شهر رمضان هو شهر الصوم والصلاة في كافة أنحاء العالم وهو شهر مواجهة النفس والمصالحة. وعندما أتيت لمصر لأول مره منذ عدة سنوات، لمست عمق الروابط الأسرية وحسن الضيافة والمودة السائدة في المجتمع المصرى أثناء صيام هذا الشهر الكريم. إن الامتناع عن الملذات يشيع الطمأنينة في النفس ويقوي الروح. فنحن نمتنع عن الأشياء التي تغذينا بحيث نصل الى إدراك أعمق بالله وبنعمه. وفي الهند، التي تضم ثاني أكبر تجمع إسلامي في العالم، يصوم المسلمون خلال شهر رمضان بنفس الروح وتقام احتفالات كبيرة في عيد الفطر. ومثل كافة الاحتفالات الهندية مثل مهرجان الديوالي أو الهولي أو الكريسماس نشهد في رمضان روعة تجمع الناس معا بغض النظر عن ديانتهم أو مستواهم الاجتماعي أو اللغة التي يتحدثونها. ويقوم غير المسلمين بدعوة أصدقائهم لتناول طعام الإفطار ويتم تبادل الهدايا والتهاني ويقوم العديد من المتدينين بختم القرآن الكريم. كذلك يقوم معظم الزعماء السياسيين في الهند، بما في ذلك الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الشؤون الخارجية والأحزاب السياسية الكبرى بتنظيم موائد إفطار. وكما يحدث في مصر فإن رمضان هو وقت تتجمع فيه الأسرة ويجلس أفرادها معا ويصومون معا بعيدا عن أعباء الحياة اليومية. لقد دخل الإسلام الهند خلال حياة النبي محمد عليه الصلاة والسلام حيث انتشر هذا الدين عبر بحر العرب من خلال التجار الذين أتوا بأخبار هذا الدين الجديد العظيم. ويوجد في جنوب الهند ثاني أقدم مسجد في العالم والذي أنشئ عام 629 ميلادية. وبمرور السنين انتشر الاسلام وقام الملوك الفاتحين من وسط آسيا بتأسيس أسر حاكمة في الشمال وقد حكمت إحداها، وهي الامبراطورية المغولية، لأكثر من 300 عام وسيطرت على مساحات شاسعة من الأرض. وقد شهدت الحقبة المغولية ازدهارا في الفنون والعمارة حيث شاهدنا إنشاء تاج محل الرائع كما شهدت تلك الحقبة تقدما اقتصاديا وتسامح ديني. واليوم، يعتبر الاسلام عنصرا هاما من عناصر النسيج الهندي ويمثل عامل إثراء لكل أوجه الحياة سواء مجال الأعمال أو التجارة أو السينما أو الفنون أو السياسة. ويتمسك المسلمون في كافة أنحاء الهند بفضائل دينهم ويمتزجون في إطار الثقافة الهندية المركبة. ويرى غالبية الهنود، سواء كانوا من الهندوس أو المسلمين او السيخ أو المسيحيين، أنفسهم جزء لا يتجزأ من الهند ويؤمنون بأن تقدمهم ورفاهيتهم لا تحدد بناء على طبيعة معتقداتهم لكن تحددها مواهبهم واجتهادهم في العمل. وفي هذه الفترة التي تشهد فيها مصر عملية تحول صعبة، تتمنى الهند الخير لمصر ونسأل الله ان يكون رمضان وقتا للمشاركة والمصالحة والبهجة وهي نِعَم حقيقية من نِعَم هذا الشهر الفضيل. السفير الهندي بالقاهرة
