قديمًا كانت السيرة الهلالية وعازف الربابة من التراث المصري الذي اشتهرت به مدن الصعيد.. ولكن اليوم أبناء "بني هلال" يعيشون بين أساطير وبطولات الماضي والواقع المرير في الحاضر. تعد قبيلة بني هلال أحد أشهر القبائل بجنوب جمهورية مصر العربية حيث يتمركز أبناء بني هلال في ثلاثة مناطق بمحافظة أسوان، فأكبر تجمعاتهم بشرق مدينة أسوان في مناطق "الحكروب، والناصرية وخور عواضة والسيل والشيخ هارون وفي أجزاء متفرقة من مدينة كوم امبو وقرية العتمور بكوم امبو"، وفي مركز إدفو، حيث تتمركز "الهلايل" بحاجر أبو خليفة وحاجر إدفو ونجع هلال وبجوار عمارات الأمن بمدينة إدفو، ويعمل نسبة كبيرة من السكان في الحرف اليدوية والتجارة و"الحنطور" وبيع منتجات الألبان والرعي والخردة. فيما تنشب بين "الهلايل" وبقية عائلات وقبائل أسوان مناوشات لاتنتهي ويستخدم فيها السلاح الآلي أحيانا وخاصة بمنطقة شرق مدينة أسوان، غير أن معظم الاحتكاكات تكون مع النوبيين وأبناء قوص كما تنشب مناوشات بين "الهلايل" وبين قبيلة "العبابدة" بمركز إدفو بسبب الأراضي مما أعطي انطباعا عاما لدى البعض بأنهم حادين المزاج ومما حدا بأصحاب الأعمال عدم إلحاق أيا من أبنائهم في وظائف لديهم تجنبا لأي احتكاكات مما جعلهم شبه "معزولين". "البديل" رصدت معاناة أبناء القبيلة، خلال جولتها بمحافظة أسوان، والتقت أهالي "الهلايل" للوقوف على معاناتهم وكيفية معيشتهم الآن. في البداية يقول "محمد أحمد" حاصل علي دبلوم صناعة من مدينة أسوان من أبناء قومية بني هلال،"إنه حاول أن يلتحق بأي عمل لدى الشركات والمحلات التجارية بمدينة أسوان هو وغيره من شباب الهلايل وكان السؤال الذي يتم طرحه عليهم، إلي أي عائلة تنتمون؟ ، وما أن يقولوا إنهم من "الهلايل" ينتهي الحوار مع صاحب العمل. أضاف "محمد" أنه اضطر للعمل كبائع متجول في بادئ الأمر في مجال الخردة وبعد الملاحقات الأمنية التي لم تفرق بين التجار المحترمين والشرفاء - على حد وصفه - وبين اللصوص والبلطجية، ترك هذه المهنة واضطر للعمل كعامل نظافة، مشيرًا إلي أنه تم تسريحه، مضيفًا أنهم حاولوا مرارا التواصل مع أعضاء مجلس الشورى والقيادات التنفيذية في المحافظة دون جدوى، قائلاً :"إن أبناء القبائل يخدمون بعضهم البعض فقد". فيما يرى "سعيد محمود" - باحث في علم الاجتماع -:"إن انتشار الأمية والتسرب من التعلم ساهما في الدفع بنسبة كبيرة من أبناء قبيلة بني هلال إلي الشارع في مرحلة مبكرة، مما انعكس علي أخلاقيات شريحة من الشباب والمراهقين فيما بعد، وهو ما يؤكده ارتكاب الأطفال والصبية للجرائم . وأوضح "صالح السيد" - من قيادات قبيلة الجعافرة بأسوان - أن أبناء أسوان دائما يدًا واحدة ويجتمعون على قلب رجل واحد، والجميع يعيشون في سلام منذ مئات السنين ولا يوجد تفرقة، وأن ما يحدث من مشاكل كل فترة بأسوان هي تصرفات فردية تحدث بين أبناء القبيلة الواحدة. وفيما يخص المشاكل التي تكون قبيلة "الهلايل" طرفا فيها، يرى "صالح" أن معدلها طبيعي مثل أي مشاجرات تحدث في أي منطقة في الصعيد، كما أن استخدام الأسلحة النارية والبيضاء ليس بجديد على المشاجرات بين العائلات في الصعيد، مؤكدًا أن أغلب المشاكل يتم حلها عن طريق الجلسات العرفية وعوا قل العائلات. وعن سياسية التهميش التي يعانيها أفراد "الهلايل"، يرى "فتحي أسامة" – أخصائي اجتماعي - ، أن إحساس بني هلال بالعزلة والتهميش يجعل شريحة منهم تحاول رفض هذا الواقع الذي يعتبروه مرير، باعتبار أنهم قبيلة عربية ولها أصولها التاريخية وصاحبة أسطورة "أبو زيد الهلالي"، كل ذلك يجعل المواطن الهلالي بأسوان حريص دائما علي الظهور في كل الأوساط وكان لهذا الدافع جوانب إيجابية حيث نبغ الكثير من أبناء "الهلايل" ومنهم قيادات وحاصلين علي مؤهلات عليا وأطباء وضباط. وأشار "فتحي" إلي أن المعالجة الأمنية للمناوشات القبلية التي تنشب في مدينة أسوان ويكون أحد أطرافها "الهلايل" تأتي بنتائج سلبية وتزيد من حالة الاحتقان، لعدم وجود حلول جذرية للمشاكل، وتشير الإحصائيات إلى أن أحد أسباب المشاجرات التي نشبت وكان طرف فيها "الهلايل" بسبب أولوية الحصول علي البوتاجاز كما حدث أكثر من مرة بمنطقة "السيل" وبسبب العيش بمنطقة "الجزيرة" بمدخل مدينة أسوان.