"المصائب لا تأتى فرادى" صدقت هذه المقولة عندما نلاحظ أن مصر تفقد علماءها وفنانيها ومثقفيها، وكأنهم لم يحتملوا المشهد العبثى الذى تشهده الحياة السياسية المصرية الآن، والأزمة الكبرى أن من فقدتهم مصر ثلاث من أهم قيادات الحركة النسوية المصرية اللائي لهن إسهامات جليلة على مدار القرن العشرين والحادي عشرين، فى ظل ظروف استثنائية تعانى فيها المرأة المصرية من اضطهاد وعنف وخطاب مُعادٍ وعنيف من التيارات الإسلامية التى وصلت لسدة الحكم. حيث شهدت الشهور القليلة الماضية رحيل قامات نسائية قديرة أسهمت فى تاريخ الحركة الوطنية المصرية، بالإضافة الى دفاعهن عن حقوق المرأة، وهن د. زينب رضوان، ود.عائشة راتب، والناشطة أمل محمود. ومن ثم جاء تأبين المجلس القومى للمرأة لهؤلاء السيدات العظيمات، ورصد "البديل" ردود أفعال المهتمين بالدفاع عن حقوق المرأة وشعور أبناء هذه القامات النسائية الرفيعة بما قدموه للمجتمع من إسهامات علمية واجتماعية. تقول السفيرة مرفت تلاوى رئيس المجلس القومى للمرأة إنه ليس مجرد حفل تأبين، بل هو احتفال واعتراف بفضل هؤلاء السيدات الثلاث الفضليات اللاتى ساهمن فى نهضة مصر، ويمثلن نماذج عظيمة للمرأة المصرية التى لعبت دورًا فى مجتمعها المحلى والدولى، فالدكتورة عائشة عبد الهادى كانت أستاذة قانون وسفيرة وكاتبة، وأثرت الحضارة الإنسانية بكتابات وتحليلات سياسية أدركنا معناها اليوم، عندما نادت بفصل الدين عن السياسة. وأشارت إلى أن د. زينب رضوان ساهمت من خلال كتبها فى تصحيح الصورة المشوهه المأخوذة عن المرأة فى الإسلام، واستعرضت فى أشهر كتبها "المرأة فى المنظور الإسلامى" الذى حرصت أن يراجعه شيخ الأزهر الأسبق الشيخ جاد الحق على جاد الحق، وأن تحصل على الموافقة منه، وقامت من خلاله بتوضيح الحقوق التى منحتها الشريعة للمرأة والتى لا تضاهى بأى قوانين أو اتفاقيات دولية، وكانت الصوت الصارخ والقوى ضد الإرهاب والتطرف الدينى الذى كان وما زال ينبذ المرأة. وأضافت تلاوي أن الناشطة النسوية أمل محمود لعبت دورًا كبيرًا فى مجال الحركة النسائية والسياسية، فكانت من قيادات الحركة الطلابية بالسبعينيات، بل أثرت الحركة النسوية من خلال نشاطها الكبير عبر منظمات المجتمع المدنى، ومن ثم فإن إبراز هذه النماذج الناجحة يساهم فى توضيح مدى المساهمة الإيجابية للمرأة المصرية واستلهام هذه التجارب حاضرًا ومستقبلاً، خاصة فى ظل الهجمات الظلامية الشرسة التى يتفوه بها تجار الدين. ويتفق معها د. محمود ليلة نجل الدكتورة زينب رضوان على أنها كرست حياتها كلها لدحض المفاهيم الخاطئة التى تم إلصاقها بالإسلام فيما يتعلق بحياة المرأة وحقوقها وحرياتها، وأنها حاولت أن تؤكد فى كتبها أن الإسلام تبنى رؤية وسطية وحضارية وعالمية قبل أن تولد الرؤى الأخرى، وأن الشريعة الإسلامية جات لتعديل أوضاع وممارسات خاطئة كانت تتخذ ضد المرأة فى العصور الجاهلية. وأضاف ليلة أن والدته كانت تتمنى أن تتم ترجمة أفكارها إلى قوانين من أجل تمكين المرأة المصرية من حقوقها التى كفلها الشرع، وبالفعل تحقق جزء من هذه الطموحات على مستوى القوانين الخاصة بحقوق الطفل وحقوق المرأة فيما يتصل بقضايا الخلع. وأشار إلى ضرورة استكمال المجلس القومى للمرأة فى دفاعه عن قضايا المرأة والمكتسبات التى حققتها المرأة طوال السنوات الماضية، أما على المستوى العائلى فستقوم أسرة زينب رضوان بإعادة طبع كتبها، وإمكانية إطلاق صفحة باسمها على شبكات التواصل الاجتماعى تساهم فى التوعية بحقوق المرأة وقضايا وكيف تعامل الإسلام مع هذه القضايا، مؤكدًا أنه يلعب دورًا فى نشر أفكارها التى قضته عمرها دفاعًا عنها، فضلاً عن دعم المجتمع فى معركته ضد الأفكار السلبية المعادية للمرأة. ويقول الدكتور صالح شريف نجل د. عائشة راتب "من السمات الأساسية لوالدتى أنها كانت تتقن عملها على المستوى الشخصى والمهنى، وكانت الأخلاق والمبادئ هى القاعدة الأساسية لنهج حياتها والتى زرعتها فى أولادها وأحفادها أيضًا، ومن ثم استطاعت أن تؤدى رسالتها على أكمل وجه، فخدمت الصالح العام فى أى منصب تولته، وقبل المناصب كانت السيدة الأولى التى ناضلت ورفعت القضايا من أجل أن تنال المرأة حقها فى منصب القضاء". وأضاف أنه رغم قوة شخصية عائشة راتب، إلا أنها كانت أمًّا حنونًا على أولادها وأحفادها، ومن نصائحها الدائمة ضرورة الاستماع إلى الآراء المتعددة وقبول الآخر، وكانت ترفض بشدة وصف المرأة بأنها كيان ضعيف، وأنها تابع للرجل، وكانت تثق دائمًا فى قدرة المرأة وعطائها وتميزها وأنها لا تقل قيمة عن الرجل. وأكد شريف أن والداته كانت تحذر فى كتابتها من خلط الدين بالسياسية فى الحكم، وكأنها تتوقع ما يحدث الآن فى مصر من مشكلات نتجت عن المتاجرة بالدين واستخدامه فى الدعاية السياسية، مؤكدة أن مستقبل الأمم يتحقق بالإصلاح والتحديث والمساواة بين المواطنين رجالاً ونساء ومسيحين ومسلمين. وتقول مى الخولى ابنة الناشطة النسوية أمل محمود إن والدتها تمثل حلقة من سلسلة طويلة لنضال المرأة المصرية فى دفاعها المستميت عن حقوقها بل وحقوق المجتمع كله منذ ثورة 1919 عندما خرجت الست المصرية أمام المحتل، مشيرة إلى أن أولئك السيدات أردن بصدق تحسين وضع المرأة المصرية، وان يضمنَّ لها العدالة والحرية والمساواة. وأضافت أن والدتها ترتبت فى أسرة مناضلة بالأساس، فوالدتها زينب الملاونى، وشجعت هذه الأجواء الثورية والمدافعة عن هموم المصريين فى منزل عائلتها، إلى جانب انخراطها فى العمل العام، فكانت من قيادات الحركة الطلابية فى السبعينيات، وعندما قامت الحرب أرادت أن تشترك فى المقاومة المسلحة وعدم تنميط دورها فى العمل الطبى والتمريض للجرحى والمصابين فقط، وعندما التحقت بنقابة الصحفيين أقدمت على العمل النقابى بجسارة، وكانت تواجه بحرب شعواء من زملائها الرجال؛ نظرًا لنجاحها الذى حققته فى مجال نقابى ترسخ فى أذهان الكثيرين أنه حكر على الرجال. بينما ترى الكاتبة الصحفية منى رجب أن رحيل ثلاث سيدات من قمم النماذح النسائية المصرية مثل عائشة راتب وزينب رضوان وأمل محمود يذكرنا بضرورة مواصلة نضال هؤلاء السيدات وكفاحهن ضد الهجمة الشرسة التى تعانى منها المرأة من أصحاب الخطاب الدينى المتشدد الذى يعمل على ازدرائها وبث الكراهية والعنف ضدها. وأضافت "أننا يجب أن نستمر فى مطالبنا نحو دستور جديد يكفل الحقوق والحريات لجميع المواطنين بدون تفرقة على أساس الجنس والعرق، والتمسك بكل القوانين التى تمنح المرأة حقوقها، والتى بالأساس مستمدة من الشريعة الوسطية السمحة، وأن يتوازى مع هذه الجهود والمطالب تنمية وعى الشاعر المصرى رجالاً ونساء بأهمية الحياة الكريمة لكلا الطرفين. أما عن رأيها فى دعوة أعضاء الحرية والعدالة بمجلس الشورى إلى حل المجلس القومى للمرأة؛ بحجة أنه مجلس ينتمى للنظام السابق، نفت رجب هذه الادعاءات، مؤكدة أن كل المكتسبات التى حققتها المرأة المصرية قبل الثورة كانت بفضل نضالها ودعم المؤيدين لها من قيادات الحركة النسائية ورجال مناصرين لقضاياها وجمعيات حقوقية، وأعربت أن هذه الدعوات ليست جديدة على النظام الحاكم، وأن المجتمع المصرى رجالاً ونساءً أصبح فى محنة الآن مع الأسلوب الذى يتبعه الإخوان المسلمون من قمع للحريات وإهدار لحقوق المواطن المصرى، حتى وصل غضب الشعب إلى مرحلة سينفجر فيها لا محالة، وهذه المرحلة ستكون فيها نساء مصر قبل رجالها. تجدر الإشارة إلى أن الدكتورة عائشة راتب من مواليد فبراير 1928، وتوفيت فى مايو 2013، وهى أستاذة القانون بجامعة القاهرة وأول من رفعت دعوى قضائية تطالب فيها بدخول المرأة المصرية القضاء، وهى ثانى وزيرة مصرية للشئون الاجتماعية بعد الوزيرة حكمت أبو زيد، وأول سفيرة مصرية يتم تعيينها بقرار جمهورى كسفيرة لمصر فى ألمانيا والدنمارك. أما الدكتورة زينب رضوان فمن مواليد نوفمبر 1943، ورحلت في مارس 2013. شغلت منصب عميدة كلية الدراسات العربية والإسلامية الأسبق، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ووكيلة مجلس الشعب السابقة، ومؤلفة العديد من الكتب فى الفكر والفقه والشريعة. تميزت بالعمق والأصالة. والناشطة أمل محمود رحلت فى مايو الماضى، وهي إحدى القيادات الوطنية النسائية وإحدى قيادات الحركة الطلابية بجامعة عين شمس وأمينة المرأة فى الحزب الناصري سابقًا وأمينة ملتقى تنمية المرأة. تلاوي :ثلاث سيدات ساهمن في نهضة مصر والوقوف ضد التطرف نجل عائشة راتب: والدتى نادت بفصل الدين عن السياسة فى الحكم وكأنها توقعت ما يحدث الآن نجل زينب رضوان: كتاباتها ساهمت فى دحض الصورة المشوهة عن حقوق المرأة فى الإسلام ابنة أمل محمود: والدتى أرادات أن تنضم للمقاومة المسلحة فى حرب 1973وليس التمريض منى رجب: الشعب وصل غضبه للانفجار.. وستكون نساء مصر قبل رجالها فى هذه المرحلة