“الجماعة لن تدعم مرشحا من التيار الإسلامي”.. قالها المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع يوم 20 من يناير الماضي في حوار مع وائل الإبراشي على قناة دريم، ثم خرج بعده د. محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم الجماعة ذاتها ليصرح للأهرام في الثامن عشر من فبراير أن الجماعة لن ترشح علمانيا للرئاسة، ومن بعده يؤكد قيادي في الحرية والعدالة للمصري اليوم في الثاني من مارس أن مرشد الجماعة وضع شرطاً لمرشح الرئاسة أن يكون ذا خلفية إسلامية. التضارب الواضح بين التصريحات الثلاث يأتي ضمن مؤشرات عدة أن الجماعة ذات الأربعة والثمانين عاما أمام مأزق حقيقي في تعاملها مع انتخابات الرئاسة الحقيقية الأولى في تاريخ مصر تستحق مراجعة مواقف الجماعة من المرشحين –المتحملين حتى الان- لانتخابات يفتح باب الترشح الرسمي لها بعد ساعات بين رجال مبارك والعسكري جاء تقرير على الموقع الالكتروني للجماعة نشر في 27 – 2- 2012 بعنوان “ملف أحمد شفيق.. اتهامات بالفساد والتربح” بدأ بوصف كاتبه للفريق شفيق بأحد رجال الرئيس المخلوع ليكون رئيس الوزراء المخلوع أول المبعدين تماما من احتمالات دعم الإخوان، وهو أمر لم يكن يحتاج مؤشرا لكن توقيته وكونه أول خيار مستبعد من المعركة القادمة استحق أن يلفت انتباه المتابعين ويدلل كذلك على ضعف فرص فوز الرجل بالرئاسة دفعت أكبر فصيل سياسي لإعلان رفضه بهذا الشكل دون الخوف من تبعات القرار اذا ما تولى الرجل مقاليد الحكم في البلاد، وهو الأمر الذي لا تحسمه القيادة الإخوانية بنفس الجرأة مع عمرو موسى رجل النظام السابق أيضا على الرغم من انتقادات وجهتها الآلة الإعلامية الإخوانية لوزير خارجية مبارك أثناء الجدل الذي احتدم مع مواقف التيارات السياسية المختلفة من الإعلان الدستوري، بينما يحاول موسى جاهدا الحفاظ على علاقة طيبة بمكتب الإرشاد وقيادات الحرية والعدالة كانت واضحة في حرصه على حضور الافتتاح الكبير لمقر الجماعة في المقطم في مايو من العام الماضي متصدرا صفوف المهنئين ومؤكدا على كون وجود الإخوان بشكل شرعي هو صميم الديمقراطية وحق أصيل بعد الثورة، ومن بعدها حرص كذلك في كثير من مناسبات الظهور والحوارات الصحفية على مداعبة الإخوان بعبارات الترحيب بالتعاون معهم. وعلى الرغم من كل تلك المحاولات والحضور المتزايد لموسى في الشارع والمعزز بجولاته ونشاطه في مختلف المحافظات، إلا أن قيادات الجماعة ستواجه معارضة عنيفة من كوادرها وانتقادات من معارضيها وأبنائها ورفاق التيار الإسلامي إذا ما قررت دعم موسى في الجولة الأولى لاعتبارات الانتماء للنظام السابق أولا، واعتبارات أخرى لها علاقة بسلوكيات شخصية. وهو ما يرجح كفة دعم موسى فقط في الإعادة إذا جاء مواجها لواحد ممن ترفض الجماعة وجودهم على رأس السلطة بشكل قاطع، وهو تقريبا نفس الأمر بالنسبة لمنصور حسن المرشح الذي دخل السباق متأخرا والأكثر قربا من المجلس العسكري والذي لا تجد قيادات الإخوان حرجا من دعمه باعتباره يناسب النهج الإخواني المعتاد من البحث عن وجه “توافقي” كوردة في العروة الإخوانية التي لا تريد المغالبة، مثلما كانت تفعل بتقديم عزيز صدقي في مؤتمرات الإصلاح، ومن بعده حسن نافعة في مؤتمرات الجمعية الوطنية للتغيير، ثم وحيد عبد المجيد ومحمد السعيد إرديس في مرحلة ما بعد الثورة وتجربة التحالف الديمقراطي، لكن المأزق في ترشيح الرجل يعود إلى ضربه فكرة يروجها التنظيم لقواعده عن عدائه للعسكر وتحينه فرصة أنسب لنقل السلطة دون مواجهة وعنف وهو ما سيتعارض بشكل واضح مع دعم مرشح يعرف الجميع أنه الأكثر ولاءً للعسكر ربما في مرتبة أقرب من الفريق شفيق الذي ضحى به العسكر من قبل وأزاحوه من كرسي رئاسة الوزراء قبل أن تحتشد مليونية في التحرير للمطالبة بعزله. ..... كانوا منا .. أزمتان تواجهان قيادة الإخوان في تعاملها مع المرشحين الإسلاميين الثلاث في الرئاسة بين خوف من الاتهام برفض رئيس إسلامي من جانب الأغلبية التي دعمت الحرية والعدالة والنور في الشعب والشورى، وبين خوف أكبر من دعم مرشح إسلامي لأسباب متنوعة أولها من شق صف الجماعة وخالف أوامرها أو من سيتولى مقعد الرئيس فيدخل في معارك عنيفة مع جهات عدة تطل من بين تصريحاته أو من سيضرب مشروع الإخوان التدريجي الأزلي بالحكومة الإسلامية المنتظرة التي تسبق أستاذية العالم. وربما ستدفع تلك الأسباب مكتب الإرشاد لتجنب إجراء تصويت على المرشح الذي تدعمه الجماعة خشية أن تأتي النتيجة صادمة في صالح المفصول أو الصدامي أو القريب من العسكر، فأبو الفتوح الأكثر تفضيلا الآن بين التيارات المعتدلة وقطاع كبير من الشباب هو في نظر القيادات عضو خالف الشورى وشق الصف فتم فصله بالإضافة إلى أنه يضرب الحلم الذي يداعب الرجل الأقوى في الجماعة خيرت الشاطر منذ زمان طويل، واقترب أوانه في ان يكون مهندس نهضة مصر عبر رئاسة أول حكومة إخوانية مصرية، بالإضافة إلى رفض قيادات التنظيم التي تعادي أبو الفتوح منذ أن بدأ سطوع نجمه في العمل السياسي والعام وانتقد ممارساتهم علنا منذ الخلافات على جدوى استمرار التنظيم العالمي للإخوان الذي وصفه أبو الفتوح بالكيان المنتهي إكلينيكيا، واعتراضات الأخير المتكررة على مواقف التيار التنظيمي في الجماعة والتي انتهت بموقفه المعلن من الجلوس مع نائب مبارك عمر سليمان في الثمان عشر يوما. بينما أبو إسماعيل القريب إلى حد كبير من التيارات السلفية وإخوان الريف والذي خاض من قبل انتخابات مجلس الشعب على قوائم الجماعة في 2005 وخسر أمام مرشحة الحزب الوطنى آمال عثمان فإنه الخيار المرفوض بصورة أكبر من أبو الفتوح نظرا لصداميته الشديدة واحتمالات أن يفتح وصوله إلى رأس السلطة مواجهات مع العسكر، والمتخوفين من الحكم المتشدد والتضييق الخارجي على مصر. بينما يأتي العوا في قائمة الأكثر قربا من تفضيلات الإخوان بين الثلاثة لتاريخه كمفكر مستقل قريب من الجماعة ومواقفه كقانوني ومنظر محسوب على التيار الإسلامي المعتدل، بينما يضعف من فرصه في الحصول على التأييد قربه من المجلس العسكري الذي يدفعه في بعض الأحيان للحديث بلسان العسكر وتبرير مواقفه ودفع التهم عنهم، كما أن الرجل معروف عنه في الدوائر القريبة منه أنه كثيرا ما يرفض النصح والمشورة ويواجههما أحيانا بطريقة تفتقد الحكمة والقدرة على الاحتواء كما حدث مع اقتراحات لجنة المائة وحزب الوسط للوساطة بينه وبين أبو الفتوح أو تعامله مع انتقادات حضور ندوته في لندن. مطلوب رئيس.. كان الحل أمام الإخوان هو تجنب الخيارات المتاحة والإعلان أنها تنتظر مرشحا أكثر قوة وتناسب مع اللحظة، بينما السعي مستمر لإقناع مرشح محسوب على التيار الإسلامي دون أن يكون ابن واحد من التنظيمات الإسلامية، وهي المعايير التي تنطبق تماما على المفكر المستشار طارق البشري وهو ما دفع الإخوان لمحاولة إقناع الرجل بالترشح للرئاسة لكنه رفض، فانتقل السعي إلى وجه آخر تجسد في رئيس المجلس الأعلى للقضاء وواحد من أبرز وجوه تيار الإستقلال الذي شارك الإخوان مع غيرهم من الفصائل السياسية في معركته الأكبر في 2006 لكن الرجل لا يزال يفكر وربما تكون موافقته نهاية للمأزق الذي تعيشه الجماعة. كيف سينتهي الموقف؟ قلق بالغ تعيشه القيادة من انشقاقات أو أزمات داخلية اذا ما فرض مرشح بعينه لضمان البقاء ككتلة تصويتية مؤثرة والاشتراك في دعم مرشح يناسب المشروع الإخواني، أو الاحتمال الثاني أن يترك الأمر للتصويت الداخلي ودعم المرشح صاحب النصيب الأكبر من الأصوات، لكن أغلب الظن كما تشير كل تلك المقدمات أن الإخوان لن تلجأ لمبدأ الشورى أو التصويت الداخلي على مرشح تدعمه الجماعة بل سيترك الأمر لتقدير كل فرد مع إعلان القائمة النهائية للمرشحين بعد الحكم في الطعون خشية أن ينتهي الأمر بحرج للقيادات اذا ما تصدره أبو الفتوح أو أبو إسماعيل وسيتم وضع ضوابط فقط كرفض الأعضاء السابقين بالجماعة أو المحسوبين على نظام مبارك. لكن لو افترضنا وقوف واحد من الاثنين أمام عمرو موسى في جولة الإعادة فإن موقف الجماعة يبقى غير متوقع حتى الآن خصوصا وإن قطاعا كبيرا من كوادرها وقاعدتها لن يقبل اختيار رجل مبارك حتى وان حاولت قيادات الجماعة اقناعهم بأنه أخف الضررين، ويأتي كل ذلك ليمثل دليلا ومؤشرا على الأزمة التي تعانيها الجماعة في هذا الملف وهو ما يظهر بوضوح في تضارب تصريحات قياداتها والتعليقات الساذجة من بعض أفرادها والاستقالات المتتالية من بعضهم الآخر، تكشف إضافة إلى ذلك غياب التفكير الاستراتيجي لديها وغياب أبجديات التعامل مع مواقف تاريخية فاصلة وتحجر الفكر المسيطر على الجماعة الذي تحول مع الوقت الى خيوط تصل نهايتها دوما عند مكتب خيرت الشاطر.