بنهاية الأسبوع الأول على أحداث طرابلس الأخيرة والتي راح ضحيتها عشرات الأشخاص ما بين قتيل وجريح، بدأ المراقبون يرفعون أصواتهم برفض الحل الأمني واعتباره ليس الكافي لإنهاء العنف المسلح في ثاني أكبر المدن اللبنانية، فالهدوء الحذر الذي نتج عن انتشار الجيش لم يمنع من تجدد الاشتباكات، وانتشار حوادث القنص وتبادل إطلاق النار بين منطقتي جبل محسن وباب التبانة طالت بعض عناصر الجيش اللبناني، حيث شهد مساء أمس الأول انفجار ثلاثة قنابل يدوية في باب التبانة، قابلها قصف بقذائف الأنيرجا على جبل محسن. وألقت شخصيات أمنية لبنانية، على رأسها العماد جان قهوجي قائد الجيش، بالكرة في ملعب السياسيين مرة أخرى، ففي تصريحات قهوجي لجريدة السفير اللبنانية قال "أن هناك مهمة أساسية تقع على السياسيين خاصة أولئك الذين يغضون الطرف عن المسلحين، علما بأن أكثر من نصف المسلحين في طرابلس تابعون للسياسيين، ومسؤولية هؤلاء تقتضي سحبهم وان يبادروا إلى تخفيف حدّة الخطاب السياسي ويساهموا في تأمين الاستقرار والأمن وإزالة التشنج وأسباب التوتر، وان يسارعوا إلى خلق بيئة حاضنة للجيش الذي كان وسيبقى الملاذ الأول والأخير لكل اللبنانيين"، محذراً في الوقت ذاته من ما أسماه بالدعاوي التي تطال من هيبة الجيش، والتي تريد تصويره على أنه منحاز لطرف على حساب الأخر، مؤكداً على ضرورة احتواء الموقف في طرابلس حتى لا يمتد إلى مناطق أخرى في لبنان. وعقد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي اجتماعاً مع وزراء الحكومة من مدينة طرابلس مثل وزير المالية محمد الصفدي وأحمد وفيصل كرامي والنائب عن المدينة محمد كبارة بالإضافة لمسئولين أمنين، وذلك في محاولة لإعادة نمط الحياة في المدينة لطبيعته. وبالتأكيد لا يكفي الحل الأمني لاحتواء الأوضاع في طرابلس، دون تدخل السياسيين، الذين بدأوا بالدخول على خط الأحداث. فعلى سبيل المثال اقترح نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني أن يتم طرح ما يحدث في المدينة على طاولة حوار وطني برعاية رئيس الجمهورية، وأن يتم إيجاد حل سياسي لها، خاصة وأن مخاطرها قد تمتد لباقي لبنان وأيضاً خارجه، وهذا ما أكده خالد الضاهر النائب عن كتلة المستقبل الذي أعتبر أن الاشتباكات المسلحة مفتعلة، وان قرار سحب السلاح من شوارع طرابلس قرار سياسي في المقام الأول، وهو ما رد عليه النائب ميشيل الحلو عن أن هناك أطراف سياسية احتوت ودعمت ما وصفه بالتيارات السلفية المتشددة، وعلى رأس هؤلاء تيار المستقبل. وعلى المستوى الإقليمي، اعتبر المندوب السوري الدائم لدى الأممالمتحدةبشار الجعفري، في رسالة وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن الحدود اللبنانية السورية، تشهد نشاط لعناصر متطرفة مثل تنظيم القاعدة، يعملون على إفشال خطة مبعوث الأممالمتحدة إلى سوريا كوفي عنان، وأن هناك ارتفاع كبير في وتيرة تهريب الأسلحة من لبنان إلى سوريا، ملمحاً في الرسالة إلى أن عدد من المضبوطات والمقبوض عليهم من قبل السلطات اللبنانية، وجدت في منطقة جبل محسن-درب التبانة، مضيفاً أن أطراف سياسية في لبنان وراء هذه الأنشطة وتدعمها وتسهل لها الطريق. وهي الرسالة التي رفضها نجيب ميقاتي واعتبرها تؤجج الخلافات "في وقت نسعى فيه عبر القنوات الدبلوماسية والأمنية المختصة إلى تخفيف الانقسام الحاصل ومعالجة الإشكالات التي تحصل بهدوء وروية وبما يحفظ حسن العلاقات بين البلدين والشعبين". وفي اتهام متبادل قال مالك الشعار مفتي شمال لبنان وطرابلس أن سوريا وحلفاءها في لبنان هم من يقفوا وراء الأحداث في المدينة، داعيا الدولة والجيش بالاستمرار في التصدي والضرب بيد من حديد للحفاظ الأمن النسبي الذي تشهده المدينة منذ صباح اليوم. أحداث باب التبانة-جبل محسن والتي خلفت عشرات الضحايا بين قتيل وجريح أرجعها البعض لأسباب مباشرة مثل اعتقال الشاب السلفي شادي المولوي، والذي رفض قاضي التحقيق العسكري الإفراج عنه، وهو ما لم يؤدي إلى تصعيد الاعتصام الذي كان قد بدء من أجله، خصوصاً بعد تصريحات داعي الإسلام الشهال مؤسس التيار السلفي في لبنان أن اعتقال المولوي يستهدف "السنة" وليس شخص أو جماعة، مهدداً في الوقت ذاته بالتصعيد، ولكن مع مرور الأسبوع الأول للأحداث الدامية أتضح أن بدخول الأطراف السياسية في لبنان وخارجها أدى إلى هدوء نسبي في المدينة التي لم يفلح معها الحل الأمني وحده، وأن تبقى طرابلس رهناً للمتغيرات القادمة خصوصاً على الساحة السورية، حيث أجمعت كل الأطراف المتصارعة في لبنان أن الاشتباكات في باب التبانة-جبل محسن، انعكاس للأوضاع في سوريا، وهو ما قد تستثمره بعض القوى السياسية في لبنان لمكاسب سريعة، مثل الانتخابات النيابية القادمة، أو المراهنة على إسقاط حكومة ميقاتي إذا اشتعلت المدينة مجدداً والذي من المؤكد أنه سيمتد إلى مدن لبنانية أخرى. Comment *