حضارةٌ مبعثرةٌ فوقَ الرمالِ، تقذفُ بِبَقَايَاهَا الرِّيَاحُ حَيْثَمَا تَشَاءُ، تلك هي الحَضَارَةُ المِصْرِيَّةُ بعدما نهبَهَا اللصوصُ على مرِّ الزمانِ، وأهملتها الأنظمةُ المتعاقبةُ. يقع موقع"أبو صير الملق" بمحافظة بني سويف، وتبلغ مساحته 160 فدانًا، و يعتبر أحد أهم تلالِ الآثارِ المصريةِ الغنيةِ بالقطعِ الأثريةِ الشاهده على عصورِ عديدة، تمتد من عصر ما قبل الأسرات، مرورا بعصر الهكسوس والعصر اليوناني الروماني وآخرها العصر القبطي. وبالرغم من أهمية الموقع التاريخية، إلا أن اللصوص نهبوه تاركينَ خلفَهُمْ أطلالًا تغمرها هياكلَ عظميةٍ لأصحاب تلك الحضارة التي عظمها العَالَمُ، و لم يكتفِوا بنهبِ القطعِ الأثريةِ، بل دفعهم الجشعُ إلى تدميرِ الجباناتِ الأثريةِ ونشر الحجارة التي تحمل الكتابات والرسومات الفرعونية. ودفع الهوس بالعثور علي القطع الأثرية اللصوص للحفر بطريقة رأسية وهي طريقة خاطئة في التعامل مع تل آثار لإحتواءه علي طبقات تعود كل منها إلي عصر مختلف. قال الدكتور إبراهيم بدر خبير الترميم: إن الكارثة لم تقفْ عند هذا الحد، بل امتدتْ إلى ضياعِ فصلٍ مهمٍ من علمِ التحنيطِ، الذي يعتمد في الأساس علي شقين هما: الشواهد والاستنتاجات، فبضياع الشواهد ونشر الحجارة التي تحمل الرسومات وتدمير المومياوات أصبح الاستنتاج شبه مستحيل، مما أدي إلي ضياع فصل جديد كان من الممكن إضافته لعلم التحنيط. وأكدت الدكتورة مونيكا حنا عالمة الآثار المصرية على ضياع جزء كبير مِنْ تراثنا المصري، بعدما دمرت المقابر والنقوش التي كانت عليها، حيث كانت تلك النقوش بمثابة الطريق الوحيد لمعرفة هذه الحضارة التي طالما تغني العالم بعظمتها. وأوضحت الأستاذه مروي الزيني أخصائية الترميم، على أن عملياتِ الحفرِ أُجْرِيَتْ بطريقةٍ منهجيةٍ، تكشفُ عنْ إدراكِ اللصوصِ، لكيفيةِ الوصولِ إلى عمقِ الجباناتِ التي تعدت عشرات الأمتار مما لا يدع مجالا للشك في استخدامهم معدات ثقيلة، وهو ما يعني أن عملياتِ النهبِ صاحَبَهَا طمسٌ مقصودٌ لأعظم حضارة في التاريخ . وبالرغم من تبعيةِ الموقعِ لوزارةِ الآثارِ، إلَّا أنَّهَا لمْ تحركْ ساكنًا وهو ما يدعو للدهشة ويطرح علامات استفهام كثيرة. فكل الحكومات التي تعاقبت علي مصر تشاهد النهب الممنهج للآثار في صمت مخزٍ ومريب. ورغم الكارثةِ المروعةِ، التي حلَّتْ بالموقعِ، إلَّا أنَّ هناكَ بصيصًا من الأمل في إنقاذ ما تَغَافَلَ عنه اللصوصُ عن طريق عمل حفريات سريعة وعاجلة لما تبقى من فتات أثرية. نقلَا عن البديل TV