استشرى بعد ثورة شعب مصر العظيمة داء المراوغة في العمل السياسي ما أدى إلى تعثر اكتمال الثورة ونيل غاياتها في الحرية والحكم الديمقراطي السليم، والعدل والكرامة الإنسانية للجميع. لكن هذا مقال متأدب يخلو من الفحش والبذاءة، ولا يحوي تعريضا أو إدانة، ناهيك عن سبٍ، لأشخاص معينين أو جماعات بعينها. فمن نعم اللغة العربية، فوق غناها البديع، دقتها القاطعة. لنبدأ بالمعاني. وفق المعجم الوجيز، الصادر عن مجمع اللغة العربية، يعني المصدر الثلاثي “راغ”: “حاد وذهب يمنة ويسرة في سرعة وخديعة”. ومنه “مراوغ” أي مخادع. الخديعة إذن مكوّن أصيل لسلوك المراوغة. وإضمار الخديعة يؤسس للنفاق. وفي المعجم أيضا أن المصدر الثلاثي “خدع” يعني ” تغير من حال إلى حال”؛ و “أراد به المكروه من حيث لا يعلم”؛ وخادع الناس “متلون لا يثبت على رأي”. وفيه كذلك ن “المنافق” هو ” من يُظهر خلاف ما يبطن” واسم الفعل هذا مشتق من المصدر الثلاثي “نفق” الذي يشر أحد معانيه إلى الفناء. ونتحول الآن لحكم الإسلام في أنماط السلوك هذه. ونحتكم إلى الناموس الأعلى لخلق الإسلام، أي القرآن الكريم، ترفعا عن فتح الباب لأهواء البشر في أحكام الفقه التي تتلون بالهوى والغرض الدنيوين تدنيسا للإلهي المقدس. يؤكد القرآن المخادع لا يخدع في النهاية إلا نفسه، ويرتد كيده عليه. فهو يحاول، عبثا، خداع الله جل جلاله. “وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون” (البقرة، 2) ويوقع إضمار الخديعة المنافقيبن في “الدرك الأسفل من النار” (النساء، 4). بدلالة “إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم” (النساء، 4) بل ويجمع القرآن بين النفاق والكفر: “وعد الله النافقين والمنافقات والكفار نار جهنم” (التوبة، 9) و “يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقفين” (الأحزاب، 33) النسبة المنافسة على مقاعد المجلس النيابي (30%- 50%) ثم المنافسة على جميع المقاعد الإعلان عن عدم تأييد مرشح إسلامي للرئاسة ثم الدفع بمرشح رئاسي من قيادات الإخوان أنفسهم فكم بمصر من المخادعين والمنافقين الآن؟ يحق للقارئ أن يستنبط من محتوى المقال أحكامه الخاصة على شخصيات سياسية ما أو جهات ذات شأن في المجال العام في مصر، لا سيما أولئك الذين يزعمون، وتلك التي تزعم أن سلوكها في الشأن العام يصدر عن قويم الإسلام. لكنهم لن يخدعوا في النهاية إلا أنفسهم.