حنكة سياسية انفردت بها سلطنة عمان جعلتها تحافظ على علاقات متوازنة مع جميع الدول والأطياف السياسية المختلفة طوال العقود الماضية، فعكس جيرانها في المنطقة الخليجية، كانت مسقط رائدة في اتباع سياسة خارجية مختلفة جعلتها مؤهلة للعب دور الوسيط النزيه في جميع الأزمات، ولم تخف يومًا دعمها لسوريا في أزمتها وحربها ضد الإرهاب، وإن كانت لم تجاهر به تجنبًا للدخول في فتن وخلافات مع جيرانها، إلا أنه كان يظهر جليًا في العديد من المناسبات والمواقف. وصل وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الاثنين الماضي، إلى العاصمة العمانيةمسقط، على رأس وفد يضم نائب وزير الخارجية والمغتربين، فيصل المقداد، في زيارة رسمية تلبية لدعوة من وزير الشؤون الخارجية العماني، يوسف بن علوي، لتكون الزيارة الثانية التي يجريها وزير الخارجية السوري للسلطنة منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، وبحسب البيانات الرسمية عن وزارتي الخارجية السورية والعمانية، فإن المعلم، سيبحث مع المسؤولين العمانيين سبل تعزيز العلاقات بين البلدين، وسيجري محادثات حول الأوضاع الراهنة بالمنطقة. خلال الزيارة، التقى المعلم بوزير الشؤون الخارجية العماني، يوسف بن علوي، وأجرى معه محادثات حول تعزيز العلاقات في مختلف المجالات وخاصة بعد التطورات التي شهدتها سوريا مؤخرًا، بما يحقق مصلحة البلدين والشعبين، كما التقى بنائب رئيس الوزراء والممثل الخاص للسلطان العماني، أسعد بن طارق آل سعيد، وافتتح وزير الخارجية السوري، أول أمس الثلاثاء، المقر الجديد للسفارة السورية في مسقط. خلال اللقاء الذي جمع نائب رئيس الوزراء العماني والممثل الخاص للسلطان، مع وزير الخارجية السوري، قال آل سعيد إنه "سيتم قريبًا انطلاق خطة إعادة إعمار سوريا، التي ستساهم بها السلطنة، مع اقتراب الأزمة من نهايتها بهزيمة تنظيم داعش"، مؤكدا أن سوريا على حق والحق ينتصر دائمًا، مشيرًا إلى حرص عمان على وحدة وسيادة سوريا واستقرارها، بما تمثله كوجه مشرق وعريق للتاريخ والثقافة والحضارة، بالانتصارات التي تحققت في مواجهة الإرهاب، مُحملًا وزير الخارجية السوري تحيات وتقدير السلطان قابوس بن سعيد إلى أخيه الرئيس بشار الأسد. من جانبه، أثنى وزير الخارجية السوري، على دعم سلطنة عمانلدمشق منذ بداية الأزمة السورية قبل سبع سنوات، وأشاد المعلم ب"المواقف الثابتة للسلطنة الداعمة لسوريا في مختلف المحافل العربية والدولية"، وتحدث أيضًا عن وجود تعاون ثنائي بين البلدين سيتم تعزيزه في المستقبل القريب، وأضاف "سيتم قريبًا انطلاق خطة إعمار سوريا بعد اقتراب الأزمة من نهايتها"، وأكد "لم يكن بيننا مواضيع خلافية، دائمًا نحن في حوار شقيق لشقيقه"، وتابع "يكفينا أن السلطنة استمرت على نهج ثابت في دعم الشعب السوري". الزيارة الأخيرة التي أجراها وزير الخارجية السوري إلى سلطنة عمان، أظهرت مدى تطور العلاقات بين الطرفين، حيث اعتادت السلطنة على التزام الحياد السياسي في الأزمة السورية ولعب دور الوسيط في بعض الأحيان، لكن تصريحات المسؤولين العمانيين هذه المرة أظهرت أن مسقط باتت تجاهر بدعمها لدمشق خاصة بعدما أوشكت الأزمة السورية على الانتهاء، واتضحت حقيقة المؤامرات التي كانت تُحاك لهذه الدولة. سلطنة عمان تعتبر الدولة الخليجية الوحيدة التي لاتزال تحتفظ بعلاقتها الدبلوماسية مع دمشق وسفارتها مفتوحة هناك، وأيضًا الدولة العربية الوحيدة التي لاتزال يدها غير مُلطخة بالدماء السورية، فمنذ بداية الأزمة أعلنت سلطنة عمان رفضها للعمليات المسلحة التي تستهدف إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد، ودعت في الوقت نفسه، إلى انتهاج الطرق السلمية والدبلوماسية لتسوية الأزمة، فيما تكالبت كل دول مجلس التعاون الخليجي على قطع علاقاتها مع سوريا وسحب السفراء، حتى أن بعضها اتخذ قرارا بتعليق عضوية الجمهورية السورية من جامعة الدول العربية، فيما كانت سلطنة عمان مُعارضة للقرار. الأزمة السورية لم تمنع الطرفين السوري والعماني من تبادل الزيارات وتعزيز العلاقات بينهما، حيث زار المعلم السلطنة في أغسطس عام 2015، وكانت الزيارة الأولى من مسؤول سوري إلى دولة خليجية، فيما زار وزير الشؤون الخارجية العماني، يوسف بن علوي، سوريا في أكتوبر من العام نفسه، لتكون أيضًا الزيارة الأولى لمسؤول خليجي إلى دمشق منذ بداية الأزمة. وخلال العام الماضي، وقعت سوريا وسلطنة عمان مذكرة تفاهم لتوسيع آفاق التعاون المشترك بين البلدين في مجالات النفط والغاز، حيث جاء التوقيع على المذكرة خلال زيارة وزير النفط والثروة المعدنية السوري، علي غانم، إلى سلطنة عمان، وإجرائه مباحثات حول التعاون المستقبلي بين البلدين في مجالات النفط والغاز، تتضمن الصناعة والاستخراج وتأهيل وتدريب الكوادر وإقامة مشروعات مشتركة. نجحت سلطنة عمان في تثبيت موقفها كطرف محايد في محيط إقليمي يضج بالتجاذبات السياسية والعسكرية الحادة، فرغم كونها عضوًا بمجلس التعاون الخليجي، إلا أنها اعتادت على التغريد خارج السرب الخليجي وعدم الالتزام بقرارات المجلس، الأمر الذي مكنها من الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الدول العربية والإسلامية وحتى الغربية، فهي تتبع سياسة النأي بالنفس عن الدخول في صراعات محتملة وفتن سياسية.