بدأت وسائل الإعلام التركية تسليط الضوء على ما أسمته "منافسة سرية" بين الرئيس عبد الله جول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان على السلطة الرئاسية في البلاد، فهل يختلف رفيقا الكفاح اللذان استعادا تركيا من قبضة العسكر وأدخلاها في مسار جديد داخليا وخارجيا؟.. فمنذ أن أعلن تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001 على أنقاض حزب الفضيلة الذي حلّته المحكمة الدستورية. وكان جول مسئولا عن المسائل القانونية والعملية للحزب الجديد كونه كان نائبا، وله مسئوليات رسمية حزبية قبل هذا التاريخ. وهو الذي حمل لواء التجديد داخل حزب الفضيلة بمواجهة حرس نجم الدين أربيكان المتمثل برجائي قوتان وآخرين. فيما كان رجب طيب أردوغان الدينامو لحزب العدالة والتنمية، فهو بشخصيته الكاريزمية ومشاريعه الخدماتية وتجربته الناجحة في بلدية اسطنبول، استطاع حشد التأييد الشعبي خلف حزب العدالة والتنمية. وعندما استحقت الانتخابات النيابية في العام 2002 حمل غول عبء تشكيل أول حكومة كون أردوغان كان ممنوعاً من الترشّح إلى النيابة. ولكن جول تنازل عن رئاسة الحكومة عندما أتاح تعديل قانوني لأردوغان الترشح إلى النيابة، وبالتالي أن يكون رئيسا للحكومة، وبعدها تولى جول وزارة الخارجية. وفي عام 2007، ترشح جول للرئاسة، رغم اعتراض المؤسسة العسكرية، فيما تنحى أردوغان جانبا من أجله، وتضامن كليا معه. وفي ذلك الوقت، وبحسب الدستور التركي، كانت ولاية الرئاسة سبع سنوات لولاية واحدة فقط. لكن في عام 2010، جرت تعديلات دستورية جعلت انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، لا البرلمان، وسمحت بتجديد الولاية الرئاسية لمرة واحدة. وبعد هذه التعديلات انطلق نقاش دستوري بشأن مدة ولاية جول، وإن كان يحق له أن يترشح لولاية ثانية، بموجب التعديلات الجديدة. لكن المحكمة الدستورية، بعد نظرها بدعوى قدمها حزب المعارضة الرئيسي، وضعت حداً لهذا السجال، وأقرّت بأن ولاية غول هي سبع سنوات، وعندما تنتهي في 2014، يحق له الترشح لولاية رئاسية ثانية. وقبل أيام، أعلن حسين تشيليك أحد قياديي حزب العدالة والتنمية أنه إذا ترشح أردوغان للرئاسة.. فلن يترشح لها عبد الله جول، وهو ما اعتبره البعض حسما لقضية الترشح، أو أنها رسالة من أردوغان إلى جول بألا يرشح الأخير نفسه للرئاسة. في غضون ذلك، توقع بعض الوزراء من حزب "العدالة والتنمية" أن جول لا يرغب في الترشح للانتخابات الرئاسية في 2014. ولكن المستشار الإعلامي للقصر الرئاسي أحمد سيفير تحدث عن "حزن الرئيس وأسفه"، لأن العمل على منع ترشحه للرئاسة جاء من داخل حزب العدالة والتنمية. وقال سيفير إن "جول يسعى دائما إلى عدم إعطاء انطباع بوجود خلاف وصدام مع أردوغان، لكن البعض داخل حزب العدالة والتنمية لم يبد الحرص نفسه، وهذا أمر ليس جيدا". جاء في المقابل ردا اعتبره البعض "قاسيا" من مستشار أردوغان، يلسين أكدوان، الذي قال إنه "لا يعرف مستوى العلاقة بين سيفر وجول، لكن بعض المستشارين يمكن أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك". بينما أكد وزير العمل، فاروق سيليك، الذي قال إن جول لن يترشح لولاية جديدة، أنه "لم يكن هناك أزمة بين جول وأردوغان. خبرتي تقول لي إنه لن يكون هناك أزمة في المستقبل أيضا". شخصية حزبية أخرى ردت على تصريحات سيفر، إذ أكد نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية"، حسين سلسيك، أنها ستكون "لفتة من جول إن لم يترشح للرئاسة"، مضيفا أنه "كان هناك شعور متبادل بالثقة في العديد من المرات". تطرق أيضا الحزب المعارض الرئيسي "الشعب الجمهوري" إلى هذه المنافسة. إذ رأى نائب رئيس الحزب، هالوك كوك، أن "أردوغان يتصرف كخياط يحاول أن يحوك سترة لنفسه"، مضيفا أن "أردوغان، وبفضل القوة الهائلة التي يملكها، يحاول أن يعيد تشكيل النظام السياسي. إنه يتصرف كرجل واحد، وهو ينوي الاستمرار في فعل ذلك. يتخلص من أي أحد يقف ضده، ومن ضمن ذلك الصحافة، والآن هو يحاول أن يتخلص من عوامل الاستقرار". من المحتمل ألا يرشح جول نفسه للرئاسة من أجل أن يكون أردوغان الرئيس المقبل، لأن البديل عن التوافق والتناغم بينهما.. هو نهايتهما معا ومع حزب العدالة والتنمية،كما يرى الكثير من المحللين. الجدير بالذكر أنه طبقا للقانون الجديد، من بعد التعديلات التي جاءت بناء على تعليمات أردوغان، فإن جول لن يتمكن من خوض انتخابات الرئاسة لفترة جديدة، لأن أردوغان، وكما يشير المحللون، يرغب في استلام منصب القصر الجمهوري بعد انتهاء فترة رئاسته لمجلس رئاسة الوزراء. وينص القانون أيضا على أن فترة رئاسة الرئيس القادم ستكون خمس سنوات قابلة لتمديدها مرة واحدة فقط. فيما تنص اللائحة الداخلية لحزب العدالة والتنمية على السماح لعضو الحزب بترشيح اسمه لثلاث دورات برلمانية فقط، وهذا يعني أنه لا يمكن لرئيس الوزراء أردوغان ترشيح اسمه لعضوية البرلمان بالانتخابات البرلمانية القادمة، وفي نفس الوقت عدم تمكنه من استلام منصب رئاسة الجمهورية إذا صادقت المحكمة الدستورية على طلب حزب الشعب الجمهوري. Comment *