لم يكن مثيراً للدهشة هرولة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين إلى عقد اجتماع في تركيا عقب الضربة التي تلقاها فرع الجماعة في مصر بالإطاحة الشعبية بالرئيس المعزول محمد مرسي وجماعته من الحكم في مصر، والأجدر القول إن عدم انعقاد ذلك الاجتماع السري كان إشارة قوية على غموض ما يكتنف المشهد، وأن كلاما محذوفا من النص بحيث لا تستقيم القراءة نصا وروحا بدونه، وذلك بالنظر إلى غياب أو تأخر رد الفعل من قبل هذا النوع من التنظيمات المافيوية والتي تعلو طموحاتها الأممية فوق أي اعتبارات وطنية، ووفق هذا القصد فإنها لا تركن إلى ما تعتبره هزيمة مؤقتة في جولة يتبعها جولات أخرى، ومن ثم يكون الحل الجاهز عندها هو اتخاذ الحيطة ب أساليب تكسبها مناعة ضد الانشقاقات وآليات توقف نزيف مشروعها المعادي للدولة الوطنية. على أية حال، ووفقا لتسريبات موثقة تداولتها وسائل الإعلام العالمية، فقد انعقد هذا الاجتماع في مدينة اسطنبول التركية (تحت الرعاية الأردوغانية الخفية) وخلف ستار ما يسمى ب"المركز الدولي للدراسات والتدريب" بمشاركة قادة التنظيم في الدول العربية والأوروبية، وقد أبرزت وثيقة صادرة عن هذا الاجتماع عددا من المخاطر المحتملة على مستقبل الجماعة، منها تزايد مشاعر الاضطهاد والاضطرار إلى العودة للعمل السري، وصعوبة السيطرة على ردود التيار المؤيد والمتمسك بما توصف ب"شرعية مرسي" خاصة بين شباب الإخوان، وحدوث انشقاقات داخل الجماعة بخروج بعض شباب الإخوان على قيادة الجماعة بحجة أنها تسببت في صدام مع الجيش والقوى السياسية الأخرى، أما فيما يتعلق بالمخاوف حول مستقبل الجماعة خارج مصر فقد اعتبرت الوثيقة أن ما حدث سوف يعزز موقف التيار المتشدد المعارض للإخوان المسلمين في الدول الأخرى، كما سينعكس سلبا على فروع الجماعة في كل دول العالم، وأنه وجه ضربة قوية للتحالف بين حماس والإخوان المسلمين، إضافة إلى تراجع الدعم لما يوصف ب(الثورة السورية) وإطالة عمر حكومة بشار الأسد. الخطير ما كشفته تلك الوثيقة الصادرة عن هذا المحفل الماسوني المشبوه، هو التوصية بعدد من السيناريوهات من أهمها العمل على إحداث صدع وانقسامات في الجيش المصري، من بوابة إبراز أي انقسام بين قيادات الجيش، والوصول لولاءات داخل المؤسسة العسكرية عبر مضامين إعلامية تطمينية، فضلا عن التركيز على مواقف الأحزاب والشخصيات التي تعتبر ما حدث انقلابا عسكريا، وإبراز مواقف المؤسسات الدولية التي اعتبرت ما حدث انقلابا عسكريا، والتركيز على مطالبة بعض أعضاء الكونجرس الأميركي بوقف المساعدات للجيش المصري، وتشير الوثيقة تحديدا هنا إلى جهود السناتور جون ماكين. والقدر المتيقن من الصواب، أن ما بين مخاوف التنظيم (الإخواني) الدولي على وجوده، وبين سيناريوهاته الكارثية (الكرتونية) لضعضعة العمود الأهم للدولة المصرية وهو جيشها العربي المصري، ودفع مصر إلى ما يشبه السيناريو السوري، يبدو واضحا للعيان مساحات الإفلاس الواسعة التي تستبد بقيادات التنظيم، ولجوئها إلى خيار شمشون في التعامل مع الأزمة، حتى بدا بارزا الدفع من بعض أذرعها الإعلامية في حديث ساذج سمج عن (جيش مصري حر) على غرار السوري، وهو ما لا ينبئ فقط بنزعة تآمرية تكشف أوراقها ووجهها القبيح في مصر بعد أن انفضحت في سوريا الحبيبة، لكن أيضا بلاهة وجهل إخوانيين بطبيعة الجيش العربي المصري والدولة المصرية الذي وإن كنا اختلفنا على أدائه السياسي خلال الفترة الانتقالية عقب ال25 من يناير، وتعرضه لابتزاز التحالفات التاريخية لما بعد كامب ديفيد، إلا أن الصدق مع النفس يقضي الاعتراف بأن قيادته الجديدة قدمت عربونا للثقة إلى جموع واسعة من المصريين، وأعادت تصحيح بعضا من متراكمات أخطاء المرحلة السابقة، ولقنت أميركا ووكلاءها المحليين في الداخل المصري درسا في الانحياز لإرادة الشعب، وحافظت بذلك على تماسك الجيش وقوته ومنعته، وتحاول العبور به حاليا إلى بر الأمان في ظل أنواء ومؤامرات (الخريف العربي). لقد وعى الجيش المصري جيدا حقيقة ما يحاك من مؤامرات في المنطقة وعلى رأسها الدرس السوري وأدرك منذ اللحظة الأولى لتولي مرسي وجماعته الحكم أن احترامه للإرادة الشعبية لا يعني تجاهل أن حلما أمميا هلاميا يتحدى تجربة مصر الديمقراطية الوليدة، وأن اختراقا ما قد حدث لمنظومة الأمن القومي المصري، فمعلوم أنه بعد وصول الإخوان للحكم تم زرع بعض أعضاء التنظيم الدولي المدربين تدريبا استخباراتيا عاليا في تركيا داخل مؤسسة الرئاسة تحت واجهات سكرتارية ومديري مكاتب، مما أتاح لملفات الدولة المصرية الحساسة أن تكون في متناول يد تلك العناصر وداعميها، وبدا أن صراع الدولة المصرية العتيدة بهويتها التاريخية مع التنظيم الدولي الإخواني بمشروعه التآمري وداعميه الغربيين، أكثر غليانا واستعارا من صراع الفاشية بستارها الديني والديمقراطية بحلمها الذي تبدد بعد انتخاب مرسي، وكان جزء كبير من المناعة التي اكتسبتها مؤسسات الدولة وفي قلبها الجيش ضد هذا الاختراق هي الفهم لطبيعة (حروب الجيل الرابع) أو استراتيجية (دمر نفسك بنفسك)، وكان هذا الفهم واضحا من خلال التعامل الحرفي مع الحرب الإعلامية التي دشنتها جماعة الإخوان، سواء بإشاعة أخبار انشقاقات مفبركة للجيش المصري، أو باتهام إخواني للأجهزة الأمنية بالضلوع وراء هجمات في سيناء هي في حقيقة الأمر من تدبير حلفائها الجهاديين والتكفيريين في سيناء. لقد مثل البيان الأخير لقائد الجيش المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي وما شرح فيه من تفاصيل لما حدث على مدار عام كامل وثيقة استراتيجية تاريخية تؤكد وعي المؤسسة العسكرية المصرية وقيادتها بدور مصر وقيمتها وعمقها الحضاري والثقافي، وهي مسألة أخرجت الصراع الدائر حاليا من خانة حوار الانتشار لمدافع ودبابات وجنود، إلى صراع من أجل بقاء وهوية الدولة المصرية وامتدادها القومي الأصيل، ولن أمل التكرار أن ذلك يرتبط بشكل كبير بالتخلص من أعباء ما بعد كامب ديفيد التي أثقلت كاهل السياسية المصرية، ووضعت المصريين اليوم أمام اختبار وجودي صعب بين (أكون) أو (لا أكون)!