مصر لن تنتظر حتى تتم التحقيقات و يتم القبض عل الجناة كما وعد الرئيس مبارك. مصر لا يمكنها الانتظار لأنها قد ملت عجز و خيبة مسئوليها. أربعون عاماً ينخر فى بدنها سوس الطائفية و التخلف، ويتمطع فيها الفساد حتى أصبحت “دولة اجرامية عظمى”، تسيرها عصابات رجال الأعمال التى استولت على كراسى الوزارة بها. مصر لا يمكنها الانتظار، لأنها أصبحت على فوهة بركان يكاد ان يطيح بها الى آتون الفتنة الطائفية. مصر انتظرت عاماً كاملاً لترى حكم القضاء فى من أطلق الرصاص على الأقباط فى نجع حمادى وهم خارجون من الكنيسة ليلة عيد الميلاد، ومازالت تنتظر. و بدلاً من حسم سريع فى قضية تمس الأمن القومى المصرى، تلكأت العدالة فى ادانة أو تبرئة البلطجية. و زاد الطين بلة أن المحرض أصبح عضوا فى مجلس الشعب و فى صدارة قيادات الحزب الحاكم. مصر انتظرت أن تتحرك حكومتها و أجهزتها فى التصدى للشحن الطائفى المستمر عبر المظاهرات الدورية المطالبة بمقاطعة المسيحيين و بالغاء الاحتفال بأعيادهم و بإقالة البابا، لكن قيادتها فضلت الطناش و لم تتحرك. شهور كاملة تتعرض فيها مدينة الأسكندرية لمنشورات طائفية بغيضة يقودها السلفيون و قيادات الجماعة الاسلامية التى أصبحت جزءاً من منظومة أمنية تتحرك لصالح أهداف خاصة. أعوام طويلة تتحرك فيها خفافيش الطائفية على شاشات الفضائيات و على صفحات الجرائد مستقلة و قومية، تحت أنظار الحكومة و بمباركة خفية منها مصر انتظرت ثلاثة أشهر لترى كيف سيحمون كنائسها من تهديدات القاعدة، و لكن انتظارها جاء مخيباً للأمال. مصر تنتظر أعواماً كاملة ليصدر قانون “بناء دور العبادة الموحد”. طال الانتظار حتى رأينا بأم أعيننا المسيحيين المصريين المعروفين بالمسالمة يفقدون صبرهم ، و يلجأون لمهاجمة مبنى محافظة الجيزة و يشتبكون مع الأمن ليدافعوا عن حقهم فى الصلاة. مصر انتظرت أن يجد تقرير لجنة تقصى الحقائق فى مجلس الشعب حول الأحداث الطائفية فى بداية السبعينات طريقه للتنفيذ، لكن التقرير الذى قام بصياغته جمال العطيفى و رشدى سعيد تم قبره فى صندوق القمامة. مصر لن تنتظر، لأن التاريخ لا يعرف الانتظار. ليس عبثاً أن التحولات السياسية الكبرى فى مصر تعقب دائما التوترات الطائفية الكبرى. فى عام 1909 انفجر الاحتقان الطائفى بالمؤتمر القبطى فى أسيوط ، فردت مصر بالمؤتمر المصرى عام 1911 والذى تناول كل قضاياها السياسية و الوطنية و الاقتصادية و الاجتماعية. كانت وثائق ودراسات هذا المؤتمر هى ما تبنته ثورة 19 و ما تبناه المشروع الوطنى المصرى فى دستور 23. فى عام 1951 اشتعلت كنيسة السويس فى حريق طائفى ، و ماهى إلا شهور و قامت ثورة يوليو 52. مصر لم تنتظر أكثر من شهر، عندما حدثت فتنة الزاوية الحمراء1981 و حدثت اعتقالات 5 سبتمبر 81. انتقلت السلطة فيها فى حادث مأساوى لم تشهده من قبل. مصر لا تستطيع الانتظار عندما يصل الأمر الى تهديد وحدتها الوطنية. مصر لا تحتمل التقاعس فى التصدى لخطر الفتنة الطائفية. فى كتاب صدر حديثاً بعنوان “المسلمون و الأقباط فى التاريخ” يتحدث المفكر “فكرى جبران” عن تعرض المسيحيين الأقباط للاضطهاد و التمييز فى عصور ضعف الدولة المصرية أمام التهديدات الخارجية و عن الأخطار الطائفية التى تهدد مصر الآن. يحكى “جبران” عن وحدة المصريين و أصلهم الواحد الذى جعل “كرومر” يعجز عن تمييز المسيحى من المسلم من الملامح و السلوك. مصر لن تنتظر الفتنة ، ستتحرك قبل أن تصيبها فى مقتل. يحكى التاريخ أنه فى عهد المملوك “الناصر بن قلاوون”، الذى تم خلعه ثلاث مرات، احترقت أغلب كنائس مصر فى يوم واحد، لم يمر أسبوع إلا و كانت المساجد أيضا تحترق و حدثت أفدح فتنة طائفية شهدتها. مصر لا تستطيع الانتظار، سيتحرك مثقفوها و وطنيوها لوأد الفتنة حتى و لو تلكأ مسؤولوها. حان الوقت لمواجهة الرياح السامة التى هبت عليها طوال أربعين عاماً. آن الأوان للتصدى للظلامية و للثقافة الطائفية. جاء الوقت لوضع أساس الدولة المدنية الحديثة.. دولة كل المصريين دون تفرقة على أساس جنس أو دين. لم يعد فى مقدورالمصريين الصبر على الاستبداد و الفساد و الطائفية. مصر لا تستطيع الانتظار، و لن تنتظر. مواضيع ذات صلة 1. د.إيمان يحيى :مسابقة “الطالب الغيور” و “الجامعة الغيورة” 2. د.إيمان يحيى: الحرس بين “الجامعة” و”السلخانة” 3. د. إيمان يحي : التسلط 4. مانشيت : إعلاميون يحذرون من ألتراس فتنة طائفية .. ويطالبون باعتذار “الأهرام” عن مقال يسئ للبابا 5. إيمان يحيي عبد الحميد : للعفن خبث غير مبرر