كان الأربعاء الموافق 26 يونيو، لحظة فارقة بالنسبة إلى قادة الجيش في مصر، ففي ذلك اليوم التقى كبار القادة بالرئيس "محمد مرسي"، وتحدثوا معه بصراحة مؤلمة وأبلغوه بما ينبغي له قوله في الكلمة التي كان من المقرر أن يوجهها للشعب مع تصاعد الاحتجاجات في أنحاء البلاد. ووفقا لما جاء في تقرير "رويترز" أمس، فقد قال ضابط كان حاضرا في الغرفة التي عقد فيها الاجتماع، رفض نشر اسمه بسبب حساسية الوضع، "طلبنا منه أن يكون الخطاب قصيرا وأن يستجيب لمطالب المعارضة بتشكيل حكومة ائتلافية، ويعدل الدستور وأن يحدد إطارا زمنيا لهذين الأمرين، لكنه خرج بخطاب طويل جدا لم يقل فيه شيئا، وعندها عرفنا أنه لا ينوي إصلاح الوضع، وأن علينا الاستعداد للخطة الاحتياطية"، وأضاف الضابط، "كنا مستعدين لكل الاحتمالات من العنف في الشوارع، إلى اشتباكات واسعة النطاق، وجهزنا القوات لهذين الاحتمالين". وقال مصدر عسكري إنه في مكالمة أخيرة مع القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول "عبد الفتاح السيسي" يوم الأربعاء، فإن الرئيس ضحك استخفافا بالمظاهرات الحاشدة التي نظمها المعارضون له، وعقب ذلك ومع خروج الملايين إلى الشوارع نفذ الجيش خطته فاحتجز "مرسي" في مجمع الحرس الجمهوري، وألقى القبض على قيادات رئيسية في جماعة الإخوان المسلمين، وتولى السيطرة على عدد من الأجهزة الإعلامية. لكن العلاقات بين مرسي وقادة الجيش الجدد تدهورت خلال شهور من تنصيبه، بل إن نجاح مرسي في التفاوض على وقف لإطلاق النار بين "إسرائيل" وحركة "حماس" التي تدير قطاع غزة أثار استياء العسكريين، وقال المصدر الأمني "تدخل مرسي في حرب غزة جعل مصر ضامنا لعدم قيام حماس بأي هجمات على إسرائيل، وهذا يمثل تهديدا للأمن القومي المصري لأنه إذا شنت حماس هجوما فقد يدفع ذلك إسرائيل لرد انتقامي من مصر". كما تحدث مرسي عن احتمال مشاركة مصر في "الجهاد" للإطاحة بالرئيس السوري "بشار الأسد"، وأثار احتمال القيام بعمل عسكري ضد سد "إثيوبيا"، ونتيجة لذلك زاد ارتياب قيادة الجيش فيه، إذ رأت أنه يخاطر بإشراكها في صراعات دون التشاور الواجب مع كبار القادة، وشعر القادة العسكريون بقلق لا يقل شدة إزاء الاستقطاب السياسي والطائفي في مصر في ظل التدهور الاقتصادي الحاد، وتزايد قلق القوات المسلحة المصرية لما رأوه من خطر وصول الأمر في مصر إلى حد الحرب الأهلية. وانطلاقا من الغضب الذي شعر به المصريون إزاء مساعي الإخوان للاستحواذ على السلطة، خرج الملايين مرددين هتاف "ارحل"، واجتذبت المظاهرات المضادة التي نظمها مؤيدو مرسي بضعة مئات الآلاف فقط، وفي اليوم التالي لمظاهرات 30 يونيو، حدد "السيسي" مهلة مدتها 48 ساعة لمرسي، فإما الاستجابة لمطالب المتظاهرين، وإما إفساح المجال أمام الجيش لطرح خريطة طريق أخرى. وقال مصدر عسكري اطلع على التفاصيل، "توجه الفريق أول السيسي إلي الرئيس، وقال لنا عندما عاد إنه لا يصدق ما يحدث، وقال إن المحتجين بين 130 و160 ألفا فقط، قلت له: لا سيادتك إنهم أكثر بكثير من ذلك وعليك أن تستمع لمطالبهم". وأضاف المصدر "في الاجتماع الثاني ذهب السيسي ومعه تسجيل فيديو للاحتجاجات أعده الجيش وقال له، "سيادتك الوضع خرج عن السيطرة واقتراحاتك لتغيير الحكومة وتعديل الدستور الآن فات أوانها، ولن ترضي الشارع، أقترح أن تدعو لاستفتاء على استمرارك في الحكم، لكنه رفض وقال إن ذلك غير دستوري ومخالف للشرعية". وأمام رفض الرئيس كثف "السيسي" اتصالاته ب"محمد البرادعي" الذي اختارته جبهة الإنقاذ الوطني للتفاوض مع الجيش، والقيادات الدينية للمسلمين والمسيحيين، المتمثلة في الإمام الأكبر "أحمد الطيب" شيخ الأزهر، والبابا "تواضروس" رأس الكنيسة القبطية، وكان الاثنان قد أيدا حركة الاحتجاج علانية، كما أشرك قائد الجيش مؤسسي حركة "تمرد" وحزب النور السلفي. والتقى الجميع بمقر المخابرات العسكرية في شارع الثورة يوم الأربعاء، 3 يوليو، الذي انتهى فيه إنذار الجيش لمرسي لرسم خارطة طريق لمرحلة انتقالية ثانية، واستمر الاجتماع نحو ست ساعات وتبنى الجيش الخطة التي اقترحتها حركة تمرد، ووافقت عليها جبهة الإنقاذ. وقال المصدر العسكري "حاول الفريق أول السيسي الاتصال بزعيم الإخوان المسلمين، لاقتراح خيار الاستفتاء، لكنه رفض الحضور هو وآخرون". ويوم الأحد الماضي احتشد ما لا يقل عن نصف مليون متظاهر في ميدان التحرير، وخرج ملايين آخرون في مختلف أنحاء البلاد، وقدم الجيش لقطات مصورة من الجو للحشود الضخمة المعترضة على مرسي لمحطات التليفزيون لإبراز حجم الدعم الشعبي لعزله، وقال المصدر العسكري "أصبح لدينا الآن حرب إعلامية مع الإخوان المسلمين". وعندما رد "مرسي" على إنذار السيسي ورفض مطلب الجيش، وقال إنه سيواصل السير في خططه الخاصة بالمصالحة الوطنية، وقالت رئاسة الجمهورية إن الرئيس لم يستشر في البيان الذي أصدرته القوات المسلحة. وكان مرسي قد نقل إلى قصر القبة الجمهوري حفاظا على سلامته بعد أن حاصر المحتجون مقر الرئاسة في قصر الاتحادية، ويوم الأربعاء نقل مرسي إلى مكتبه الاحتياطي في مجمع الحرس الجمهوري بالقاهرة، وفي آخر أيامه في منصبه تشاور مرسي مع مساعديه وظل يعمل كالمعتاد وكأنه لا يدرك شيئا عن سقوطه الوشيك. وفي السادسة مساء بعد ساعة من انتهاء المهلة، قال المستشار الإعلامي لمرسي "ياسر هدارة"، هاتفيا من داخل المجمع "الرئيس ما زال هو الرئيس ومازال يجلس في مكتبه مع فريقه"، وأضاف "الجو العام في الواقع مريح، والناس تواصل العمل". وقال المصدر العسكري إن "السيسي" اتصل ب"مرسي" الساعة السابعة مساء، وطلب منه للمرة الأخيرة أن يوافق على الاستفتاء على البقاء في منصبه أو تسليم السلطة لرئيس البرلمان، ولكنه اعترض فقال له "السيسي" إنه "لم يعد رئيسا"، وتم احتجاز مرسي ومستشار الشئون الخارجية "عصام الحداد" في المجمع، وقيل لهما إنه لا يمكنهما المغادرة لسلامتهما الشخصية.