الدولة مرة أخرى أمر ضرورى لتطوير جهاز الشرطة وتدعيمه بهذا الجهاز، الذى يعمل فيما يخدم مصالح المواطنين المصريين، مشيرا إلى أن هدم الجهاز ليس هو الحل لأنه كان يتابع نشاط الإرهابيين، وبمجرد اختفاء هذا الجهاز عاد الإرهابيون يعبثون فى أمن مصر. وأضاف "الشاهد" أن المواطنين الذين يخشون عودة أمن الدولة للقضاء على العنف والإرهاب، لهم علاقة بهذا الإرهاب ويبغون له استمرارا، أما الشرفاء الذين يريدون مصلحة مصر، فإنهم يريدون تفعيل ذلك الجهاز للقضاء على العنف والإرهاب الذى ساد فى الفترة الأخيرة، موضحا أن الجهاز يضم إدارتين لا بد من تفعيلهما الآن، وهما "متابعة النشاط الدينى والإرهابى" و"متابعة جواسيس الدول داخل مصر". بينما يرى محمد الجوادى - خبير الأمن القومى، أن عودة أمن الدولة من جديد بمثابة عودة إلى نظام مبارك، ولن يتعامل الجهاز بالشكل الذى يقضى على الإرهاب فقط، بل سيكون تكرارا لما كان يحدث من انتهاكات وتجاوزات في عهد المخلوع. وأضاف "الجوادي" أن ما رفضه المصريون وقاموا بثورة ضده، ليس من المعقول إعادته مرة أخرى، بحجة الاختلال الأمنى أو حالة الإرهاب الموجودة، كما أن القوات المسلحة قادرة على التعامل مع الإرهاب فى سيناء، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الحالية دون اللجوء لتفعيل مراقبة النشاط السياسي والديني "أمن الدولة"، وعودة الضباط المستبعدين إليه مرة أخرى هو خير دليل على عدم تغير سياسات الداخلية. ويرى المحامى والناشط الحقوقي أحمد عبد الحفيظ - نائب رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن قرار اللواء محمد إبراهيم - وزير الداخلية يعد انتكاسة لكل المكاسب اللي حققناها منذ ثورة 25 يناير وحتى موجتها الثانية في 30 يونيو. وطالب "عبد الحفيظ" بأن تكون الحلول سياسية؛ لأن الحل الأمني لن يكون مجديا بسبب حالة العداء بين الثوار ووزارة الداخلية، والتي تعدلت في 30 يونيو، ونأمل أن يكون جهاز الشرطة قد استوعب الدرس جيدا ولا يغريه الوضع الحالي، فيرجع لأساليبه القديمة التي عهدناها خلال حكم المخلوع والعادلي؛ حتى لا تكون هناك موجة غضب ثالثة لا تبقي ولا تذر؛ فالحالة الثورية لم تنته بعد. وأضاف نائب رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن مواجهة الإرهاب والفوضى واجبة دون الرجوع إلى الوراء، فهناك أساليب كثيرة تستخدمها الدول لمواجهة الخارجين على القانون بعيدا عن استخدام القوة المفرطة والسلاح، ويجب أن نطبق هذه الأساليب في مصر حفاظا على كرامة المواطن، ونستعين بتجارب الدول الأخرى في هذا المجال، مشيرا إلى أن المنظمات الحقوقية لن تتخاذل وستراقب عمل الجهاز في حال إعادة تفعيله وترصد الانتهاكات وتحقق فيها، حتى لا نعود إلى ما كنا عليه وكأن ثورة لم تقم!