قسوة الجرم فرض الصمت على ضحكات البراءة .. تفطر القلب.. كلما فتحت الشفاه لتقول آه صاحبتها العيون بسيل دموع. ولم تقدر الدموع على تطهير الدنس. مجرمون نحن أم أبرياء ؟ قتلة أم ضحايا ؟ من منح القاتل الضوء الأخضر؟ من سلمه سلاح التدمير الشامل لمصر؟ أهو لغز أم إجابة ؟ ضاعت الحكمة تحت سيول الغوغاء. فقدنا العقل والهوية وأصبحنا في بلادنا غرباء.. ما أتعس أمة يقود خطاها حمقى. بكى المسلمون وناحوا لأن سويسرا منعت بناء المآذن .. تعالت الأصوات متهمة فرنسا بالعنصرية لأنها منعت ارتداء النقاب في الأماكن العامة.. خرجت المظاهرات وأنبرت الأقلام : قالوا الغرب عنصري ضد المسلمين وحرية الأديان ! ونفس المسلمين في ديارهم هم من يعارضون بناء الكنائس في بلادهم وهم من يرعبون ويقتلون المسيحيين من أبناء شعوبهم في العراق وفلسطين ومصر. لقد أصبح الواقع من السطوع ليكون كل تكذيب أو تهوين له جريمة أو مشاركة في الجريمة. فالدماء تسيل والدمار حاصل. فليس الأمر مقالات لصحف أجنبية وأخرى مغرضة وعملاء من الخارج وبث للفتنة.. فالفتنة استتبت وتتجسد كل يوم بدليل ناصع لمن شاء أن يسمع ومن أراد أن يرى. إن حجم النفاق والكذب الذي نحياه يوميا فاض عن الحد ونضع رؤوسنا في الرمال لكي نقول في داخلنا ” أزمة وتفك”. وأنه لا توجد مشاكل فعلية فهي مجرد قلة منحرفة ومتشددة حرفت الأديان ؟ ولكن لابد من الاعتراف أن المشكلة ليست من صنع الخارج وحده حتى ولو ثبت أن “أجانب” هم الفعلة في مذبحة الإسكندرية. فهم لم يكونوا بأجانب منذ عام بالتمام، في الأسبوع الأول من يناير، في صعيد مصر عندما قاموا بمذبحة مماثلة أمام كنيسة في محافظة قنا في يوم عيد أيضا.. المشكلة في قلب مصر. في التعليم الذي انحدر طوال سنين.. في عدم تدريس التاريخ الفعلي لمصر ليعرف كل إنسان أن مصر دائما ما كانت مجتمع تتعايش فيه الديانات. وهذا التحريف للتاريخ والنظر لمصر كدولة للمسلمين جريمة لا يمكن الصمت عليها. إن شعوبا أخرى لا تقبل مجرد تحريف طفيف في التاريخ فلقد ثار الفرنسيون على الدولة لأنها أرادت وضع فقرة واحدة في كتب المدارس تقول:”أن الفترة الاستعمارية لم تكن كلها شرا على البلاد التي وقعت تحت الاحتلال”. فقرة واحدة تخفي حقيقة رفضها شعب بأكمله وتراجعت الدولة بقرار من “جاك شيراك” رئيس الجمهورية حينها. فكيف يدرس التاريخ المصري وهل كانت مصر منذ وجد العالم إسلامية الديانة والشعب ؟ ومنذ متى كان تعدد الديانات في مصر مشكلة وهي التي حملت في قلبها كل الديانات بأمان آلاف السنين؟ المشكلة في قلب الدولة التي ترى في كل جريمة مجرد انحراف من قلة وليست ترجمة للممارسات الرسمية في الواقع ضد ملايين المصريين لأنهم لا يحملون “دين الدولة” الذي نص عليه الدستور. فالدولة تمنح الضوء الأخضر لكل ممارسات التجريم العرقي والديني بوعي أو بدون وعي.. وهل في السياسة ما يمكن ان يكون ناتج عن لا وعي ؟ يقينا لا.. لكي لا نترك سؤالا يقبل الشيء ونقيضه. فلقد كتب الكثير من شرفاء مصر عن المناصب الممنوعة في الواقع عن المسيحيين. فليس هناك إدعاء في الأمر إذ هو واقع يراه الضرير. المشكلة في كل الأحزاب السياسية التي يتعارك قادتها على مقاعد الزعامة أكثر من الانشغال بقضايا المجتمع فيفقدون كل مصداقية. الأحزاب التي تدعي أنها معارضة ولكن تختلط بها الأوراق مع أوراق الحزب الحاكم من اجل بعض المقاعد التي حصلت عليها بالتزوير. المشكلة في أن الدولة قامت بتربية شعب يبيع صوته لمن يدفع أكثر ولا يقول رأيه.. هل هذا مجتمع ؟ هل هو شعب ؟ شعب يقول آمين لحكامه مهما ظلوا في السلطة ومهما فعلوا به ؟ نعم إنه شعب وإنه مجتمع يمكن ان تجري في عروقه كل السموم وأن يتلاعب به كل داعية وكل أفاق. فلقد كاد صوت المثقف أن يكون مريبا بعد اختلطت أفكاره بخطاب السلطة وأصبح أبنها المدلل الذي يزين سترته بقلادة وجوائز رسمية ومناصب برلمانية فكيف له أن يقول لا لمن أنعم عليه ؟ فإذا غاب عقل الأمة وضاع الوعي في سكرة الفرح الذاتي بمنصب أو مكانة فلا عجب أن أحدا لا ينشغل بالغلابة الذين لا يجدون قوت يومهم ومن لا يحق لهم في العلاج إلا إذا كانت لديهم عملات أجنبية. ولا أحد يهتم بملايين الشباب دون عمل يموتون في بحار بلا ضفاف هربا من الجوع.. هؤلاء المتروكين والمنبوذين هم العجينة التي يضع فيها من يشاء، من الداخل والخارج، “خميرة التدمير الشامل” لمصر. وما أطول قائمة الضحايا لمن صمموا على تدمير مصر: شيعي .. بهائي.. مفكر حر.. قلم جنح به الخيال.. ريشة فنان ماجنة.. مطربة هفهف شعرها خارج الحجاب.. قبلة زوج لزوجته لحظة فرح في حديقة.. ضحكة سعادة هزت جسد فتاة... السؤال الذي لا يمكن التهرب منه هو: ما الذي سيحدث في مصر بعد تلك المذبحة في إسكندرية مدينة التعايش منذ الزمن السحيق ؟ هل أصبح كل نجع وقرية بل كل بيت يعيش فيه بعض المسيحيين مكان لا أمان له وفيه ؟ هل ستمارس في مصر سياسة “التطهير الديني” التي نتهم بها الدول الأخرى؟ لابد.. لابد من تغير ثقافي وتعليمي وسياسي. لابد من طرح كل القضايا بوضوح وحل المشاكل من جذورها وليس “تقبيل رأس” كل منا لرأس الأخر والقول: “اللي فات مات”.. فما فات هو البداية لما يعد لمصر من كوارث. مواضيع ذات صلة 1. مصطفى نور الدين :ألف .. باء الديمقراطية.. غدا في مصر ؟ 2. دكتور مصطفى نور الدين يكتب : التمرد الفرنسي.. موعدنا غدا 3. مصطفى نور الدين يكتب: عن ألبير قصيري الذي مات في باريس ومصر في قلبه 4. البنك المركزي : الدين الخارجي لمصر زاد 2.2 مليار دولار في 2010 5. “ادى صوتك لمصر”.. حملة لطلاب الإخوان بجامعة حلوان لدعوة زملائهم للمشاركة في الانتخابات