احتشد الآلاف من العمال والنقابيون منذ الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء في وسط العاصمة للاحتفال لأول مرة منذ عقود بعيد العمال وسط أجواء لم تخل من التجاذبات السياسية. من أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل وهو أعرق منظمة نقابية في البلاد بساحة محمد علي تحركت مسيرة تضم الآلاف من العمال والنقابيين وأنصار من التيارات اليسارية لتجوب الشارع الرئيسي الحبيب بورقيبة. كانت وزارة الداخلية منحت ترخيصين في يوم واحد لتنظيم مسيرتين اليوم الثلاثاء، واحدة بشارع الحبيب بورقيبة وأخرى بشارع محمد الخامس المحاذي. وهي المرة الأولى التي تمنح فيها الداخلية ترخيصا بشارع الحبيب بورقيبة منذ اعلانها يوم 11 أبريل رفع الحظر عنه اثر الاحتجاجات وأعمال العنف التي سادت الشارع في التاسع من الشهر نفسه. وفي مسيرة استمرت عدة ساعات واجتذبت الآلاف من عمال المصانع من مختلف المحافظات، رفعت عدة شعارات مثل "خبز حرية كرامة وطنية" و"يا حكومة عار عار والأسعار شعلت نار" في إشارة إلى غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية للعمال. قال النقابي رشيد الرحيدي (48 عاما) من حزب العمال الشيوعي لوكالة الأنباء الألمانية: "هذه أول مسيرة ضخمة ينظمها الاتحاد منذ الخمسينات من القرن الماضي أردنا نعبر من خلالها عن غضب العمال بسبب فشل الحكومة في تحقيق اهداف الثورة". أضاف الرحيدي أنه "بعد 120 يوما فشلت الحكومة في تحريك الملفات الحارقة للتنمية والتشغيل. هي تفكر في الاستحقاقات الانتخابية القادمة ولا تفكر في حل المشاكل الآنية". غير أن العمال اليوم لم يكونوا وحدهم بشارع الحبيب بورقيبة حيث احتشد آلاف آخرون جاؤوا لينصروا الحكومة المؤقتة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية وجابوا بدورهم الشارع بمحاذاة مسيرة العمال. ولم تكن المسيرتان اللتان أضفتا أجواء الملاعب الرياضية على شارع الحبيب بورقيبة بمنأى عن التجاذبات السياسية من حين لآخر. قال ضابط برتبة نقيب بوزارة الداخلية طلب عدم الكشف عن اسمه "كانت مجموعات لم يكن لنا علم مسبق بها لكنها تحركت بشكل سلمي ولم يكن هناك داعي لايقافها طالما أنها حافظت على الأمن العام ولم تتعد على الأملاك الخاصة والعامة". وردد أنصار الحكومة المؤقتة وأغلبهم من حركة النهضة الاسلامية "بالروح بالدم نفديك يا حكومة" و"يا حكومة سير سير هذا عصر الجماهير". وقال شهاب الزويني (38 عاما) من مدينة بن عروس بالضاحية الجنوبية للعاصمة لوكالة الأنباء الألمانية "جئت للاحتفال بعيد الشغل لأول مرة بعد سنوات من الاستبداد في ظل شرعية وطنية ولكن هذا لن يمنع حدوث تجاذبات سياسية. وعلينا أن نقبل بذلك وبحق الاختلاف في الرأي". أضاف شهاب "طالما كان العمل النقابي مرتبطا بالعمل السياسي. لكن هذا العمل السياسي يجب أن يكون موجها للمصالح النقابية". وعلى عكس المسيرات السابقة التي اتهمت فيها حركة النهضة بتحريكها لمواجهة للمسيرات المضادة للتيارات المناوئة للحكومة، حاول أنصارها اليوم قدر الامكان تجنب الشعارات الاستفزازية ضد اتحاد الشغل مع التأكيد على الوحدة الوطنية وشرعية الحكومة المنتخبة من الشعب. وهتف انصار حركة النهضة "الاتحاد مستقل والشرعية هي الحل". وكانت حركة النهضة قد أصدرت بيانا لها في وقت سابق قالت فيه إنها ستشارك في الاحتفاء بعيد الشغل من أجل تعزيز الوحدة الوطنية. قال النائب عن حركة النهضة في المجلس الوطني التأسيسي فرح النسيبي "جئنا لنشارك الاتحاد والشعب التونسي الاحتفال بعيد الشغل. الاتحاد ملك لكل التونسيين بغض النظر عن الانتماء السياسي والحزبي". وقال وحيد بن عثمان (42 عاما) من مدينة نابل (70 كيلومترا جنوب العاصمة) وهو من أنصار حركة النهضة "جئنا للاحتفال كبقية التونسيين بعيد الشغل ولا نريد الاصطدام مع أي طرف. تونس تسع الجميع وهي لكل التونسيين". ويرى مراقبون في تونس أن قرار الحزب الحاكم المشاركة في احتفالات اليوم لا يعدو أن يكون سوى تذكيرا من جانبها بقدرتها على الحشد وتحريك أنصارها للدفاع عن شرعيتها متى أرادت. يعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تأسس منذ عام 1946 أعرق منظمة نقابية في البلاد شارك في تحرير تونس من الاستعمار الفرنسي واغتيل أحد أبرز قادته فرحات حشاد على يد المخابرات الفرنسية عام 1952. ويعد الاتحاد أحد الأطراف المؤثرة في الحياة السياسية بتونس منذ عقود. كانت حركة النهضة منذ صعودها الى الحكم تتهم الاتحاد العام التونسي للشغل بتحريك الإضطرابات الاجتماعية والإحتجاجات الفئوية في عدة محافظات. وينفي الاتحاد تلك الاتهامات ويقول إن الحكومة المؤقتة تراجعت عن اتفاقات موقعة مع الحكومات السابقة بشأن حقوق العمال. Comment *