تحاول تركيا منذ إندلاع الربيع العربي التدخل اقتصاديا وثقافيا في شئون البلاد العربية خاصة التي شهدت تغيرات سياسية. فالربيع العربي غير مسار الطموحات التركية وأيقظ تطلعاتها إلى أهمية هذه المنطقة سياسيا واستراتيجيا. ومنذ انطلاق الربيع العربي بدأت تركيا في تخفيض مطالبها بالانضمام للاتحاد الأوربي، ليس لأن أوربا أصبحت غير مهمة بالنسبة لها، ولكن طموحاتها الجديدة في منطقة الوطن العربي أضحت أكبر بكثير من رغبتها للانضمام إلى الاتحاد الاوربي منذ 1987. فتركيا ستنضم لأوربا ليس بوصفها عضو كبير داخل الإتحاد ولكن من خلال الثقل الجيوسياسي في الشرق الأوسط. ونتيجة لإعادة التقييم التركية لأهمية منطقة الوطن العربي، فقد أصبح الشغل الشاغل لها هو إجراء غزو اقتصادي وايدولوجي للدول العربية التي شهدت أو لا زالت تشهد الربيع العربي خاصة المغرب والجزائر والأردن. وهذا الغزو لا يعني غزو بمعنى الكلمة، بل هو ، من وجهة نظر بعض المحللين السياسيين، طموحات امبريالية عثمانية جديدة، ستسمح لتركيا بأن تلعب دور رئيسي ومحرك في الساحة العالمية بعد أن اكتست سياستها خلال الفترة السابقة بالطابع الإقليمي. والغريب هو عدم التفات الولاياتالمتحدة لهذا الدور. ففي الواقع استطاعت تركيا أن تضع أمامها كل وسائل الحماية لها ضد الدول المتنافسة في المنطقة بل ووسائل الجذب للدول العربية، حيث الازدهار الاقتصادي، وطابعها العلماني، وعلاقتها الطيبة مع اسرائيل ، ومكانتها في حلف الناتو، بالإضافة إلى انتهاجها لمبدأ الإسلام المعتدل تحت حكم حزب العدالة والتنمية. وفي السياق نفسه، أصبحت تركيا تمثل الشكل الرمزي بل والنموذجي "للإسلام المعتدل" الذي يسعى الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس إلى تحقيقه. ولكن هناك سؤال يطرح نفسه: هل الأحزاب التركية الإسلامية الحاكمة ذات ماهية أيدلوجية معتدلة أم أن هذا يعتبر نهج سياسي لا علاقة له بالايدلوجية؟ وللإجابة على هذا السؤال ترى صحيفة " أتلانتيكو" الفرنسية أن الإعتدال السياسي الذي تشهده تركيا ليس نتاج سياسة أردوغان بل نتاج لسياسة مصطفى كمال أتاتورك الذي فرض العلمانية، مما طبع التيارات الاسلامية بطابع الاعتدال وليس التشدد لمواجهة العلمانية. ولكن الإسلام المعتدل لن يتوافق -حسب الصحيفة- مع حركة النهضة" المتشددة " في تونس والأوضاع الحالية في مصر.