أبواق التحريم والتنفير تمارس عادتها المفضلة على كل ذى فرحة، فاليوم عيد الأم المحرم لأنه ليس للمسلم إلا عيدان، ولا عجب فالفرحة محرمة على بنى الاسلام إلا فى فطر وأضحى. مع انتشار هذه البدعة التى تدعى عيد الأم، كنت من هؤلاء المبتدعة الذين يعصون ربهم فى يوم 21 مارس، من كل عام إذ يدخلون السرور على قلب أمهم، أذكر أن هدية محرمة أهديتها إلى أمى كانت فى أولى سنوات عملى، حيث اقتطعت جزءًا من راتبى الصغير وخصصته لتلك الهدية، وأذكر أن فرحتى بها زادت على فرحة أمى بتلك الهدية. وأذكر أيضا أنه فى فترات انقطاعى عن العمل كان يمر عليّ العيد وأنا لا أملك ما أهدى به أمى، وأن كنت لا ألاحظ عليها أي حزن من عدم تقديمى لتلك الهدية الدورية، إلا أننى كنت أعانى من شعور صعب لعدم مقدرتى على تقديم ذلك الشىء الرمزى، الذى كان يعبر عن مدى امتنانى لهذه المرأة، التى صنعتنى وصنعت منى رجلًا قادرًا على الحياة. كانت هذه الهدية بالنسبة لى رمز لكل فضل لأمى عليّ، وجميلًا لها فى رقبتى ودعاءًا لها بدوام الصحة والحال، فأنا لا أتخيل حياتى بدون قلب حنون، كقلب أمى، رغم أن سنة الله فى هذا الكون عدم دوام الحال أو الخلود، إلا أننى لا أجد مفرًّا من الابتهال إلى الله بدوام عمر أمى وإن كان لن يدوم، فاللهم اقبضنى قبل أن تقبضها، فأنا لا أريد أن أعيش فى هذه الدنيا لطيمًا، ولا أريد أن أعيش فى هذه الحياة بلا رحمة، ولا أريد أن ينطبق على قول الملائكة للمرء، إذ تموت أمه "ماتت التى كنا نكرمك من أجلها". وكم من أمٍ لن تأتيها هدية هذا العام، بسبب عدم توافر النقود فى يد أبنائها ليهادوها!، وكم من أمٍ اعتادت أن يهاديها ابنها بتلك الهدية، غير أنها لن تنالها هذا العام، نظرًا لفقدها إياه مستشهدًا بالرصاص، إذ ذهب للتعبير عن رأيه فى مظاهرة، أو مات مغدورًا به، إذ ذهب ليشجع ناديه المفضل، فلم يعد أو قضى عليه من التعذيب على يد رجال الشرطة فى بلدنا!! واليوم.. تستقبل أمنا مصرعيدها والدموع لا تجف من عينيها حزنًا على فقدان صفوة أبنائها، الذين لم يحضروا عيدها، ولم يجدوا هدية أعظم من أرواحهم يهدونها لها، بعد أن حرَّم "المسئولون عن رعيتهم"، الذين رأوا أن عيد الأم بدعة، بل إن بعض الأوصياء يرون أنه كفر، لذا فإنهم يسعون لتصفية أبناء مصر، حتى لا يرتكبوا ذنبًا كبيرًا بالاحتفال بأمهم مصر في عيد الأم. عودة إلى أبواق التحريم، إن كنتم تدعون حرمانية اليوم فى أنه عيد، فأسميناه "يوم الأم"، علكم تدعوها تفرح بهدية ابنها بعيدًا عن حلالكم وحرامكم. ختامًا، وفى عيد الأم، اللهم احفظ لكل منا أمه، ولكل أم ابنها وعافهم واعف، عنهم وارزقنا برك وبر والدينا. والحمد لله الذى أعزنا بأمهاتنا، وأسال الله أن يدخل أحيائهن وأمواتهن جنَّات النعيم.