منذ اندلاع ثورة يوليو كانت أولوياتها الاهتمام بالبعدين الإفريقي، والعربي والتحرر من الاستعمار لجميع الدول الإفريقية والعربية، وتكمن عظمة ثورة يوليو في اتجاهها نحو إفريقيا ودول العالم الثالث، حيث أكد أن قيمة ثورة يوليو التي اندلعت بعد الحرب العالمية الثانية تبلورت لاستكمال التحرر ومواجهة العالم الرأسمالي وتعزيز التوجه الاشتراكي. وجاءت أهمية الثورة لدول العالم الثالث كونها خرجت جزءا منها، وتوجهت نحو الاستقلال، وخلال العام الأول من الثورة أقيم مؤتمر "باندونج" الذي يعتبر العلامة الأولي للاستقلال الوطني، واكتسب عبد الناصر، التسلح من دول أوروبا الشرقية عام 1955، ثم تلتها عام 1956 تأميم قناة السويس. وفي عام 1956 استقلت السودان عن مصر، والذي صوره كارهو عبد الناصر على أنه تقسيم وأنه من فصل السودان عن مصر، ولكن الحقيقة غير ذلك تماما فعبد الناصر رجل عروبي آمن بالحرية واحترام حقوق الشعوب وعندما خرجت مظاهرات الشباب السوداني تطالب بالانفصال عن مصر وتتهم ناصر بأنه مستعمر جديد فأعلنها ناصر صريحة وواضحة، وقال إن مصر والسودان شعب واحد يجمعهما التاريخ والجغرافيا ولشعب السودان الحق في تقرير مصيره. وفي العام الثالث عام 1957 انعقد في مصر مؤتمر الشعوب الإفريقية الآسيوية، وأكد المؤتمر وحدة القارتين واتجاههما نحو التحرر والاستقلال، وفي أواخر العام ذاته تم الاتجاه نحو الوطن العربي وتوحيد كل من مصر وسوريا والذي اكتمل عام 1958. كما ظهر جليا علامات اتجاه ثورة يوليو نحو العالم الثالث حيث أقيم عام 1960 مؤتمر الدار البيضاء والمؤتمر الإفريقي العربي بها، وفي عام 1962 تم استقلال الجزائر وانتصار الكفاح المسلح لتحرير الشعوب بالمساعدة المصرية التي لا تنكر، ثم أنشات لجنة تحرير المستعمرات بين مصر والجزائر مع كل الدول الإفريقية وشهدت الفترة ذاتها استقلال الكونغو. ولقد وضعت ثورة يوليو القارة الإفريقية في مقدمة اهتماماتها ويكفي أن نقول إنه يوم انطلاق ثورة 23 يوليو لم يكن هناك في القارة الإفريقية سوي 5 دول فقط هي الدول المستقلة وهي مصر وليبيا وليبريا وإثيوبيا وجنوب إفريقيا. وكانت مهمة مصر على يد عبد الناصر تكمن في تحرير دول القارة الإفريقية إلي أن تحقق تحرير غانا في عام 57 وكانت غانا بداية لتحرير دول إفريقيا وجنوب الصحراء، وإلي أن جاء عام 1960 حيث شهد موجة من الاستقلال شملت عديدا من دول إفريقيا جنوب الصحراء الأمر الذي ترتب عليه دمج مجموعة برزافيل والدار البيضاء في مجموعة واحدة لتوحيد جهود القارة، وكان ذلك إيذانا لميلاد منظمة الوحدة الإفريقية في مايو 1963. واعتبر عبدالناصر أن الاستعمار هو السبب فى كل المصاعب والمشكلات التى واجهت مصر فى الداخل والخارج، وأنه عقبة فى طريق مستقبلها، وأن تصفية هذا الاستعمار بمثابة رسالة تحملها مصر، لذلك أعلنت مصر أنها تشارك أساسا فى حركة مناهضة الاستعمار فى أفريقيا. وقاومت مصر الثورة الاستعمار فى إفريقيا عن طريق تأييد ومساندة حركات التحرر الإفريقية عسكريا وإعلاميا وسياسيا فقد وقفت مصر مع كل حركات التحرير فى القارة بدون استثناء، فمن الناحية العسكرية كانت مصر أول دولة فى العالم تقدم مساعدات عسكرية لحركات التحرير، كما وفرت التدريب لكوادر هذه الحركات فى المعاهد المصرية، مثل مدرسة الصاعقة والكلية الحربية كما قامت المخابرات العامة المصرية بالإعداد والتنظيم لنقل هذه الأسلحة وتوصيلها إلى مناطق المقاومة. ولم تقتصر القاهرة على تقديم المساعدات العسكرية بل قدمت مساعدات إعلامية، حيث أنشأ عبدالناصر صوت إفريقيا فى الإذاعة المصرية على غرار صوت العرب، وكان يبث باللغة السواحيلية متوجها لكينيا وشرق إفريقيا خاصة بعد أحداث ثورة الماوماو، واعتقال الزعيم الكينى جومو كينياتا كما صممت برامج إذاعية أخرى باللغات الإفريقية المحلية لكل أجزاء إفريقيا المختلفة، ومنحت الفرصة لحركات التحرير ومكاتبها فى القاهرة لمخاطبة شعوبها مباشرة، وأصبحت مصر هى الدولة الولى فى العالم التى تتحدث باسم الثورة الأفريقية ضد الاستعمار. كما ركز عبد الناصر على كسب ود الشعوب الإفريقية كافة دون أن يخسر أحدا وقرأنا في الفترة السابقة كتابات عديدة مقارنة بين علاقة عبد الناصر بإفريقيا والرئيس المعزول محمد مرسي لكن الحقيقة لا يوجد أي وجه شبه للمقارنة فالرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان متريثاُ في قراراته وكلماته. فبعد تولى عبد الناصر طالبت حركة تحرير إريتريا الاستقلال عن إثيوبيا، فقرر عبد الناصر التريث، ولم يقدم أى نوع من المساعدات العسكرية لثوار إريتريا، بل كان موقف مصر فى تلك الفترة هو احترام وتأييد قرار الأممالمتحدة الصادر فى ديسمبر 1950 والخاص بضم إريتريا إلى إثيوبيا فى اتحاد فيدرالى، ولأن عبد الناصر كان يعى جيدا أهمية القارة السمراء، لذلك كانت من أهم دوائر السياسة الخارجية المصرية آنذاك، فكانت العلاقات المصرية الإثيوبية فى أوج قمتها فى عهد عبد الناصر والإمبراطور الإثيوبى هيلا سلاسى، حيث كان يدرك عبد الناصر أهمية منابع مياه النيل لمصر. وعن طريق الأدوات الدبلوماسية والمساعدات والتركيز على الجانب الدينى تعامل عبد الناصر مع إثيوبيا، حيث كانت الكنيسة الإثيوبية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية، بل وكانت الكنيسة الأم فى مصر ترسل القساوسة من مصر للعمل فى الكنائس الإثيوبية، فضلا على التركيز على الدعم التجارى والثقافى، وانتقال الخبراء المصريين فى مختلف المجالات إلى إثيوبيا. وقد عبر عبد الناصر عن علاقات الود القائمة بين مصر والحبشة، بحيث لا يكون مثله بين الأخوين الشقيقين، وهو يقول فى مقدمة كتاب "أضواء على الحبشة": "نحن بلدان متجاوران فى قارة ضرب عليها الاستعمار نطاقه لتكون له دون أهلها كالبقرة الحلوب، ونحن شريكان فى هذا النهر الخالد الذى يفيض الخير والبركة على شاطئيه من هضبة الحبشة إلى المصب فى البحر المتوسط، فكل ذرة من ذرات ذلك الماء المتدفق فى مجراه بين المنبع والمصب تتناجى همسا بأمانى مشتركة تلتقى عندها عواطف المصريين والسودانيين والأحباش جميعا". بذلك هدم عبد الناصر كل الآمال الأمريكية التي كانت تنعقد على مصر بعد ثورة يوليو أن تكون مصر حليفة لها ولكن جاء الرجل الذي نغص على الولاياتالمتحدة والمستعمر كل أطماعه فكلما حاولوا بسط نفوذهم أو التدخل في شئون أي دولة إفريقية يجدوا عبد الناصر سدا منيع لقوة علاقته بجيرانه وثقتهم به حتى ضجت أمريكا في هذا الوقت من عبد الناصر، حتى قال أيزنهاور رئيس أمريكا في هذا الوقت لوزير خارجيته جون فوستر دالاس أن الولاياتالمتحدة لن تسيطر على إفريقيا ولن تصل لمبتغاها إلا بالسيطرة على الفكر الناصري أو بإقصائه أو حتى باغتيال عبد الناصر نفسه. وكانت الحرب الباردة في منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وعبد الناصر بشكل شخصي مباشر، فقد ظل ناصر حارس إفريقيا والوطن العربي الأمين لذلك فلا نستغرب إذا كانت الميداين العربية والإفريقية تكتسي بصورة في أي مناسبة وطنية أو أي ثورة أو مظاهرة للمطالبة بالحق والحرية.