عاود ملف الأسرى الفلسطينيين والعرب داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي الظهور مجددا وبقوة على الساحة العربية والدولية، متحديا السجان الإسرائيلي الذى لايزال يمعن فى إذلالهم وكسر شوكتهم تحت مسمع ومرأى من المجتمع الدولى. وإيمانا منها بضرورة نصرة قضية الأسرى..تجتمع اليوم فى العاصمة العراقية بغداد أكثر من 70 دولة عربية ودولية فى مؤتمر دولي للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين والعرب فى سجون الاحتلال وتسليط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية بحقهم. ويستمد ملف الأسرى الفلسطينيين والعرب قوته فى الفترة الحالية من حصول فلسطين على دولة مراقب غير عضو فى الأممالمتحدة بأغلبية دولية (138 صوتا مقابل 9 دول رافضة بينما امتنعت 41 دولة عن التصويت)، وهو ما يعتبره الأسرى انتصارا لهم ولنضالهم وتضحياتهم خلف قضبان السجون الإسرائيلية. ويتطلع أسرى الحرية إلى أن تشكل هذه الخطوة بداية لمرحلة جديدة فى التعامل مع قضيتهم على كافة الأصعدة، خاصة وأنها ستعزز من مكانتهم القانونية والإنسانية بصفتهم أسرى حركة تحرر وطني ومقاتلين شرعيين وليسوا إرهابيين وقتلة كما تعتبرهم الدولة العبرية. والانتهاكات الإسرائيلية بحق الأسرى عديدة منها الضرب الشديد بالأيدي والأرجل وأعقاب البنادق، والتحرش الجنسي، والتهديد بالاغتصاب، واستخدامهم كدروع بشرية، وإجبارهم على التعرى من ملابسهم، وإجبارهم على تقليد أصوات الحيوانات وحركاتها كنوع من الإهانة، وتوقيفهم فى العراء صيفا وشتاء لساعات طويلة. ومن بين هذه الانتهاكات أيضا، الدوس على الأسرى بعد إلقاء القبض عليهم إضافة إلى الشتائم البذيئة والمهينة وإجبارهم على جلوس القرفصاء على رؤوس أصابعهم، والحرمان من النوم لفترات طويلة وإطفاء السجائر فى أجسادهم. ولم تكتف إدارات السجون الإسرائيلية بهذه الإجراءات فقط بل تمتد أيضا إلى حرمان الأسرى من حقهم فى إكمال التعليم الجامعي وممارسة العبادات، وإجراءات التفتيشيات الاستفزازية للغرف ومصادرة المحتويات الخاصة بهم ومنعهم من الزيارات، وأيضا إذلالهم عند زيارة ذويهم من خلال تكبيلهم بالقيود سواء فى الأقدام أو الأيدى غير ذلك من صنوف التعذيب النفسى والمادى. علاوة على ذلك، تبقى السلطات الإسرائيلية المئات من المعتقلين الفلسطينيين محتجزين عندها لفترة طويلة دون تقديمهم للمحاكمة ودون توجيه أية تهمة لهم، وقد تفرج عنهم لاحقا دون استجواب، ودون أن تعوضهم عن الاعتقال التعسفي مخالفة بذلك القانون الدولي. ولايزال يقبع في السجون والمعتقلات الإسرائيلية بعد إتمام صفقة الجندى الإسرائيلي جلعاد شاليط فى أكتوبر 2011 ، أكثر من 4450 أسيرا وأسيرة..وهم موزعون على قرابة 17 سجنا ومعتقلا ومركز توقيف أبرزها عسقلان وشطة وجلبوع وريمون ونفحة وهداريم و الرملة والنقب وعوفر ومجدو. وحول الآثار النفسية التى تخلفها عملية الأسر..قال الدكتور محمود سحويل الرئيس التنفيذى لمركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب فى فلسطين إن الأسير ليس فقط هو الذى يحتاج إلى علاج بل العائلة أيضا بحاجة لإعادة تأهيل. وأضاف سحويل فى تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط إنه عندما يخرج الأسير من المعتقل يكون قد فقد دوره كرب للأسرة وأيضا دوره فى المجتمع ووظيفته..فضلا عن أن آثار التعذيب النفسية تستمر معه..كما أنه يصبح غير قادر على التأقلم مع أسرته التى تكون على جهل بالأوضاع النفسية التى خلفها التعذيب عليه. ولفت إلى أن عملية احتجاز أى شخص يفصل عن عائلته وبيئته لسنوات طويلة تترك عليه آثارا نفسية وجسدية على الأسير، وهذا يحتاج إلى إعادة تأهيل طبي واجتماعي ونفسى..فالأسير فى الأسر تخدش كرامته، مشددا على أن الأسير المحرر فى حاجة إلى ترميم نفسيته وكرامته التى خدشت. وأفاد بأن المركز (وهو غير حكومي) يعد الوحيد فى الضفة الغربية الذى يقدم خدمات متخصصة ومتكاملة لضحايا التعذيب وذويهم وله فروع فى جنين ونابلس وطولكرم ورام الله وطوباس والقدس والخليل وبيت لحم وأريحا. وقال إننا نصل إلى الأسرى وذويهم فى بيوتهم أيضا..مؤكدا أن 40\% من الأسرى الذين يتعرضون للتعذيب يعانون من أمراض الصحة النفسية التى ترتبط ارتباطا وثيقا بحقوق الإنسان. وشدد على أن آثار التعذيب تظهر بعد سنوات طويلة من إطلاق سراح الأسرى القدامى على شكل مشاكل عائلية ومجتمعية..قائلا إن ما يقلقنا ليس الآثار الآنية بل الآثار بعيدة المدى التى تظهر بعد سنوات. وأفاد بأن التعذيب هدفه ليس قتل الشخص جسديا بل قتل الروح المعنوية، وتغيير نمط تغيير سلوكه وبث الرعب داخله وداخل أسرته والمجتمع بأكمله..لافتا إلى أن 25\% من الشعب الفلسطيني تعرض للاعتقال مرة أو أكثر سواء كانوا نساء أو أطفالا أو رجالا كما أن 40\% من الذكور الفلسطينيين تعرضوا للاعتقال مرة أو أكثر.وفى الإطار ذاته..قال خضر رصرص المدير التنفيذى لمركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب فى فلسطين إن هناك فرقا كبيرا بين الإنسان الذى يعيش المعاناة والذى يتوقعها، فالذي يتوقعها يعانى مائة مرة سواء كان الأب الأسير أو الزوجة. وأضاف رصرص - فى تصريحات للوكالة - إن الزوج الأسير كان يتألم فى خياله مع أسرته أثناء وجود فى المعتقل..غير أنه كان أحيانا يعطى لنفسه تصريحا بأنه لا يجب أن يعانى معهم خاصة وأنه يعانى بالفعل فى السجون الإسرائيلية. وتابع إن الأسير المحرر يخرج إلى عائلته ويرى أن كل شىء قد تغير..فأولاده الصغار صاروا كبارا ولا يكترثون به فى حين تكون الأم محور اهتمامهم حيث إنها باتت فى غيابه تقوم بدوره أيضا. وأشار إلى أن الأسير يعانى وكل العالم يعرف معاناته ويشاركه ويقدره ويحترمه ويتوجه بطلا فى النهاية والجميع يعرف أنه بطل..أما الزوجة والأولاد فيعانون فى صمت. وأفاد بأن عملية التأهيل تمر بعدة مراحل..الأولى تتعلق بالأسير نفسه لأنه ضحية التعذيب المباشر..ثم الأولاد والزوجة ضحية التعذيب الثانوى..فكل لحظة سعادة تمر عليهم كانوا يتساءلون فيما بينهم كيف يعيش والدنا هذه اللحظة علاوة على أنهم كانوا يشعرون بالذنب إذا ما تناولوا طعاما شهيا من دونه. وأشار إلى أن كل الدراسات سواء الفلسطينية أو الأجنبية أو الإسرائيلية تؤكد أن 85\% من الأشخاص الذين اعتقلوا بالسجون الإسرائيلية تعرضوا للتعذيب سواء كان النفسى أم الجسدى وأيضا سوء المعاملة.وجاء حصول فلسطين على دولة مراقب غير عضو فى الأممالمتحدة بمثابة بصيص أمل جديد للأسرى لإنهاء معاناتهم وخروجهم إلى شمس الحرية، وبفضل هذه الخطوة يمكن للدولة الفلسطينية الانضمام إلى اتفاقية جنيف الرابعة، وبالتالي تدويل قضية الأسرى وحماية حقوق الفلسطينيين. ويخشى الإسرائيليون أن يقدم كبار قادتهم وضباطهم أمام المحاكم الدولية بسبب إصدار أوامر وتعليمات لأفراد قواتهم المسلحة تقضي بضرورة امتناعهم عن معاملة أفراد المقاومة الذين يسقطون في أيديهم كأسرى حرب، إضافة الى فتح المجال أمام ملاحقة المجرمين الإسرائيليين أمام المحاكم الوطنية للدول التي قبلت بفتح ولايتها القضائية أمام هذه القضايا بموجب ما يعرف بالولاية العالمية للقضاء الوطني. ويحق لدولة فلسطين (المراقب) العضوية الكاملة في كل الوكالات المتخصصة والمنظمات التابعة للأمم المتحدة مثل :منظمة الصحة العالمية، واليونسكو، واليونيسيف وغيرها ولكن كل منها سوف يكون بإجراءات مستقلة وخاصة وليس بمجرد اكتساب صفة دولة غير عضو بالمنظمة الدولية. كما يحق لها فرصة الانضمام للاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وخاصة المعاهدات التعاقدية منها وهو ما من شأنه تعزيز حالة حقوق الإنسان فيها. ودخول فلسطين للمنظمة الدولية يفتح لها الباب أمام إمكانية أن تصبح عضوا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة..وتعزيز فرص ملاحقة مجرمي الحرب حيث إن ذلك يسمح بانضمامها إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وفقا لما ينص عليه نظام روما الأساسي حيث سينتهي الجدل إذا ما كانت فلسطين دولة أم لا وسيقبل طلب انضمامها للنظام الأساسي. ويحق لفلسطين أيضا الانضمام إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وهو ما سيتيح لها إمكانية طلب إصدار فتاوى حول مسائل معينة..كما يحق لها التوجه إلى محكمة العدل الدولية لإصدار فتوى في القضايا المتعلقة في أشكال التمييز العنصري دون الحاجة إلى موافقة إسرائيل. وحصول فلسطين على صفة دولة مراقب غيرالعضو من شأنه أيضا المساهمة في التعاون الدولي القائم والمتمثل في إنهاء الاحتلال، وتكريس حق تقرير المصير ونيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، وتعزيز مكانتها من حيث المساواة بين الدول، حيث يجعلها تتمتع بحق التصويت في الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة. Comment *