لا يوجد إلا أربع طرق أمام الطائرات الإسرائيلية التي قصفت مصنع اليرموك في السودان الأسبوع الماضي: الطريق الأول من سماء القاهرة، وهذا يعني أن مصر مخترقة جواً وبحراً لأن سفينة الكرامة اللبنانية سبق أن خطفتها إسرائيل من المياه الإقليمية المصرية. الطريق الثاني، من فوق البحر الأحمر وفي هذه الحالة فقد أقلعت الطائرات الإسرائيلية من قاعدة (حتسريم) الجوية في مدينة بئر السبع.. مروراً بمضيق تيران عبر البحر الأحمر، وصولاً إلى الأراضي السودانية، ولم ترصدها رادارات الدول العربية التي تقع على شاطئ البحر الأحمر: وهي مصر والسعودية والسودان. أما الطريق الثالث وهو المحال، أن الطائرات الإسرائيلية عبرت البحر الأبيض المتوسط والتفت عبر أفريقيا، أو عبرت الأجواء التركية ثم أواسط آسيا لتصل السودان وذلك لتتجنب انتهاك الأجواء العربية (الصديقة). والطريق الرابع: أن الطائرات لبست طاقية الإخفاء وقامت بقصف مصنع السودان وعادت سالمة دون أن ترصدها ردارات كلاً من مصر والسعودية. وكيف لمصر أن تكتشف أو ترصد الطائرات الإسرائيلية وهي منهمكة بتمكين جماعة الإخوان من مفاصل الدولة المصرية. هناك مسار واحد إذن وهو المرور من فوق خليج العقبة، ثم عبر أجواء مضيق تيران، ثم البحر الأحمر، وهي أجواء سعودية مصرية بحتة. وقد كشفت صحيفة "صنداي تايمز" اللندنية الأسبوعية في عددها يوم الاحد الماضي 28 أكتوبر عن معلومات أكدت فيها أن طائرات تابعة لسلاح الجو الاسرائيلي هي التي نفذت الهجوم على مصنع "اليرموك" للذخيرة بضاحية العاصمة السودانية الخرطوم. وكتبت الصحيفة: "قامت 8 مقاتلات اسرائيلية متعددة المهام من طراز(F-15 I ) في ساعات الصباح من يوم 24 اكتوبر بإنزال ضربة بمجمع "اليرموك" العسكري الضخم، 4 منها ألقت قنبلتين وزن الواحدة يبلغ طناً، بينما قامت الأربع مقاتلات الباقية بتأمين عملية الضربة"، وتشير الدلائل إلى أن هذا الهجوم هو عبارة عن بروفة للغارات المنتظرة على المنشآت النووية الإيرانية". كما ذكرت الصحيفة:"وفقا لتقديرات الخبراء العسكريين الغربيين، قضت الطائرات الاسرائيلية في إطار العملية 4 ساعات في الجو وقطعت مسافة تقدر ب 3900 كم". ووفقا لمعلوماتها: فإن "المقاتلات قامت بالطيران فوق البحر الأحمر، وبالقرب المباشر من الحدود السودانية، قامت المقاتلات بالتزود بالوقود في الجو". في ذات الوقت قامت الطائرة Gulfstream G550 التي كانت موجودة في مكان تنفيذ العملية، والمزودة بأجهزة إلكترونية حديثة، بالتشويش الكامل على أجهزة الرادار ومنظومات الدفاع الجوي السودانية الأخرى، وبالنتيجة لم تتمكن ولا طائرة واحدة من طائرات الميج الموجودة في الخدمة في هذه الدولة الإفريقية من الإنطلاق في الجو لصد الهجوم. ووفقاً لمعلومات الصحيفة: "بدأت هذه العملية منذ عامين بعد اغتيال عملاء الموساد في فندق بدبي لرجل الأعمال الفلسطيني والمسئول الكبير بحركة حماس محمود المبحوح، فقبل مغادرتهم الفندق أخذوا من حقيبة أوراقه نسخة مصورة لإتفاقية عسكرية بين السودان وإيران". وبحسب "صنداي تايمز" كان يتم تصنيع الصواريخ الباليستية الإيرانية من طراز "شهاب" في مجمع اليرموك تحت قيادة خبراء إيرانيين. وأن هذه الصواريخ كانت مخصصة لتسلم إلى أجهزة حماس في قطاع غزة. اللافت هنا أن "إسرائيل" تتصرف بمنطق الدولة الاستعمارية التي تدافع عن مصالحها خارج حدودها.. لكن الغريب أن رد فعل النظام المصري بعد ثورة يناير لم يختلف عن رد فعل الرئيس المخلوع، وكان استنكار جماعة الإخوان خجولاً جداً كأن ما حدث ليس موجهاً ضد مصر في عمقها الاستراتيجي، وأرفقوه بتأكيد التزامهم ب "الاتفاقات الدولية" والمقصود طبعاً التزامهم ب (كامب ديفيد).. ويفهم ضمناً من رسالتهم التطمينية هذه للكيان الصهيوني والولايات المتحدة: أنه إذا كانت "إسرائيل" استطاعت أن تقصف مجمع صناعات عسكرية في السودان العربية ذات الأغلبية السنية (وفقاً لمنطق الإخوان)، ولم يتحرك العالم العربي ذو الأغلبية السنية، فمن باب أولى ألا يتحرك في حالة قصف منشآت نووية إيرانية.. وهذا ضوء أخضر من أكبر دولة عربية بأنها لن تعترض أو تغضب إذا قصفت "إسرائيل" المنشآت النووية الإيرانية. يبدو أن الجانب العربي ليس بريئاً، ونحن لا نزال نتذكر المفاعل النووي العراقي.. وما زلنا لا نعرف كيف مرت الطائرات نفسها.. وهل دارت حول الكرة الأرضية لتضرب المفاعل العراقي أم عبرت فوق الأردن والسعودية؟.. على الأقل في طريق عودتها! ولذلك يظل السؤال: كيف تمر الطائرات الحربية الإسرائيلية من فوق مضيق تيران المصري ولا ترصدها الرادارات المصرية وتتعقبها؟.. ألا يوجد لدى مصر رادارات وأجهزة مراقبة لمعرفة وجهة الطائرات الإسرائيلية ؟ Comment *