أوضح الكاتب التركي والحائز على جائزة نوبل في الأدب " أورهان باموق" في مقال مطول له نشرته الصحيفة الفرنسية " لو موند " أن الأحداث التي تقع في تركيا تعكس مدى ارتباط المواطن التركي بالبيئة التي يعيش فيها. وبدأ "باموق" مقاله :" كي تتضح طبيعة الأحداث التي تهز اسطنبول وكي نفهم هؤلاء المتظاهرين الذين يقاومون أعمال العنف التي تمارسها ضدهم قوات الأمن بثبات والتي تمطرهم بقنابل الغاز، دعوني أذكر لكم شيئا من ذكرياتي الشخصية". ويستكمل الكاتب التركي : في " اسطنبول ذكريات مدينة "، ذكرت أن كل أسرتي كانت تعيش في مبنى واحد يطل على ميدان نيسانتسي، وأمام المبنى كانت تقع شجرة كستناء عمرها خمسون عام. وفي عام 1957 قررت البلدية قطع هذه الشجرة لتوسيع الطريق، متجاهلة بغطرسة رفض السكان، وفي اليوم الذي تقرر إسقاط الشجرة، تجمع والدي وعمي وأقربائي أمام الشجرة لمدة يوم كامل وليلة كاملة من أجل حماية الشجرة، نحن استطعنا أن نحمي شجرتنا، ولكننا أيضا من خلال ذلك بنينا ذاكرة مشتركة تقربنا. ويستطرد باموق: اليوم فإن ميدان تقسيم يمثل شجرة كستناء اسطنبول، والمهم في أن يبقى، فأنا الذي أعيش في اسطنبول منذ 60 عاما لا أجد شخصا في هذه المدينة إلا وله ذكرى ترتبط بميدان تقسيم الذي تسعى الحكومة إلى تحويله مجمع تجاري. ويشير "باموق" إلى أن ميدان تقسيم يشكل أهمية كبيرة لدى الإسطنبوليين، ففي سبعينيات القرن المنصرم كان ميدان تقسيم يستقبل احتفالات العمال التي تنظمها النقابات أو منظمات تابعة للأمم المتحدة، كما شهد الميدان أيضا مقتل 42 شخصا اثناء مسيرات اعتراض ضد السلطة في 1977، كما كانت الأحزاب السياسية بكل طوائفها سواء يسارية، يمينية، وطنية ومحافظة تعقد اجتماعاتها على أطراف هذا الميدان. ويتابع "باموق" حديثه قائلا، بأن هذا العام منعت الحكومة موكب الاحتفال بعيد العمل يمر من الميدان، غير أن القرار الحكوي الأخير ببناء مجمع في هذا الميدان لاقى رفضا من الجميع الذي رفض أن تتحول آخر قطعة خضراء في المدينة تتحول إلى مبنى. ويختتم "باموق": أن عملية تحويل حديقة خضراء تتعلق بذاكرة الملايين من سكان المدينة، وكذلك بدء هذه الأعمال بقطع الأشجار دون استشارة سكان اسطنبول يعتبرا خطأ كبيرا من قبل حكومة رجب طيب أردوغان. وهذا الموقف يشهد بالتأكيد على وجود تحول استبدادي، كما أن حقوق الإنسان في تركيا لم تكن على مثل هذه الحالة التي يرثى لها قبل مجيء أردوغان ولكن " عاودني الأمل مرة أخرى عندما رأيت شعب اسطنبول قرر بأن يطالب بحقوقه وبذاكرته في ميدان تقسيم ".