كرس توقيف رئيس مفوضية الانتخابات في العراق الأزمة السياسية الدائرة بين رئيس الوزراء نوري المالكي ومعارضيه الذين باتوا يتهمونه صراحة بالديكتاتورية والانقلاب على العملية السياسية. وأوقفت السلطات العراقية فرج الحيدري والعضو في مفوضية الانتخابات كريم التميمي مساء الخميس على خلفية اتهامات بالفساد، على أن يبقيا موقوفين بموجب قرار صادر عن أحد قضاة هيئة النزاهة حتى الأحد. وذكر مجلس القضاء الأعلى في بيان الجمعة أن قرار توقيف الحيدري والتميمي “جاء بناء على قيامهما بصرف مكافآت لموظفي التسجيل العقاري لقيامهم بتسجيل قطع الأراضي المخصصة لهم من ميزانية المفوضية العليا للانتخابات”. وأكد البيان الذي تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه إلغاء قرار بالإفراج عنهما “باعتبارهما قد تصرفا بأموال الدولة لصالحهما (...) وهي جناية يعاقب عليها بالسجن لمدة لا تزيد عن سبع سنوات”. غير أن الحيدري قال لفرانس برس عبر الهاتف من مكان توقيفه في مركز للشرطة قرب المنطقة الخضراء “لا أعتقد أن هذ الخطوة موجهة ضدي، بل ضد المفوضية وضد كل العملية السياسية في العراق”. وأوضح أن توقيفه جاء على خلفية “دفع نحو 100 ألف دينار (حوالى 80 دولارا) لثلاثة أو أربعة أشخاص يعملون لدى المفوضية وذلك في مقابل أوقات عمل اضافية وهذا أمر طبيعي جدا”. واتهم الحيدري النائبة حنان الفتلاوي المنتمية إلى قائمة دولة القانون بزعامة المالكي بأنها تقف خلف الاتهامات الموجهة إليه. ويعتبر الحيدري (64 عاما)، الكردي الشيعي الذي يتراس المفوضية منذ 2007، أحد خصوم قائمة دولة القانون كونه رفض خلال انتخابات 2010 إعادة فرز الأصوات في جميع أنحاء البلاد، كما كان يطالب المالكي. وفازت قائمة “العراقية” بقيادة إياد علاوي، الخصم السياسي الأبرز للمالكي، ب91 مقعدا من أصل 325 في الانتخابات في مقابل 89 لدولة القانون. وفي يونيو 2010، طالب المالكي البرلمان بسحب الثقة من الحيدري، إلا أن الأحزاب الأخرى رفضت المضي في ذلك. وقال مصدر برلماني لفرانس برس إنه “من المفترض أن يصوت البرلمان في 28 أبريل على التمديد لأعضاء المفوضية لشهرين إضافيين، إلا أن قائمة دولة القانون ترفض التمديد لرئاسة الحيدري”. ويكرس توقيف رئيس مفوضية الانتخابات الأزمة السياسية التي تفجرت لدى انسحاب القوات الأمريكية نهاية العام الماضي، وتقوم خصوصا على شكوى معارضي المالكي وكذلك الأكراد من التهميش وسيطرة رئيس الوزراء على مفاصل الدولة. وفي بيان أصدرته مساء الجمعة، رأت رئاسة إقليم كردستان العراق في قرار توقيف الحيدري والتميمي “انتهاكا صارخا ومساسا خطيرا بالعملية السياسية”. واتهمت “بعضا من القائمين على الحكومة” بأنهم “عقدوا العزم على مواصلة ما بدأوه منذ مدة ليست بالقصيرة من أجل تكريس المركزية عنوة (...) منتهكين بذلك الدستور وكل الأسس التي بني عليها العراق الجديد”. واهابت رئاسة الإقليم الكردي الذي يتمتع بحكم ذاتي “بكافة الجهات والقوى الديمقراطية والوطنية إلى أخذ هذه المخاطر بنظر الاعتبار قبل أن تؤدي إلى وقوع ما هو أخطر بكثير”. وختمت بالقول أن “ما يقوم به البعض داخل مؤسسة الحكم في بغداد لهو ارتداد خطير وانقلاب على ما بنيناه جميعا وناضلنا وضحينا من أجل تحقيقه”. ورأى النائب عن قائمة “العراقية” حيدر الملا في تصريح لفرانس برس أن توقيف الحيدري “رسالة من المستهدف على انه فوق القانون وفوق العملية السياسية، ومن يقف وراء ذلك هو رئيس ائتلاف دولة القانون”، أي المالكي. وتابع “اليوم تخطينا ولادة الديكتاتورية، وانتقلنا الى مرحلة نموها بيد رئيس الوزراء وهناك مسؤولية أخلاقية على الزعامات السياسية في أن يحموا العملية السياسية من هيمنة المالكي”. كما اتهم القضاء بأنه أصبح “أداة طيعة في أيدي” المالكي. في مقابل ذلك أكد المتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى القاضي عبد الستار بيرقدار لفرانس برس أن “الموضوع قضائي بحت وقانوني”، نافيا “أي تدخل في القضية من قبل أي جهة كانت، حزبية أو سياسية أو حكومية”. واكتفى علي الموسوي، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، بالقول تعليقا على توقيف الحيدري أن “هذا موضوع قضائي يتعلق بالقضاء وهيئة النزاهة” التي تحقق في قضايا الفساد داخل المؤسسات العراقية.